قوله تعالى : { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك } الآية . نزلت في اليهود ، أخبر الله تعالى أن فيهم أمانة وخيانة ، والقنطار عبارة عن المال الكثير ، والدينار عبارة عن المال القليل ، يقول : منهم من يؤدي الأمانة وإن كثرت ، ومنهم من لا يؤديها وإن قلت ، قال مقاتل : ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ) هم مؤمنو أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام وأصحابه .
قوله تعالى : { ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك } يعني : كفار اليهود ، ككعب بن الأشرف وأصحابه ، وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله عز وجل ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ) يعني عبد الله بن سلام ، أودعه رجل ألفاً ومائتي أوقية من ذهب ، فأداها إليه ، ( و منهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك ) يعني فنحاص بن عازوراء ، استودعه رجل من قريش ديناراً فخانه ، قوله ( يؤده إليك ) قرأ أبو عمرو وأبو بكر وحمزة يؤده ولا يؤده ، ونصله ، ونؤته ، ونوله ، ساكنة الهاء ، وقرأ أبو جعفر ، وقالون ، ويعقوب ، بالاختلاس كسراً ، والباقون بالإشباع كسراً ، فمن سكن الهاء قال لأنها وضعت في موضع الجزم ، وهو الياء الذاهبة ، ومن اختلس فاكتفى بالكسرة عن الياء ، ومن أشبع فعلى الأصل ، لأن الأصل في الهاء الإشباع .
قوله تعالى : { إلا ما دمت عليه قائما } . قال ابن عباس ملحاً ، يريد يقوم عليه يطالبه بالإلحاح ، وقال الضحاك مواظباً أي تواظب عليه بالاقتضاء ، وقيل : أراد أودعته ثم استرجعته وأنت قائم على رأسه ولم تفارقه ، رده إليك ، فإن فارقته وأخرته أنكره ولم يؤده .
قوله تعالى : { ذلك } أي : ذلك الاستحلال والخيانة .
قوله تعالى : { بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل } أي : في مال العربي إثم وحرج كقوله تعالى( ما على المحسنين من سبيل ) وذلك أن اليهود قالوا :أموال العرب حلال لنا ، لأنهم ليسوا على ديننا ، ولا حرمة لهم في كتابنا ، وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم في دينهم . وقال الكلبي : قالت اليهود : إن الأموال كلها كانت لنا فما في يد العرب منها فهو لنا ، وإنما ظلمونا وغصبونا فلا سبيل علينا في أخذنا إياه منهم . وقال الحسن وابن جريج ومقاتل : بايع اليهود رجالاً من المسلمين في الجاهلية ، فلما أسلموا تقاضوهم بقية أموالهم فقالوا : ليس لكم علينا حق ، ولا عندنا قضاء أنكم تركتم دينكم وانقطع العهد بيننا وبينكم ، وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم ، فكذبهم الله عز وجل ، وقال عز من قائل :
قوله تعالى : { ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } . ثم قال رداً عليهم : { بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين } .
ثم حكى القرآن لونا آخر من ألوان مزاعم اليهود الباطلة ، وأقاويلهم الكاذبة ، وهو دعواهم أنهم ليس عليهم في الأميين سبيل ، أى أن كل من كان على غير ملتهم فإنه مهدور الحقوق ، ثم رد عليهم بما يدحض مزاعمهم ويثبت أنهم ليسوا أهلا لاختصاصهم بالنبوة والرحمة فقال تعالى : { وَمِنْ أَهْلِ . . . } .
قال الإمام الرازى : اعلم أن تعلق هذه الآية - وهى قوله - ومن أهل الكتاب . . . بما قبلها من وجهين :
الأول : أنه - تعالى - حكى عنهم فى الآية المتقدمة أنهم ادعوا أنهم أوتوا من المناصب الدينية ما لم يؤت أحد غيرهم مثله ، ثم إنه - تعالى - بين أن الخيانة مستقبحة عند جميع أرباب الأديان وهم مصرون عليها فدل هذا على كذبهم .
والثاني : أنه - تعالى - لما حكى عنهم فى الآية المتقدمة قبائح أحوالهم فيما يتعلق بالأديان وهو أنهم قالوا { لاَ تؤمنوا إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } حكى فى هذه الآية بعض قبائح أحوالهم فيما يتعلق بمعاملة الناس ، وهو إصرارهم على الخياننة والظلم وأخذ أموال الناس فى القليل والكثير .
