الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَهَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن تَوَلَّيۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ} (22)

عسيت وعسيتم : لغة أهل الحجاز . وأما بنو تميم فيقولون : عسى أن تفعل ، وعسى أن تفعلوا ، ولا يلحقون الضمائر ، وقرأ نافع بكسر السين وهو غريب ، وقد نقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب على طريقة الالتفات ؛ ليكون أبلغ في التوكيد .

فإن قلت : ما معنى : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ . . . . أَن تُفْسِدُواْ فِى الأرض } ؟ قلت : معناه : هل يتوقع منكم الإفساد ؟

فإن قلت : فكيف يصح هذا في كلام الله عز وعلا وهو عالم بما كان وبما يكون ؟ قلت : معناه إنكم لما عهد منكم أحقاء بأن يقول لكم كل من ذاقكم وعرف تمريضكم ورخاوة عقدكم في الإيمان : يا هؤلاء ، ما ترون ؟ هل يتوقع منكم إن توليتم أمور الناس وتأمرتم عليهم لما تبين منكم من الشواهد ولاح من المخايل { أَن تُفْسِدُواْ فِى الأرض وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ } تناحرا على الملك وتهالكا على الدنيا ؟ وقيل : إن أعرضتم وتوليتم عن دين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الإفساد في الأرض : بالتغاور والتناهب ، وقطع الأرحام : بمقاتلة بعض الأقارب بعضاً ووأد البنات ؟ وقرىء : «وليتم » . وفي قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «تُوِلِّتُم » أي : إن تولاكم ولاة غشمة خرجتم معهم ومشيتم تحت لوائهم وأفسدتم بإفسادهم ؟ وقرىء : «وتَقْطَعُوا » «وتقطعوا » من التقطيع والتقطع .