معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ فُرُشِۭ بَطَآئِنُهَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقٖۚ وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَيۡنِ دَانٖ} (54)

قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على فرش } جمع فراش ، { بطائنها } جمع بطانة ، وهي التي تحت الظهارة . وقال الزجاج وهي مما يلى الأرض . { من إستبرق } وهو ما غلظ من الديباج . قال ابن مسعود وأبو هريرة هذه البطائن فما ظنكم بالظواهر ؟ وقيل لسعيد بن جبير : البطائن من إستبرق ، والظواهر ؟ قال : هذا مما قال الله عز وجل : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين }( السجدة-17 ) ، وعنه أيضاً قال : بطائنها من إستبرق فظواهرها من نور جامد . وقال ابن عباس : وصف البطائن وترك الظواهر لأنه ليس في الأرض أحد يعرف ما الظواهر . { وجنى الجنتين دان } الجنى ما يجتنى من الثمار ، يريد : ثمرهما دان يناله القائم والقاعد والنائم . قال ابن عباس : تدنو الشجرة حتى يجتنيها ولي الله ، إن شاء قائماً وإن شاء قاعداً . قال قتادة : لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ فُرُشِۭ بَطَآئِنُهَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقٖۚ وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَيۡنِ دَانٖ} (54)

ثم بين - سبحانه - حسن مجلسهم فقال : { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الجنتين دَانٍ } .

والجملة الكريمة حال من قوله - تعالى - : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ . . . } .

وعبر - سبحانه - بالاتكاء لأنه من صفات المتنعمين الذين يعيشون عيشة راضية ، لاهم معها ولا حزن .

والفرش : جمع فراش - ككتب وكتاب - وهو ما يبسط على الأرض للنوم أو الاضطجاع .

والبطائن : جمع بطانة ، وهى ما قابل الظهارة من الثياب ، ومشتقة من البطن المقابلة للظهر ، ومن أقوالهم : أفرشنى فلان ظهره وبطنه ، أى : أطلعنى على سره وعلانيته .

والاستبرق : الديباج المصنوع من الحرير السميك ، وهو من أجود أنواع الثياب .

والمعنى : أن هؤلاء الذين خافوا مقام ربهم ونهوا أنفسهم عن الهوى ، يعيشون فى الجنات حالة كونهم ، متكئين فى جلستهم على فرش بطائنها من الديباج السميك . { وَجَنَى الجنتين } ما يجتنى من ثمارهما { دَانٍ } من الدنو بمعنى القرب .

أى : أنهم لا يتعبون أنفسهم فى الحصول على تلك الفواكه ، وإنما يقطفون ما يشاءون منها ، وهم متكئون على فراشهم الوثير .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ فُرُشِۭ بَطَآئِنُهَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقٖۚ وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَيۡنِ دَانٖ} (54)

وأهل الجنتين ما حالهم ? إننا ننظرهم : ( متكئين على فرش بطائنها من إستبرق )والإستبرق المخمل الحرير السميك . فكيف بظهائر هذه الفرش إذا كانت تلك بطائنها ?

( وجنى الجنتين دان ) . . قريب التناول ، لا يتعب في قطاف .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ فُرُشِۭ بَطَآئِنُهَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقٖۚ وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَيۡنِ دَانٖ} (54)

حال من { لمن خاف مقام ربه } وجيء بالحال صيغةَ جمع باعتبار معنى صاحب الحال وصلاحية لفظه للواحد والمتعدد ، لا باعتبار وقوع صلته بصيغة الإِفراد فإن ذلك اعتبار بكون ( مَن ) مفردة اللفظ .

والمعنى : أُعطوا الجنان واستقرُّوا بها واتكأوا على فرش .

والاتكاء : افتعال من الوَكْءِ مهموز اللام وهو الاعتماد ، فصار الاتكاء اسماً لاعتمادِ الجالس ومرفقه إلى الأرض وجنبه إلى الأرض وهي هيئة بين الاضطجاع على الجنب والقعودِ ، وتقدم في قوله : { وأعتدت لهن متكئاً } في سورة يوسف ( 31 ) ، وتقدم أيضاً في سورة الصافات .

