قوله تعالى : { إلا الذين يصلون إلى قوم } . وهذا الاستثناء يرجع إلى القتل لا إلى الموالاة ، لأن موالاة الكفار والمنافقين لا تجوز بحال ، ومعنى { يصلون } أي : ينتسبون إليهم ، ويتصلون بهم ، ويدخلون فيهم بالحلف ، والجوار . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : أراد يلجأون إلى قوم .
قوله تعالى : { بينكم وبينهم ميثاق } أي : عهد ، وهم الأسلميون ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وادع هلال بن عويمر الأسلمي قبل خروجه إلى مكة على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، ومن وصل إلى هلال من قومه وغيرهم ، ولجأ إليه فلهم من الجوار مثل ما لهلال ، وقال الضحاك عن ابن عباس : أراد بالقوم الذين بينكم وبينهم ميثاق ، بني بكر بن زيد بن مناة كانوا في الصلح والهدنة ، وقال مقاتل : هم خزاعة . قوله تعالى :{ أو جاؤوكم } أي : يتصلون بقوم جاؤوكم .
قوله تعالى : { حصرت صدورهم } أي : ضاقت صدورهم ، قرأ الحسن ويعقوب : " حصرت " منصوبة منونة ، أي : ضيقة صدورهم ، يعني القوم الذين جاؤوكم وهم بنو مدلج ، كانوا عاهدوا قريشا أن لا يقاتلوا المسلمين ، وعاهدوا قريشاً أن لا يقاتلوهم . قوله تعالى : { أن يقاتلوكم } أي : عن قتالكم للعهد الذي بينكم .
قوله تعالى : { أو يقاتلوا قومهم } ، يعني : من آمن منهم ، ويجوز أن يكون معناه أنهم لا يقاتلونكم مع قومهم ، ولا يقاتلون قومهم معكم ، يعني قريشاً قد ضاقت صدورهم لذلك . وقال بعضهم : " أو " بمعنى الواو ، كأنه يقول : إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاؤوكم حصرت صدورهم ، أي : قد حصرت صدورهم عن قتالكم والقتال معكم ، وهم قوم هلال الأسلميون ، وبنو بكر ، نهى الله سبحانه عن قتال هؤلاء المرتدين إذا اتصلوا بأهل عهد للمسلمين ، لأن من انضم إلى قوم ذوي عهد فله حكمهم في حقن الدماء .
قوله تعالى : { ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم } ، يذكر منته على المسلمين بكف بأس المعاهدين ، يقول : إن ضيق صدورهم عن قتالكم لما ألقى في قلوبهم من الرعب ، وكفهم عن قتالكم ، ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم مع قومهم .
قوله تعالى : { فإن اعتزلوكم } أي : اعتزلوا قتالكم .
قوله تعالى : { فلم يقاتلوكم } ، ومن اتصل بهم ، ويقال : يوم فتح مكة لم يقاتلوكم مع قومهم .
قوله تعالى : { وألقوا إليكم السلم } أي : الصلح فانقادوا واستسلموا .
قوله تعالى : { فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً } أي : طريقاً بالقتل والقتال .
وقوله : { إِلاَّ الذين يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } استثناء من الضمير المنصوب فى قوله { فَخُذُوهُمْ واقتلوهم } .
وقوله { يَصِلُونَ } بمعنى يتلجئون ويتصلون . الميثاق العهد الموثق .
والمعنى : أن الله - تعالى - يأمركم - أيها المؤمنون - أن تأخذوا أولئك المنافقين الذين أظهروا كفرهم وتمنوا أن تكونوا مثلهم ، وامتنعوا عن الهجرة إلى دياركم ، وينهاكم عن موالاتهم وعن الاستعانة بهم ، لكنه - سبحانه - قد استثنى من هؤلاء الذين أمركم بأخذهم وقتلهم أناسا التجأوا واستندوا إلى قوم بينكم وبينهم عهد أمان ، لأنهم بهذا الالتجاء قد صار حكمهم كحكم من لجأوا إليهم من حيث الأمان وعدم الاعتداء .
