الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَهَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن تَوَلَّيۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ} (22)

{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ } فلعلّكم { إِن تَوَلَّيْتُمْ } أعرضتم عن الإيمان ، وعن القرآن ، وفارقتم أحكامه .

{ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ } بالمعصية ، والبغي ، وسفك الدماء ، وتعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الفرقة ، بعدما جمعكم الله تعالى بالإسلام ، وأكرمكم بالألفة .

قال قتادة : كيف رأيتم القوم حين تولّوا عن كتاب الله ؟ ألم يسفكوا الدم الحرام ، وقطعوا الأرحام ، وعصوا الرّحمن ؟ ، وقال بعضهم : هو من الآية . قال المسيب بن شريك والفراء : يقول : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ } إن ولّيتم أمر الناس { تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ } بالظلم ، نزلت في بني أمية ، ودليل هذا التأويل ما أخبرنا الحسين بن محمّد بن الحسين ، حدّثنا هارون بن محمّد بن هارون ، حدّثنا محمّد بن عبد العزيز ، حدّثنا القاسم بن يونس الهلالي ، عن سعيد بن الحكم الورّاق ، عن ابن داود ، عن عبدالله بن مغفل ، قال : " سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم يقرأ { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ } ثم قال : " هم هذا الحي من قريش أخذ الله عليهم إن وُلوا الناس ألاّ يفسدوا في الأرض ولا يقطّعوا أرحامهم " " .

وقرأ علي بن أبي طالب { إن توليتم } بضمّ ( التاء ) و( الواو ) وكسر ( اللام ) ، يقول : إن وليتكم ولاة جائرة خرجتم معهم في الفتنة ، وعاونتموهم . ومثله روى رويس عن يعقوب .

{ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ } قرأ يعقوب ، وأبو حاتم ، وسلام ( وتقطعوا ) خفيفة من القطع اعتباراً بقوله :

{ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } [ البقرة : 27 ] وقرأ الحسن مفتوحة الحروف ، اعتباراً بقوله :

{ فَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } [ المؤمنون : 53 ] . وقرأ غيرهم ( وتقعطوا ) بضم ( التاء ) مشدّداً من التقطيع على التكثير لأجل الأرحام .