قال ابن عباس : أودع رجل عند عبد الله بن سلام ألفا ومائتى أوقية من ذهب فأداها إليه . وأودع رجل آخر عند فنحاص بن عازوراء اليهودى دينارا فخانه فنزلت الآية .
والمعنى : إن من أهل الكتاب فريقاً أن تأتمنه على الكثير والنفيس من الأموال يؤده إليك عند طلبه كاملا غير منقوص ، وإن منهم فريقاً آخر إن تأتمنه على القليل والحقير من حطام الدنيا يستحله ويجحده ولا يؤديه إليك إلا إذا داوم صاحب الحق على المطالبة بحقه واستعمل كل الوسائل فى الحصول عليه .
فالآية الكريمة قد مدحت من يستحق المدح من أهل الكتاب وهو الفريق الذى استجاب للحق وآمن بالنبى صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن سلام وأمثاله من مؤمنى أهل الكتاب . وذمت من يستحق الذم منهم وهو الفريق الذى لا يؤدى الأمانة ، ولم يستجب للحق ، بل استمر على كفره وجحوده ، وهذا القسم يمثل أكثرية أهل الكتاب .
والمراد من ذكر القنطار والدينار هنا العدد الكثير والعدد القليل . أى أن منهم من هو فى غاية الأمانة حتى أنه لو اؤتمن على الأموال الكثيرة لأداها ، ومنهم من هو فى غاية الخيانة حتى أنه لو اؤتمن على الشىء القليل لجحده .
وقوله { إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً } استثناء من أعم الأحوال أو الأوقات ، أى لا يؤده إليك فى حال من الأحوال أو فى وقت من الأوقات إلا في حال أو فى وقت مداومتك على طلبه ، والإلحاح فى ذلك ، واستعمال كل الوسائل للوصول إلى حقك .
قال الجمل : و " دمت " هذه هى الناقصة ، ترفع وتنصب ، وشرط أعمالها أن يتقدمها ما الظرفية كهذه الآية : إذ التقدير إلا مدة دوامك . وأصل هذه المادة للدلالة على الثبوت والسكون . يقال : دام الماء ، أى سكن . وفى الحديث : " لا يبولن أحدكم فىالماء الدائم " أى الذى لا يجرى . . . ومنه دام الشىء إذا امتد عليه زمان .
ودامت الشمس إذا وقفت فى كبد السماء وقوله { عَلَيْهِ } متعلق بقوله { قَآئِماً } والمراد بالقيام الملازمة ، لأن الأغلب أن المطالب يقوم على رأس المطالب ، ثم جعل عبارة عن الملازمة وإن لم يكن ثمة قيام .
قال ابن جرير : فإن قال قائل : وما وجه إخبار الله بذلك نبيه صلى الله عليه وسلم وقد علمت أن الناس لم يزالوا كذلك ، منهم المؤدى أمانته ومنهم الخائن لها ؟ قيل : إنما أراد - عز وجل - بإخباره المؤمنين خبرهم على ما بينه فى كتابه بهذه الآية ، تحذير المؤمنين من أن يأتمنوهم على أموالهم ، وتخويفهم من الاغترار بهم ، لاستحلال كثير منهم أموال المؤمنين .
ثم حكى - سبحانه - بعض الأسباب التى جعلتهم يبررون خيانتهم وجحودهم لحقوق غيرهم فقال - تعالى - : { ذلك بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأميين سَبِيلٌ } .
وقوله { ذلك } إشارة إلى ترك الأداء المدلول عليه بقوله - سبحانه - { لاَّ يُؤَدِّهِ } .
والمراد بالأميين : العرب ، خصوصا من آمن منهم ، وسمى العرب بالأميين نسبة إلى الأم ، وذلك لغلبة الأمية عليهم لكأن الواحد منهم قد بقى على الحالة التى ولدتهم عليها أمهاتهم من عدم القراءة والكتابة .
والسبيل : المراد به ، الحجة الملزمة والحرج . وأصله الطريق ، ثم أطلق على الحجة باعتبارها طريقا ووسيلة للإلزام وتحمل التبعات .
أى : ذلك الامتناع عن الوفاء بالعهود ، وجحود الأمانات والحقوق من الفريق الخائن سببه زعمهم الباطل أنهم ليس عليهم حرج أو إثم أو تبعة فى استحلال أموال العرب الأميين واستلابها منهم بأية طريقة ، لأن الأميين ليسوا على ملتهم .