وقد ذكر العلماء أقوالا فى المراد من القوم الذين كان بينهم وبين المسلمين عهد أمان ، فقيل : هم الأسلميون ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقت خروجه إلى مكة قد وادع هلال بن عويمر الأسلمى على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، وعلى أن من وصل إلى هلال ولجأ إليه فله من الجوار مثل الذى لهلال . وقيل هم بنو بكر بن زيد . وقيل هم خزاعة .
وقوله : { أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ } عطف على صلة الذين وهو قوله { يَصِلُونَ } .
ومعنى حصرت : ضاقت وانقبضت ومنه الحصر فى القول وهو ضيق الكلام على المتكلم . ويقال حصر صدره يحصر أى ضاق .
أى : خذوا واقتلوا - أيها المؤمنون - المنافقين الذين أعلنوا كفرهم ، ولا تأخذوا ولا تقتلوا الذين التجأوا إلى قوم بينكم وبينهم عهد أمان ، ولا تأخذوا ولا تقتلوا كذلك الذين جاءوا إليكم وقد ضاقت نفوسهم ، وانقبضت صدورهم عن قتالكم لأنكم مسلمون كما أنهم قد ضاقت نفوسهم عن قتال قومهم لأنهم منهم ، أو لأنهم يخشون قتالهم خوفا على أموالهم أو على ذريتهم أو ذوى أرحامهم .
فأنت ترى أن الاستثناء فى قوله { إِلاَّ الذين يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ } قد أخرج من الأخذ والقتل فريقين من الناس :
الفريق الأول : هو الذى ترك المحاربين من الأعداء ، والتجأ إلى القوم الذين بينهم وبين المسلمين عهد أمان ، فإنه بهذا الالتجاء قد صار حكمه كحكم من التجأ إليهم فى الأمان .
والفريق الثانى : هو الذى جاء إلى المؤمنين ، مسالما وترك قومه ، إلا أنه فى الوقت نفسه يكره أن يقاتل المسلمين لحبه لهم . ويكره أن يقاتل قومه لأنهم قومه وعشيرته وأهله أو لأنه لو قاتلهم للحقه الضرر فى ماله أو ذريته .
وقوله : { حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } فى موضع نصب على الحال بتقدير قد كما يرى بعضهم . وبعضهم لا يرى حاجة لتقديرها ، لأنه قد جاء الفعل الماضى حالا بغيرها كثيراً .
وقيل هو صفة لموصوف محذوف هو حال من فاعل { جاءوا } أى : جاءوكم حالة كونهم حصرت صدورهم .
وقوله : { أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ } مجرور بحرف جر مقدر أى : حصرت صدورهم عن أن يقاتلولكم أو يقاتلوا قومهم . أو هو فى محل نصب على مفعول لألأجله . أى حصرت صدورهم كراهة قتالكم أو قتال قومهم .
والمراد بالفريق الثانى بنو مدلج فقد أخرج ابن أبى حاتم " عن الحسن أن سراقة بن مالك المدلجى حدثهم فقال : لما ظهر النبى صلى الله عليه وسلم على أهل بدر وأسلم من حولهم ، قال : بلغنى أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومى بنى مدلج . فأتيته فقلت : أنشدك النعمة . بلغنى أنك تريد أن تبعث إلى قومى . وأنا أريد أن توادعهم . فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد خالد فقال : اذهب معه فافعل ما يريد " فصالحهم خالد على أن لا يعينوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أسلمت قريش أسملوا معهم ، فأنزل الله الآية .
وقوله { وَلَوْ شَآءَ الله لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ } بيان لمظهر من مظاهر فضل الله ورعايته للمؤمنين .
أى : ولو شاء الله لسلط جميع المشركين عليكم بأن قوى قلوبهم ، وجرأهم عليكم ، وجعلهم يبرزون لقتالكم صفا واحدا ، ولكنه - سبحانه - لم يشأ ذلك ، بل ألقى الرعب فى صفوف أعدائكم ، وجعل منهم من يسالمكم ويأتى إليكم موادعا .
