قوله : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ } أي فلعلكم إن توليتم أعرضتم عن القرآن وفارقتم أحكامه { أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرض } ، تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية تفسدوا في الأرْضِ بالمعصية والبَغْي وسَفْكِ الدماء وترجعون إلى الفُرْقة بعدما جمعكم الله بالإسلام !
قوله : { أَن تُفْسِدُواْ } خبر عسى{[51435]} . والشرط مُعْتَرِضٌ بينهما وجوابه محذوف لدلاَلَةِ : «فَهَلْ عَسَيْتُمْ » عليه أو هو يفسره «فَهَلْ عَسَيْتُمْ » ، عند من يرى تقديمه .
وقرأ علي رضي الله عنه «إن تُوُلِّيتُمْ » بضم التاء والواو وكسر اللام مبنياً للمفعول من الولاية أي وُلِّيتم أمور الناس{[51436]} . وقال ابن الخطيب : لولا تولاَّكم ولاةٌ ظلمة ، جُفاة غَشَمَة ومشيتم معهم لفسدتم وقطعت الأرحام والنبي عليه الصلاة والسلام لا يأمركم إلا بصلة الأرحام فلم تتقاعدون عن القتال ؟ ! . والأول أظهر ومعناه إن كنتم تتركون القتال وتقولون فيه الإفساد ، وقطع الأرحام وكون الكفار أقاربنا فلا يقع منكم إلا ذلك ، حيث تَتَقاَتَلُونَ على أدنى شيءٍ كما كان عادة العرب الأُوَل{[51437]} . ( وقرئ : وُليتم من الولاية أيضاً{[51438]} ) .
قال ابن الخطيب : في استعمال «عسى » ثلاثة مذاهب :
أحدها الإتيان بها على صورة فعل ماض معه فاعل تقول : عَسَ زَيْدٌ ، وعَسَيْنَا وعَسَوْا ، وعَسَيْتُمَا ، وعَسَيْتُ وعَسَيْتُنَّ وعَسَيْنَا{[51439]} وعَسَيْتُنَّ .
والثاني : أن يؤتى بها على صورة فعل ومفعول يقال : عَسَاهُ ، وعَسَاهُمَا ، وعَسَاكَ ، وَعَسَاكُمَا وعَسَايَ وعَسَانَا{[51440]} .
الثالث : الإتيانُ بها من غير أن يُقْرَن بها شيء{[51441]} تقول : عَسَى زَيْدٌ يَخْرُجُ ، وعَسَى أَنْتَ تَخْرُجُ ، وعَسَى أَنَا أخْرُجُ ، والكل متوجه ما عليه كلام الله أوجه ، لأن «عسى » من الأفعال الجامدة ، واقتران الفاعل بالفعل الأولى من اقتران المفعول ، لأن الفاعل كالجزء من الفعل ولهذا لم يجوزوا فيه أرْبَعَ متحركات في مثل قول القائل : بَصُرْتُ{[51442]} وجوزوا في مثل قولنا : بَصَرُكَ{[51443]} . وقد تقدم الكلام في «عسى » مشْبَعاً .
وفي قوله : «عَسَيْتُم » إلى آخره ، التفات من غيبة في قوله : { الذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } إلى خطابهم بذلك زيادة في توبيخهم والاستفهام للتقرير المؤكد فإنه لو قال على سبيل الإخبار : «عَسَيْتُمْ إنْ » لكان للمخاطب أن ينكره فإذا قال بصيغة الاستفهام فإنه يقول : أنا أسألك عن هذا وأنت لا تقدر ( أن ){[51444]} تجيب إلا ب «لا » أو «نَعَمْ » ، فهو مُقَرَّر عندك وعندي{[51445]} .
واعلم أن «عَسَى » للتوقع والله عالم بكل شيء والكلام فيه كالكلام في «لَعَلَّ » وفي قوله : { لِّيَبْلُوَكُمْ }{[51446]} [ المائدة : 48 ] فقال بعضهم : يفعل بكم فعل المترجِّي والمبتلي والمتوقع . وقيل : كل من ينظر إليهم يتوقع منهم ذلك . وقال ابن الخطيب : هو محمول على الحقيقة ؛ لأن الفعل إذا كان في نفسه متوقعاً فالنظر غير مستلزم لأمر ، وإِنما الأمر يجوز أن يحصل منه تارة ، ولا يحصل منه أخرى يكون الفعل لذلك الأمر المطلوب على سبيل الترجِّي سواء كان الفاعل يعلم حصول الأمر منه أو لم يعلم مثاله من نَصَبَ شَبَكةً لاصطياد الصَّيد يقال : هو متوقع لذلك ، فإن حصل له العمل بوقوعه فيه بإخبار صادقٍ أنه سيقع أو بطريق أخرى لا يخرج عن التوقع .
غاية ما في الباب أن في الشاهد لم يحصل لنا العلم فيما{[51447]} نتوقعه{[51448]} فظن أن عدم العلم لازم للتوقع فليس كذلك بل التوقع هو المنتظر بأمر ليس بواجب الوقوع نظراً إلى ذلك الأمر حسب{[51449]} سواء كان له به علم أو لم يكن{[51450]} .
قوله : { وتقطعوا } قرأ العامة بالتشديد على التكثير ، وأبو عمرو في رواية وسلام ويعقوب : بالتخفيف مضارع قَطَع{[51451]} . والحَسن : بفتح التاء والطاء مشددة ، أصلها تَتَقَّطُعُوا بتاءين{[51452]} حذفت إحداهما{[51453]} . وانتصب «أَرْحَامَكُم » على هذا إسقاط الخافض أي في أرْحَامِكُمْ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.