قوله عز وجل { ويوم تشقق السماء بالغمام } أي : عن الغمام ، الباء وعن يتعاقبان ، كما يقال : رميت عن القوس وبالقوس ، وتشقق بمعنى تتشقق ، أدغموا إحدى التاءين في الأخرى ، وقرأ أبو عمرو وأهل الكوفة : بتخفيف الشين ها هنا . وفي سورة بحذف إحدى التاءين . وقرأ الآخرون بالتشديد ، أي : تتشق بالغمام ، وهو غمام أبيض رقيق مثل الضبابة ، ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم . { ونُنَزِّلُ الملائكةَ تنزيلاً } قرأ ابن كثير : وننزل بنونين خفيفتين ورفع اللام ، الملائكة نصب ، قال ابن عباس : تشقق السماء الدنيا فينزل أهلها ، وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس ، ثم تشقق السماء الثانية فينزل أهلها ، وهم أكثر ممن في السماء الدنيا ، ومن الجن والإنس ، ثم كذلك حتى تشقق السماء السابعة وأهل كل سماء يزيدون على أهل السماء التي قبلها ، ثم ينزل الكروبيون ثم حملة العرش .
ثم وصف - سبحانه - بعض الأهوال التى تحدث فى هذا اليوم فقال : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام وَنُزِّلَ الملائكة تَنزِيلاً } .
وقوله { تَشَقَّقُ } أصله تتشقق بمعنى تتفتح . والباء يصح أن تكون بمعنى عن ، وأن تكون للسببية أى : بسبب طلوعه منها ، وأن تكون للحال ، أى : ملتبسة بالغمام .
والغمام : اسم جنس جمعي لغمامة . وهى السحاب الأبيض الرقيق سمي بذلك لأنه يغم ما تحته ، أى : يستره ويخفيه .
والمعنى : واذكر - أيها العاقل لتعتبر وتتعظ - أهوال يوم القيامة . يوم تتفتح السماء وتتشقق بسبب طلوع الغمام منها ، ونزول الملائكة منها تنزيلا عجيبا غير معهود .
قال صاحب الكشاف : ولما كان انشقاق السماء بسبب طلوع الغمام منها جعل الغمام كأنه الذى تشقق به السماء ، كما تقول : شق السنام بالشفرة وانشق بها ، ونظيره قوله تعالى - :
{ السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ . . } فإن قلت : أي فرق بين قولك : انشقت الأرض بالنبات ، وانشقت عنه ؟ قلت : معنى انشقت به ، أن الله شقها بطلوعه فانشقت به . ومعنى انشقت عنه : أن التربة ارتفعت عند طلوعه .
والمعنى : أن السماء تتفتح بغمام يخرج منها ، وفى الغمام الملائكة ينزلون وفى أيديهم صحف أعمال العباد .
يخبر تعالى عن هَول يوم القيامة ، وما يكون فيه من الأمور العظيمة ، فمنها انشقاق{[21480]} السماء وتفطرها وانفراجها بالغمام ، وهو ظُلَل{[21481]} النور العظيم الذي يبهر الأبصار ، ونزول ملائكة السموات يومئذ ، فيحيطون بالخلائق في مقام المحشر . ثم يجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء .
قال مجاهد : وهذا كما قال تعالى : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ } [ البقرة : 210 ] .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن الحارث ، حدثنا مُؤَمِّل ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مِهْرَان ، عن ابن عباس ، أنه قرأ هذه الآية : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنزلَ الْمَلائِكَةُ تَنزيلا } قال ابن عباس : يجمع الله الخلق يوم القيامة{[21482]} في صعيد واحد ، الجن والإنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق ، فتنشق السماء الدنيا ، فينزل أهلها - وهم أكثر من الجن والإنس ومن جميع الخلائق{[21483]} - فيحيطون بالجن والإنس وبجميع الخلق . ثم تنشق السماء الثانية فينزل أهلها ، وهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن الجن والإنس ومن جميع الخلق [ فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم والجن والإنس وجميع الخلق{[21484]} ]{[21485]} ثم تنشق السماء الثالثة ، فينزل أهلها ، وهم أكثر من أهل السماء الثانية والسماء الدنيا ومن جميع الخلق ، فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم ، وبالجن والإنس وبجميع الخلق . ثم كذلك كل سماء ، حتى تنشق السماء السابعة ، فينزل أهلها وهم أكثر ممن نزل قبلهم من أهل السموات ومن الجن والإنس ، ومن جميع الخلق ، فيحيطون{[21486]} بالملائكة الذين نزلوا قبلهم من أهل السموات ، وبالجن والإنس وجميع الخلق ، وينزل ربنا عز وجل في ظلل من الغمام ، وحوله الكروبيون ، وهم أكثر من أهل السموات السبع ومن الإنس{[21487]} والجن وجميع الخلق ، لهم قرون كأكعب القنا ، وهم تحت العرش ، لهم زَجَل بالتسبيح والتهليل{[21488]} والتقديس لله عز وجل ، ما بين أخمص قدم أحدهم إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام ، وما بين كعبه إلى ركبته{[21489]} مسيرة خمسمائة عام ، وما بين ركبته إلى حُجْزَته{[21490]} مسيرة خمسمائة عام ، وما بين حُجْزَته{[21491]} إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام ، وما بين ترقوته إلى موضع القُرط مسيرة خمسمائة عام . وما فوق ذلك مسيرة خمسمائة عام ، وجهنم مجنبته{[21492]} هكذا رواه ابن أبي حاتم بهذا السياق .
وقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثني الحجاج ، عن مبارك بن فضالة ، عن علي بن زيد بن جُدْعَان ، عن يوسف بن مِهْرَان ، أنه سمع ابن عباس يقول : إن هذه السماء إذا انشقت نزل منها من الملائكة أكثر من الجن والإنس ، وهو يوم التلاق ، يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض ، فيقول أهل الأرض : جاء ربنا ؟ فيقولون : لم يجئ ، وهو آت . ثم تنشق السماء الثانية ، ثم سماء سماء على قدر ذلك من التضعيف إلى السماء السابعة . فينزل منها من الملائكة أكثر من [ جميع من ]{[21493]} نزل من السموات ومن الجن والإنس . قال : فتنزل{[21494]} الملائكة الكَرُوبيُون ، ثم يأتي ربنا في حملة العرش الثمانية ، بين كعب كل ملك وركبته مسيرة سبعين سنة ، وبين فخذه ومنكبه مسيرة سبعين سنة . قال : وكل ملك منهم لم يتأمل وجه صاحبه ، وكل ملك منهم واضع رأسه بين ثدييه يقول : سبحان الملك القدوس . وعلى رؤوسهم شيء مبسوط كأنه القَبَاء{[21495]} والعرش فوق ذلك .
ثم وقف ، فمداره على عليِّ بن زيد بن جُدْعان ، وفيه ضعف ، وفي سياقاته غالبا نكارة شديدة . وقد ورد في حديث الصور المشهور{[21496]} قريب من هذا ، والله أعلم .
وقد قال [ الله ]{[21497]} تعالى : { فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } [ الحاقة : 15 - 17 ] قال شهر بن حَوْشَب : حملة العرش ثمانية ، أربعة منهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك ، لك الحمد على حلمك بعد علمك . وأربعة يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك ، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك ، رواه ابن جرير عنه .
وقال أبو بكر بن عبد الله : إذا نظر أهل الأرض إلى العرش يهبط عليهم من فوقهم ، شخصت إليه أبصارهم ، ورَجَفت كُلاهم في أجوافهم ، وطارت قلوبهم من مَقَرّها من صدورهم إلى حناجرهم .
وقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا معتمر بن سليمان ، عن عبد الجليل ، عن أبي حازم ، عن عبد الله بن عمرو قال : يهبط الله حين يهبط وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب ، منها النور والظلمة ، فيُصَوّت الماء في تلك الظلمة صوتا تنخلع منه{[21498]} القلوب .