قال صاحب الكشاف : فإن قتل : كيف يجوز أن يسلط الله الكفرة على المؤمنين ؟ قلت : ما كانت مكافتهم إلا لقذف الرعب فى قلوبهم . ولو شاء لمصلحة يراها من ابتلاء ونحوه لم يقذفه . فكانوا متسلطين مقاتلين غير مكافين فذلك معنى التسليط .
وقال القرطبى : قوله - تعالى - { وَلَوْ شَآءَ الله لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ } تسليط الله المشركين على المؤمنين هو بأن يقدرهم على ذلك ، ويقويهم إما عقوبة ونقمة عند إذاعة المنكر وظهور المعاصى . وإما ابتلاء واختبارا كما قال - تعالى - { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ } وإما تمحيصا للذنوب كما قال - تعالى - { وَلِيُمَحِّصَ الله الذين آمَنُواْ } ولله أن يفعل ما يشاء ويسلط من يشاء على من يشاء إذا شاء .
ووجه النظم والاتصال بما قبل . أى : اقتلوا المنافقين الذين اختلفتم فيهم إلا أن يهاجروا وإلا أن يتصلوا بمن بينكم وبينهم ميثاق فيدخلون فيما دخلوا فيه فلهم حكمهم ، وإلا الذين جاءكم قد حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم فدخلوا فيكم فلا تقتلوهم .
ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله { فَإِنِ اعتزلوكم فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السلم فَمَا جَعَلَ الله لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } .
أى : أن هؤلاء الذين استثناهم الله - تعالى - - من الأخذ والقتل ، اقبلوا مسالمتهم إن اعتزلوا قتالكم فلم يتعرضوا لكم بسوء ، وكفوا عن قتالهم إذا ألقوا إليكم السلم ، أى : إذا انقادوا للصلح والأمان ورضوا به . وهم متى فعلوا ذلك { فَمَا جَعَلَ الله لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } أى : فما اذن الله لكم فى أخذهم وقتلهم بأى طريق من الطرق التى توصل إلى العدوان عليهم .
وعبر بقوله { وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السلم } بدل السلام ، للاشارة إلى معنى التسليم لا مجرد الأمن والسلام ، لأن السلم يفيد معنى التسليم ، فهم ألقوا إليكم قيادهم واستسلموا لأمركم ، ودخلوا فى طاعتكم .
وفى نفى أن يكون هناك سبيل عليهم ، مبالغة فى عدم التعرض لهم بسوء لأنه إذا نفى الوصول إليهم انتفى الاعتداء عليهم من باب أولى .
هذا ، ويرى جمهور المفسرين أن الأحكام التى اشتملت عليها هذه الآية الكريمة منسوخة بآية سورة التوبة وهى قوله - تعالى - { فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ واحصروهم واقعدوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } قال الجمل : معاهدة المشركين وموادعتهم فى هذه الآية بآية السيف - وهى قوله " فإذا انسلخ الأشهر الحرم . الآية " لأن الله - تعالى - لما أعز الإِسلام وأهله أمر أن لا يقبل من مشركى العرب إلا الإِسلام أو القتال " .
ثم استثنى من هذا الحكم - حكم الأسر والقتل - لهذا الصنف من المنافقين ، الذين يعينون أعداء المسلمين - من يلجأون إلى معسكر بينه وبين الجماعة الإسلامية عهد - عهد مهادنه أو عهد ذمة - ففي هذه الحالة يأخذون حكم المعسكر الذي يلتجئون إليه ، ويتصلون به :
( إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ) . .
ويبدو في هذا الحكم اختيار الإسلام للسلم ، حيثما وجد مجالًا للسلم لا يتعارض مع منهجه الأساسي . من حرية الإبلاغ وحرية الاختيار ؛ وعدم الوقوف في وجه الدعوة ، بالقوة مع كفالة الأمن للمسلمين ؛ وعدم تعريضهم للفتنة ، أو تعريض الدعوة الإسلامية ذاتها للتجميد والخطر .
ومن ثم يجعل كل من يلجأ ويتصل ويعيش بين قوم معاهدين - عهد ذمة أو عهد هدنة - شأنه شأن القوم المعاهدين . يعامل معاملتهم ، ويسالم مسالمتهم . وهي روح سلمية واضحة المعالم في مثل هذه الأحكام .