واليهود يزعمون أن كتابهم يحل لهم قتل من خالفهم ، كما يحل لهم أخذ ما له بأى وسيلة . وهذا الخلق الذميم معرق فى اليهود ، لأن أنانيتهم جعلتهم يحرفون كتبهم على حسب ما تهوى نفوسهم ، فقد كانت التوراة تحرم الربا تحريما مطلقا فتقول : " لا تأخذ ربا من أخيك إذا أقرضته " فحرف اليهود هذا النص : إذا زادوا فيه كلمة الإسرائيلي فأصبح النص هكذا " لا تأخذ ربا من أخيك الإسرائيلي إذا أقرضته " وبذلك أصبحوا يحرمون الربا عند تعاملهم مع أنفسهم ويحلونه عند تعاملهم مع غيرهم ، لأنهم لا يشعرون بالأخوة الإنسانية العامة .
قال الآلوسى : أخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : بايع اليهود رجال من المسلمين فى الجاهلية فلما أسلموا تقاضوهم عن بيوعهم فقال اليهود : ليس علينا أمانة ولا قضاء لكم عندنا ، لأنكم تركتم دينكم الذى كنتم عليه ، وادعوا أنهم وجدوا ذلك فى كتابهم .
وقال الكلبى : قالت اليهود : " الأموال كلها كانت لنا ، فما فى أيدى العرب منها فهو لنا ، وأنهم ظلمونا وغصبونا فلا إثم علينا فى أخذ أموالنا منهم " .
وقوله - تعالى - { وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ } رد عليهم فيما قالوه من أنهم ليس عليهم فى الأميين سبيل ، وتكذيب لهم فيما زعموه ، لأن قولهم هذا ما أنزل الله به من سلطان ، ولا يؤيده عقل سليم ، إذ المبادئ الخلقية الفاضلة يجب أن تطبق على جميع الناس بدون تفرقة بينهم .
والمعنى : أن هؤلاء اليهود الذين يجحدون الأمانات متذرعين بقولهم { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأميين سَبِيلٌ } ، يفترون على الله الكذب فى قولهم هذا ، وهم يعلمون أنه كاذبون ، لأنهم ليس عندهم فى كتبهم نص يبيح لهم استحلال أموال العرب وخيانتهم ، وإنما الذى تأمرهم به كتبهم هو أداء الأمانة لمستحقيها بالمعروف .
وقوله { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } جملة حالية من الضمير في { وَيَقُولُونَ } ومفعول العلم محذوف اقتصارا ، أى وهم من ذوى العلم . أو اختصارا ، أى يعلمون كذبهم وافتراءهم .
ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فى أحاديث متعددة أن الأمانة يجب أن تؤدى إلى البار والفاجر ، ومن ذلك ما أخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير أنه قال : لما نزلت : { وَمِنْ أَهْلِ الكتاب مَنْ إِن تَأْمَنْهُ } الآية . قال النبى صلى الله عليه وسلم : " كذب أعداء الله ! ! ما من شيء كان فى الجاهلية إلا وهو تحت قدمي ، إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البار والفاجر " .
ولقد سار أتباع النبى صلى الله عليه وسلم على مبدأ أداء الأمانة ، وعدم أخذ شيء من أموال الغير إلا بوجه مشروع .
قال ابن كثير : " قال عبد الرازق : أنبأنا معمر عن أبى إسحاق الهمدانى عن أبي صعصعة بن يزيد . أن رجلا سأل ابن عباس : إنا نصيب فى الغزو من أموال أهل الذمة : الدجاجة والشاة . قال ابن عباس : فتقولون ماذا ؟ قال نقول : ليس علينا بذلك بأس . قال ابن عباس : هذا كما قال أهل الكتاب { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأميين سَبِيلٌ } إنهم إذا أدوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم " .
يخبر تعالى عن اليهود بأن فيهم الخونة ، ويحذر المؤمنين من الاغترار بهم ، فإن منهم { مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ } أي : من المال { يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } أي : وما دونه بطريق الأولى أن يؤديه إليك { وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا } أي : بالمطالبة والملازمة والإلحاح في استخلاص حقك ، وإذا كان هذا صنيعه في الدينار فما فوقه أولى ألا يؤديه .
وقد تقدم الكلام على القنطار في أول السورة ، وأما الدينار فمعروف .