وفُرش : جمع فراش ككتاب وكُتب . والفِراش أصله ما يفرش ، أي يبسط على الأرض للنوم والاضطجاع .

ثم أطلق الفراش على السرير المرتفع على الأرض بسُوققٍ لأنه يوضع عليه ما شأنه أن يفرش على الأرض تسمية باسم ما جعل فيه ، ولذلك ورد ذكره في سورة الواقعة ( 15 ، 16 ) في قوله : { على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين } وفي سورة الصافات ( 44 ) على سرر متقابلين .

والمعبر عنه في هذه الآيات واحد يدلّ على أن المراد بالفرش في هذه الآية السرر التي عليها الفرش .

والاتكاء : جِلسة أهل الترف المخدومين لأنها جلسة راحة وعدم احتياج إلى النهوض للتناول نحوه وتقدم في سورة الكهف .

والبطائن : جمع بِطانة بكسر الباء وهي مشتقة من البطن ضد الظهر من كل شيء ، وهو هنا مجاز عن الأسفل . يقال للجهة السفلى : بطن ، وللجهة العليا ظهر ، فيقال : بَطَّنْت ثوبي بآخر إذا جعل تحت ثوبه آخرَ ، فبطانة الثوب داخله وما لا يَبدو منه ، وضد البطانة الظِّهارة بكسر الظاء ، ومن كلامهم : أفرشني ظهر أمره وبطنه ، أي علانيته وسِرّه ، شبهت العلانية بظهر الفراش والسِرّ ببطن الفراش وهما الظِهارة والبطانة ، ولذلك أتبع هذا التشبيه باستعارة فعل : أفرشني . فالبطانة : هي الثوب الذي يجعل على الفراش والظهارة : الثوب الذي يجعل فوق البطانة ليظهر لرؤية الداخل للبيت فتكون الظهارة أحسن من البطانة في الفراش الواحد .

والعرب كانوا يجعلون الفراش حَشية ، أي شيئاً محشواً بصوف أو قطن أو ليف ليكون أوثر للجنب ، قال عنترة يصف تنعم عَبلة :

تُمسي وتُصبح فوق ظهر حشِيّةٍ *** وأَبِيتُ فوقَ سَراة أدهم مُلجم

فإذا وضعوا على الحشية ثوباً أو خاطوها بثوب فهو البطانة ، وإذا غطوا ذلك بثوب أحسن منه فهو الظِهارة .

فالمعنى هنا : أن بطائن فرش الجنة من استبرق فلا تَسأل عن ظهائرها فإنها أجود من ذلك ، ولا ثوب في الثياب المعروفة عند الناس في الدنيا أنفس من الاستبرق البطائن بالذكر كناية عن نفاسة وصف ظهائر الفرش .

والاستبرق : صنف رفيع من الديباج الغليظ . والديباجُ : نسيج غليظ من حرير والاستبرق ينسج بخيوط الذهب . قال الفخر : وهو معرب عن الفارسية عن كلمة ( سْتبرك ) بكاف في آخره علامة تصغير ( ستبر ) بمعنى ثخين ، وقد تقدم في سورة الكهف ( 31 ) ، فأبدلوا الكاف قافاً خشية اشتباه الكاف بكاف الخطاب ، والذي في القاموس } : الإِستبرق : الديباج الغليظ معرب ( اسْتَرْوَه ) ، وقد تبين أن الإِستبرق : صنف من الديباج ، والديباج : ثوب منسوج من الحرير منقوش وهو أجود أنواع الثياب .

ومن { جنى الجنتين } : ما يجنى من ثمارهما ، وهو بفتح الجيم ما يقطف من الثمر . والمعنى : أن ثمر الجنة داننٍ منهم وهم على فرشهم فمتى شاءوا اقتطفوا منه .