كذلك يستثني من الأسر والقتل جماعة أخرى . هي الأفراد أو القبائل أو المجموعات التي تريد أن تقف على الحياد ، فيما بين قومهم وبين المسلمين من قتال . إذ تضيق صدورهم أن يقاتلوا المسلمين مع قومهم . كما تضيق صدورهم أن يقاتلوا قومهم مع المسلمين . فيكفوا أيديهم عن الفريقين بسبب هذا التحرج من المساس بهؤلاء أو هؤلاء :
أو جاؤوكم ، حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم . .
وواضح كذلك في هذا الحكم الرغبة السلمية في اجتناب القتال ؛ حيثما كف الآخرون عن التعرض للمسلمين ودعوتهم ؛ واختاروا الحياد بينهم وبين المحاربين لهم . وهؤلاء الذين يتحرجون أن يحاربوا المسلمين أو يحاربوا قومهم . . كانوا موجودين في الجزيرة ؛ وفي قريش نفسها ؛ ولم يلزمهم الإسلام أن يكونوا معه أو عليه . فقد كان حسبه ألا يكونوا عليه . . كما أنه كان المرجو من أمرهم أن ينحازوا إلى الإسلام ، حينما تزول الملابسات التي تحرجهم من الدخول فيه ؛ كما وقع بالفعل .
ويحبب الله المسلمين في انتهاج هذه الخطة مع المحايدين المتحرجين . فيكشف لهم عن الفرض الثاني الممكن في الموقف ! فلقد كان من الممكن - بدل أن يقفوا هكذا على الحياد متحرجين - أن يسلطهم الله على المسلمين فيقاتلوهم مع أعدائهم المحاربين ! فأما وقد كفهم الله عنهم على هذا النحو ، فالسلم أولى ، وتركهم وشأنهم هو السبيل :
( ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم . فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم ، وألقوا إليكم السلم . فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً ) . .
وهكذا يلمس المنهج التربوي الحكيم نفوس المسلمين المتحمسين ، الذين قد لا يرضون هذا الموقف من هذا الفريق . يلمسه بما في هذا الموقف من فضل الله وتدبيره ؛ ومن كف لجانب من العداء والأذى كان سيضاعف العبء على عاتق المسلمين . ويعلمهم أن يأخذوا الخير الذي يعرض فلا يرفضوه ، ويجتنبوا الشر الذي يأخذ طريقه بعيدا عنهم ، فلا يناوشوة . . طالما أن ليس في هذا كله تفريط في شيء من دينهم ، ولا تمييع لشيء من عقيدتهم ؛ ولا رضى بالدنية في طلب السلم الرخيصة !
لقد نهاهم عن السلم الرخيصة . لأنه ليس الكف عن القتال بأي ثمن هو غاية الإسلام . . إنما غاية الإسلام : السلم التي لا تتحيف حقا من حقوق الدعوة ، ولا من حقوق المسلمين . . لا حقوق أشخاصهم وذواتهم ؛ ولكن حقوق هذا المنهج الذي يحملونه ويسمون به مسلمين .
وإن من حق هذا المنهج أن تزال العقبات كلها من طريق إبلاغ دعوته وبيانه للناس في كل زاوية من زوايا الأرض . وأن يكون لكل من شاء - ممن بلغتهم الدعوة - أن يدخل فيه فلا يضار ولا يؤذي في كل زاوية من زوايا الأرض . وأن تكون هناك القوة التي يخشاها كل من يفكر في الوقوف في وجه الدعوة - في صورة من الصور - أو مضارة من يؤمن بها - أي لون من ألوان المضارة - وبعد ذلك فالسلم قاعدة . والجهاد ماض إلى يوم القيامة .