وهذا موقوف على{[21499]} عبد الله بن عمرو من كلامه ، ولعله من الزاملتين ، والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَوْمَ تَشَقّقُ السّمَآءُ بِالْغَمَامِ وَنُزّلَ الْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقّ لِلرّحْمََنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً } .
اختلف القرّاء في قراءة قوله تَشَقّقُ فقرأته عامّة قرّاء الحجاز : «وَيَوْمَ تَشّقّقُ » بتشديد الشين بمعنى : تَتَشقق ، فأدغموا إحدى التاءين في الشين فشدّدوها ، كما قال : لا يسّمّعُونَ إلى المَلإِ الأعْلَى .
وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة : وَيَوْمَ تَشَقّقُ بتخفيف الشين والاجتزاء بإحدى التاءين من الأخرى .
والقول في ذلك عندي : أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، وتأويل الكلام : ويوم تشقق السماء عن الغمام . وقيل : إن ذلك غمام أبيض مثل الغمام الذي ظلل على بني إسرائيل ، وجعلت الباء ، في قوله : بالغَمامِ مكان «عن » كما تقول : رميت عن القوس وبالقوس ، وعلى القوس ، بمعنى واحد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله : وَيَوْمَ تشَقّقُ السّماءُ بالغَمامِ قال : هو الذي قال : فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ الذي يأتي الله فيه يوم القيامة ، ولم يكن في تلك قطّ إلا لبني إسرائيل . قال ابن جُرَيج : الغمام الذي يأتي الله فيه غمام زعموا في الجنة .
قال : ثنا الحسين ، قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن عبد الجليل ، عن أبي حازم ، عن عبد الله بن عمرو قال : يهبط حين يهبط ، وبينه وبين خلقه سبعون حجابا ، منها النور والظلمة والماء ، فيصوّت الماء صوتا تنخلع له القلوب .
قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن عكرمة في قوله : يَأْتِيَهُمُ اللّهُ في ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ وَالمَلائِكَةُ يقول : والملائكة حوله .
قال : ثني حجاج ، عن مبارك بن فضالة ، عن عليّ بن زيد بن جُدعان ، عن يوسف بن مهران ، أنه سمع ابن عباس يقول : إن هذه السماء إذا انشقت نزل منها من الملائكة أكثر من الجنّ والإنس ، وهو يوم التلاق ، يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض ، فيقول أهل الأرض : جاء ربنا ، فيقولون : لم يجىء وهو آت ، ثم تَتَشقق السماء الثانية ، ثم سماء سماء على قدر ذلك من التضعيف إلى السماء السابعة ، فينزل منها من الملائكة أكثر من جميع من نزل من السموات ومن الجنّ والإنس . قال : فتنزل الملائكة الكَرُوبيّون ، ثم يأتي ربنا تبارك وتعالى في حملة العرش الثمانية بين كعب كل ملك وركبته مسيرة سبعين سنة ، وبين فخذه ومنكبه مسيرة سبعين سنة ، قال : وكل ملك منهم لم يتأمل وجه صاحبه ، وكلّ ملك منهم واضع رأسه بين ثدييه يقول : سبحان الملك القدوس ، وعلى رؤوسهم شيء مبسوط كأنه القباء ، والعرش فوق ذلك ، ثم وقف .
قال : ثنا الحسن ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن هارون بن وثاب ، عن شهر بن حوشب ، قال : حملة العرش ثمانية ، فأربعة منهم يقولون : سبحانك اللهمّ وبحمدك ، لك الحمد على حلمك بعد علمك . وأربعة يقولون : سبحانك اللهمّ وبحمدك ، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك .
قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، قال : إذا نظر أهل الأرض إلى العرش يهبط عليهم ، فوقهم شخصت إليه أبصارهم ، ورجفت كُلاهم في أجوافهم . قال : وطارت قلوبهم من مقرّها في صدورهم إلى حناجرهم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَيَوْمَ تَشّقّقُ السّماءُ بالغَمامِ ونُزّلَ المَلائِكَةُ تَنْزِيلاً يعني يوم القيامة حين تشقق السماء بالغمام ، وتنزل الملائكة تنزيلاً .
