فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{۞وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مَنۡ إِن تَأۡمَنۡهُ بِقِنطَارٖ يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّنۡ إِن تَأۡمَنۡهُ بِدِينَارٖ لَّا يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيۡكَ إِلَّا مَا دُمۡتَ عَلَيۡهِ قَآئِمٗاۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَيۡسَ عَلَيۡنَا فِي ٱلۡأُمِّيِّـۧنَ سَبِيلٞ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (75)

{ ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا مادمت عليه قائما } ينبئنا العليم الخبير أن بعضا من أهل الكتاب مؤتمن وإن بعضا منهم خائن وفي هذا تحذير لنا كي لا ننخدع بهم وخص أهل الكتاب بالذكر – وإن كان سائر الناس كذلك فيهم الأمين والخائن – لأن الخيانة فيهم أكثر ، - وذكر الله تعالى قسمين من يؤدي ومن لا يؤدي إلا بالملازمة عليه وقد يكون من الناس من لا يؤدي وإن دمت عليه قائما فذكر الله القسمين لأنه الغالب والمعتاد ، والثالث نادر فخرج الكلام على الغالب-{[1032]} الباء في { بقنطار } بمعنى على أو بمعنى في ، أي في حفظ القنطار [ { إلا ما دمت عليه قائما } استثناء من أعم الأحوال أو الأوقات أي { لا يؤده إليك } في حال من الأحوال أو في وقت من الأوقات إلا في حال دوام قيامك أو في وقت دوام قيامك ، والقيام مجاز عن المبالغة في المطالبة وفسر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بالإلحاح والسدي بالملازمة . . ]{[1033]} .

مما أورد أبو عبد الله القرطبي : الأمانة عظيمة القدر في الدين ومن عظم قدرها أنها تقوم هي والرحم على جنبتي الصراط كما في صحيح مسلم ، فلا يمكن من الجواز إلا من حفظهما ، وروى مسلم عن حذيفة قال : حدثنا النبي صلى الله عليه سلم عن رفع الأمانة قال ( ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه ) الحديث . . وقد مضى في البقرة معنى قوله عليه السلام ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ) والله أعلم . . . ليس في هذه الآية تعديل لأهل الكتاب ولا لبعضهم خلافا لمن ذهب إلى ذلك ، لأن فساق المسلمين يوجد فيهم من يؤدي الأمانة ويؤمن على المال الكثير ولا يكونون بذلك عدولا فطريق العدالة والشهادة ليس يجزي فيه أداء الأمانة في المال من جهة المعاملة والوديعة ؛ ألا ترى قولهم { ليس علينا في الأميين سبيل } ؟ فكيف يعدل من يعتقد استباحة أموالنا وحريمنا بغير حرج عليه ولو كان ذلك كافيا في تعديلهم لسمعت شهادتهم على المسلمين . 1ه .

{ ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } استحلال بعض أهل الكتاب ما ائتمنتموهم عليه ومماطلتهم في أدائه إليكم وإن كان يسيرا من أجل ادعاهم أنه لا حرج عليهم في أخذ أموالكم وسلب ما يقدرون عليه من حقوقكم – إما لأنهم يبالغون في التعصب لدينهم حتى استحلوا قتل المخالف وأخذ ماله بأي طريق كان وإما لأنهم قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ، الخلق لنا عبيد فلا سبيل لأحد علينا إذا أكلنا أموال عبيدنا -{[1034]} وقد يعنون بالأميين من ليس على دينهم وقد يقصدون ذلك العرب وأميتها إما لقلة من كان يكتب ويحسب منهم{[1035]} وإما لأنه لم يبعث فيهم نبي إلا خاتم النبيين محمد بن عبد الله عليه الصلوات والتسليم { ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } مما نقل عن ابن جريج : ادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم وهم على علم بأن قيلهم هذا ادعاء وافتراء وتقول على الله تعالى بالباطل ، أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن : قال رجل لابن عباس : إنا نصيب في العمد{[1036]} من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة ونقول ليس علينا في ذلك بأس فقال له : هذا كما قال أهل الكتاب { ليس علينا في الأميين سبيل } إنهم إذا أدوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلا عن طيب أنفسهم .


[1032]:من الجامع لأحكام القرآن.
[1033]:ما بين العلامتين [] من روح المعاني.
[1034]:من تفسير غرائب القران.
[1035]:في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب).
[1036]:ونقل بعضهم أنها الغزو.