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا سعيد بن عمرو السَّكُوني ، حدثنا بَقِيَّة ، عن زياد بن الهيثم ، حدثني مالك بن دينار قال : إنما سمي الدينار لأنه دين ونار . وقال : معناه : أنه{[5182]} من أخذه بحقه فهو دينه ، ومن أخذه بغير حقه فله النار .
ومناسب أن يكون{[5183]} هاهنا الحديث الذي علقه البخاري في غير موضع من{[5184]} صحيحه ، ومن أحسنها سياقه في كتاب الكفالة حيث قال : وقال الليث : حدثني جعفر بن ربيعة ، عن عبد الرحمن بن هُرْمُز الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ [ بَعْضَ ]{[5185]} بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ ، فَقَالَ : ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ . فَقَالَ : كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا . قَالَ : ائْتِنِي بِالْكَفِيلِ . قَالَ : كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلا . قَال{[5186]} َ : صَدَقْتَ . فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلأجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكِبًا ، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ ، وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي استَسْلَفْت{[5187]} ُ فُلانًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلا فَقُلْتُ : كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلا فَرَضِيَ بِكَ{[5188]} . وَسَأَلَنِي شَهِيدًا ، فَقُلْتُ : كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ ، وَإِنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ ، وَإِنِّي اسْتَوْدَعْتُكَهَا{[5189]} . فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ، ثُمَّ انْصَرَفَ{[5190]} وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا يَجِيئُهُ بِمَالِهِ ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ ، فَأَخَذَهَا لأهْلِهِ حَطَبًا ، فَلَمَّا كَسَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ تَسَلَّف مِنْهُ ، فَأَتَاه بِأَلْفِ دِينَارٍ ، وَقَالَ : وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لآتِيَكَ بِمَالِكَ ، فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ . قَالَ : هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ ؟ قَالَ : أَلَمْ أُخْبِرْكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ هَذَا ؟ قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ ، فَانْصَرِفْ بِأَلْفِ دِينَارٍ رَاشِدًا .
هكذا رواه{[5191]} البخاري في موضعه مُعَلَّقًا بصيغة الجزم ، وأسنده في بعض المواضع من الصحيح عن عبد الله بن صالح كاتب الليث عنه . ورواه الإمام أحمد في مسنده هكذا مطولا عن يونس بن محمد المؤدب ، عن الليث به{[5192]} ورواه البزار في مسنده ، عن الحسن بن مُدْرِك ، عن يحيى بن حماد ، عن أبي عَوَانة ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، ثم قال : لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد . كذا قال ، وهو خطأ ، لما تقدم{[5193]} .
وقوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ } أي : إنَّمَا حَمَلهم على جُحود الحق أنهم يقولون : ليس علينا في ديننا حَرَج في أكل أموال الأمييّن ، وهم العرب ؛ فإن الله قد أحلها لنا . قال الله تعالى : { وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أي : وقد اختلقوا هذه المقالة ، وائتفكوا بهذه الضلالة ، فَإن الله حَرم عليهم أكل الأموال إلا بحقها ، وإنما هم قوم بُهْت .
قال عبد الرزاق : أنبأنا مَعْمَر ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن [ أبي ]{[5194]} صَعْصَعَة بن يزيد{[5195]} ؛ أن رجلا سأل ابن عباس ، قال : إنا نُصِيب في الغزو من أموال أهل الذمة الدجاجةَ والشاةَ ؟ قال {[5196]} ابن عباس : فَتَقولون{[5197]} ماذا ؟ قال : نقول{[5198]} ليس علينا بذلك بأس . قال : هذا كما قال أهل الكتاب : { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ } إنهم إذا{[5199]} أدوا الجزية لم تَحل لكم أموالهُم إلا بِطِيب أنفسهم .
وكذا رواه الثوري ، عن أبي إسحاق{[5200]} بنحوه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن يحيى ، أخبرنا أبو الربيع الزهراني{[5201]} حدثنا يعقوب ، حدثنا جعفر ، عن سعيد بن جبير قال : لما قال أهل الكتاب : { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ } قال نبي الله [ صلى الله عليه وسلم ]{[5202]} كَذَبَ أَعْدَاءُ اللهِ ، مَا مِنْ شِيٍء كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ إِلا وَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ إِلا الأمَانَةَ ، فَإِنَّهَا مُؤَدَّاةٌ إِلَى الْبَرِّ وَالفَاجِرِ " {[5203]}