وقوله : { وَنُزّلَ المَلائكَةُ تنزِيلاً }يقول : { ونزّل الملائكة إلى الأرض تنزيلاً المُلْكُ يَوْمَئِذٍ الحَقّ للرّحْمَنِ } يقول : الملك الحقّ يومئذ خالص للرحمن دون كلّ من سواه ، وبطلت الممالك يومئذ سوى ملكه . وقد كان في الدنيا ملوك ، فبطل الملك يومئذ سوى ملك الجبار { وكانَ يَوْما عَلى الكافِرِينَ عَسِيرا } يقول : وكان يومُ تشقّق السماء بالغمام يوما على أهل الكفر بالله عسيرا ، يعني صعبا شديدا .
وقوله { ويوم تشقق السماء بالغمام } يريد يوم القيامة عن انفطار السماء ونزول الملائكة ووقوع الجزاء بحقيقة الحساب ، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر : «تشّقّق » بشد الشين والقاف . وقرأ الباقون بتخفيف الشين ، وقوله { بالغمام } أي يشقق عنه ، والغمام سحاب رقيق أبيض جميل لم يره البشر بعد إلا ما جاء في تظليل بني إسرائيل ، وقرأ جمهور القراء : «ونُزِّل الملائكةُ » بضم النون وشدّ الزاي المكسورة ورفع «الملائكةُ » على مفعول لم يسم فاعله ، وقرأ أبو عمرو في رواية عبد الوهاب : «ونزِل » بتخفيف الزاي المكسورة ، قال أبو الفتح : وهذا غير معروف لأن «نَزَل » لا يتعدى إلى مفعول فيبنى هنا «للملائكة » ، ووجهه أن يكون مثل زُكم الرجل وجُن ، فإنه لا يقال إلا أزْكمه الله وأَجنَّه وهذا باب سماع لا قياس{[8815]} . وقرأ أبو رجاء : «ونَزّل الملائكة » بفتح النون وشدّ الزاي . وقرأ الأعمش ، «وأنزل الملائكة » . وكذلك قرأ ابن مسعود . وقرأ أبي بن كعب : «ونزلت الملائكة » . وقرأ ابن كثير وحده :{[8816]} «وننزل الملائكةَ » بنونين وهي قراءة أهل مكة ، فرويت عن أبي عمرو «ونُزِّل الملائكةُ » بإسناد الفعل إليها . وقرأت فرقة : «وتنزل الملائكة » . وقرأ أبي بن كعب أيضاً : «وتنزلت الملائكة » .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ويوم تشقق السماء بالغمام} يعني: السماوات السبع، يقول: عن الغمام... {ونزل الملائكة} من السماء إلى الأرض عند انشقاقها {تنزيلا}، لحساب الثقلين، كقوله عز وجل في البقرة: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظُلَلٍ من الغَمَام} [البقرة:210].
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وتأويل الكلام: ويوم تشقق السماء عن الغمام... وجعلت الباء، في قوله: بالغَمامِ مكان «عن» كما تقول: رميت عن القوس وبالقوس وعلى القوس، بمعنى واحد... عن ابن عباس، قوله:"وَيَوْمَ تَشّقّقُ السّماءُ بالغَمامِ ونُزّلَ المَلائِكَةُ تَنْزِيلاً" يعني يوم القيامة حين تشقق السماء بالغمام، وتنزل الملائكة تنزيلاً.
وقوله: {وَنُزّلَ المَلائكَةُ تنزِيلاً} يقول: ونزّل الملائكة إلى الأرض تنزيلاً،
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
والمعني بذلك الإخبار عن هول ذلك اليوم وعظم شدائده، وأن الملائكة تنزل للمؤمنين بالإكرام والإعظام، وللكافرين بالاستخفاف والإهانة..
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ولما كان انشقاق السماء بسبب طلوع الغمام منها، جعل الغمام كأنه الذي تشقّق به السماء، كما تقول: شقّ السنام بالشفرة وانشق بها. ونظيره قوله تعالى: {السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ} [المزمل: 18].
فإن قلت: أي فرق بين قولك: انشقت الأرض بالنبات، وانشقت عن النبات؟ قلت: معنى انشقت به: أن الله شقها بطلوعه فانشقت به. ومعنى: انشقت عنه: أن التربة ارتفعت عنه عند طلوعه. والمعنى: أن السماء تنفتح بغمام يخرج منها، وفي الغمام الملائكة ينزلون...
اعلم أن هذا الكلام مبني على ما استدعوه من إنزال الملائكة فبين سبحانه أنه يحصل ذلك في يوم له صفات:
الصفة الأولى: أن في ذلك اليوم تشقق السماء بالغمام...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان للكفرة في هذه الدار من العز والقوة والضخامة ما يتعجبون معه من مصير حالهم وحال أخصامهم إلى ما ذكر، بين أن الأمر في ذلك اليوم على غير ما نعهده، فقال عاطفاً على {يوم يرون}: {ويوم تشقق} أي تشققاً عظيماً وإن كان فيه خفاء على البعض -بما أشار إليه حذف تائه {السماء بالغمام} أي كما تشقق الأرض بالنبات فيخرج من خلال شقوقها، وأشار إلى جهل من طلبوا نزولهم دفعة واحدة بقوله: {ونزل} أي بالتدريج بأمر حتم لا يمكنهم التخلف عنه، بأمر من لا أمر لغيره. {الملائكة} الذين طلبوا أن يروهم في حال واحد {تنزيلاً} في أيديهم صحائف الأعمال...
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَام} أي ينصدع نظامها فلا يبقى أمر ما فيها من الكواكب على ما يرى اليوم، فيخرب العالم بأسره. و (الباء) بمعنى (مع) أي مع السحب الجوية أو بمعنى (عن)، أي: تنفطر عن الغمام الذي يسود الجو ويظلمه، ويغم القلوب مرآه {وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا} فيحيطون بالخلائق في المحشر.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ولقد كان الكفار يقترحون أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة. وربما كان ذلك تأثرا بالأساطير الإسرائيلية التي كانت تصور الإله يتراءى لهم في سحابة أو عمود من النار. فهنا يعود ليرسم مشهدا آخر يوم يتحقق اقتراحهم بنزول الملائكة إليهم: (ويوم تشقق السماء بالغمام، ونزل الملائكة تنزيلا. الملك يومئذ الحق للرحمن. وكان يوما على الكافرين عسيرا). وهذه الآية وكثير غيرها في القرآن يقرر أن أحداثا فلكية ضخمة ستتم في ذلك اليوم. وكلها تشير إلى اختلال كامل في النظام الذي يربط أجزاء هذا الكون المنظور وأفلاكه ونجومه وكواكبه. وإلى انقلاب في أوضاعه وأشكاله وارتباطاته، تكون به نهاية هذا العالم. وهو انقلاب لا يقتصر على الأرض، إنما يشمل النجوم والكواكب والأفلاك...
وفي هذه السورة -الفرقان- يخوف الله المشركين بتشقق السماء بالغمام. وقد يكون هو السحب المتراكمة من أبخرة تلك الانفجارات المروعة. وتنزل الملائكة يومئذ على الكافرين كما كانوا يقترحون، لا لتصديق الرسول [صلى الله عليه وسلم] ولكن ليتولوا عذابهم بأمر ربهم (وكان يوما على الكافرين عسيرا) بما فيه من هول، وبما فيه من عذاب.. فما لهم يقترحون نزول الملائكة وهم لا ينزلون إلا في مثل ذلك اليوم العسير؟...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وحاصل المعنى: أن هنالك انبثاقاً وانتفاقاً يقارنه نزول الملائكة لأن ذلك الانشقاق إذنٌ للملائكة بالحضور إلى موقع الحشر والحساب. والتعبير بالتنزيل يقتضي أن السموات التي تنشقّ عن الملائكة أعلى من مكان حضور الملائكة.