{ إِلاّ الّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَاقٌ أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُونَكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَآءَ اللّهُ لَسَلّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } . .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : { إلاّ الّذِينَ يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ } : فإن تولّى هؤلاء المنافقون الذين اختلفتم فيهم عن الإيمان بالله ورسوله ، وأبوا الهجرة ، فلم يهاجروا في سبيل الله ، فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ، سوى من وصل منهم إلى قوم بينكم وبينهم موادعة وعهد وميثاق ، فدخلوا فيهم وصاروا منهم ورضوا بحكمهم ، فإن لمن وصل إليهم فدخل فيهم من أهل الشرك راضيا بحكمهم في حقن دمائهم بدخوله فيهم ، أن لا تسبى نساؤهم وذراريهم ، ولا تُغنم أموالهم . كما :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { إلاّ الّذِينَ يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ } يقول : إذا أظهروا كفرهم فاقتلوهم حيث وجدتموهم ، فإن أحد منهم دخل في قوم بينكم وبينهم ميثاق ، فأجروا عليه مثل ما تجرون على أهل الذمة .
حدثني يونس ، عن ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { إلاّ الّذِينَ يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ } يصلون إلى هؤلاء الذين بينكم وبينهم ميثاق من القوم ، لهم من الأمان مثل ما لهؤلاء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قوله : { إلاّ الّذِينَ يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ } قال : نزلت في هلال بن عويمر الأسلمي وسراقة بن مالك بن جعشم وخزيمة بن عامر بن عبد مناف .
وقد زعم بعض أهل العربية ، أن معنى قوله : { إلاّ الّذِينَ يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ } : إلا الذين يتصلون في أنسابهم لقوم بينكم وبينهم ميثاق¹ من قولهم : اتّصل الرجل ، بمعنى : انتمى وانتسب ، كما قال الأعشى في صفة امرأة انتسبت إلى قوم :
إذا اتّصَلَتْ قالَتْ أبَكْرَ بْنَ وَائِلٍ ***وَبَكْرٌ سَبَتْها والأُنُوفُ رَوَاغِمُ
يعني بقوله : اتصلت : انتسبت . ولا وجه لهذا التأويل في هذا الموضع ، لأن الانتساب إلى قوم من أهل الموادعة أو العهد لو كان يوجب للمنتسبين إليهم ما لهم إذا لم يكن لهم من العهد والأمان ما لهم ، لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقاتل قريشا ، وهم أنسباء السابقين الأوّلين . ولأهل الإيمان من الحقّ بإيمانهم أكثر مما لأهل العهد بعهدهم ، وفي قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركي قريش بتركها الدخول فيما دخل فيه أهل الإيمان منهم ، مع قرب أنسابهم من أنساب المؤمنين منهم ، الدليل الواضح أن انتساب من لا عهد له إلى ذي العهد منهم ، لم يكن موجبا له من العهد ما لذي العهد من انتسابه .
فإن ظنّ ذو غفلة أن قتال النبيّ صلى الله عليه وسلم من قاتل من أنسباء المؤمنين من مشركي قريش إنما كان بعد ما نسخ قوله : { إلاّ الّذِينَ يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ } فإن أهل التأويل أجمعوا على أن ذلك نسخ قراءة نزلت بعد فتح مكة ودخول قريش في الإسلام .
القول في تأويل قوله تعالى : { أوْ جاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أنْ يُقاتِلُوكُمْ أوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ } .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : { أوْ جاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أنْ يُقاتِلُوكُمْ أوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ } فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ، إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ، أو : إلا الذين جاءوكم منهم قد حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم فدخلوا فيكم . ويعني بقوله : { حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } ضاقت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو أن يقاتلوا قومهم ، والعرب تقول لكل من ضاقت نفسه عن شيء من فعل أو كلام قد حصر ، ومنه الحصر في القراءة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { أوْ جاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } { حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } يقول : ضاقت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم .
وفي قوله : { أوْ جاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أنْ يُقاتِلُوكُمْ أوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ } متروك ترك ذكره لدلالة الكلام عليه ، وذلك أن معناه : أو جاءوكم قد حصرت صدورهم ، فترك ذكر «قد » لأن من شأن العرب فعل مثل ذلك ، تقول : أتاني فلان ذهب عقله ، بمعنى : قد ذهب عقله¹ ومسموع منهم : أصحبت نظرت إلى ذات التنانير ، بمعنى : قد نظرت . ولإضمار «قد » مع الماضي جاز وضع الماضي من الأفعال في موضع الحال ، لأن قد إذا دخلت معه أدنته من الحال وأشبه الأسماء . وعلى هذه القراءة ، أعني : { حَصِرَتْ } قرأ القرّاء في جميع الأمصار ، وبها يقرأ لإجماع الحجة عليها . وقد ذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك : «أوْ جاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ » نصبا ، وهي صحيحة في العربية فصيحة ، غير أنه غير جائز القراءة بها عندي لشذوذها وخروجها عن قراءة قراء الإسلام .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ شاءَ اللّهُ لَسَلّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فإنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وألْقَوْا إلَيْكُمُ السّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } .
يعني جلّ ثناؤه : { ولو شَاءَ الله لَسلّطُهمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ } : ولو شاء الله لسلط هؤلاء الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ، فيدخلون في جوارهم وذمتهم ، والذين يجيئونكم قد حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم عليكم أيها المؤمنون ، فقاتلوكم مع أعدائكم من المشركين ، ولكن الله تعالى ذكره كفهم عنكم . يقول جلّ ثناؤه : فأطيعوا الذي أنعم عليكم بكفهم عنكم مع سائر ما أنعم به عليكم فيما أمركم به من الكفّ عنهم إذا وصلوا إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ، أو جاءوكم حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم . ثم قال جلّ ثناؤه : { فإنِ اعْتَزَلُوكُمْ } يقول : فإن اعتزلكم هؤلاء الذين أمرتكم بالكفّ عن قتالهم من المنافقين بدخولهم في أهل عهدكم أو مصيرهم إليكم ، حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم ، فلم يقاتلوكم ، { وأَلْقَوْا إلَيْكُمْ السّلَمَ } يقول : وصالحوكم . والسلم : هو الاستسلام ، وإنما هذا مثل كما يقول الرجل للرجل : أعطيتك قيادي وألقيت إليك خطامي ، إذا استسلم له وانقاد لأمره ، فكذلك قوله : { وألْقَوْا إلَيْكُمْ السّلَمَ } إنما هو : ألقوا إليكم قيادهم واستسلموا لكم صلحا منهم لكم وسلما . ومن السلم قول الطرماح :
وَذاكَ أنّ تَمِيما غادَرَتْ سَلَما ***للأُسْدِ كُلّ حَصَانٍ وَعْثَةِ اللّبَدِ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { فإنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وألْقَوْا إلَيْكُمُ السّلَمَ } قال : الصلح .
وأما قوله : { فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } فإنه يقول : إذا استسلم لكم هؤلاء المنافقون الذين وصف صفتهم صلحا منهم لكم ، فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً : أي فلم يجعل الله لكم على أنفسهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم طريقا إلى قتل أو سباء أو غنيمة ، بإباحة منه ذلك لكم ولا إذن ، فلا تعرضوا لهم في ذلك إلا سبيل خير . ثم نسخ الله جميع حكم هذه الاَية والتي بعدها بقوله تعالى ذكره : { فإذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } . . . إلى قوله : { فَخَلّوا سَبِيلَهُمْ إنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } . ذكر من قال في ذلك مثل الذي قلنا :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة والحسن ، قالا : قال : { فَإنْ تَوَلّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقُتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتمُوهُمْ وَلا تَتّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّا وَلا نَصِيرا إلاّ الّذِينَ يَصِلُونَ إلى قَومٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ } . . . إلى قوله : { وأُولَئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطانا مُبِينا } . وقال في الممتحنة : { لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدّينِ وَلمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أنْ تَبَرّوهُمْ وتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنّ اللّهَ يُحِبّ المُقْسِطِينَ } وقال فيها : { إنّمَا يَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنه الّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدّينِ وأخْرَجُوكُمْ مِنْ دِياركُمْ } . . . إلى : { فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ } . فنسخ هؤلاء الاَيات الأربعة في شأن المشركين ، فقال : { بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إلى الّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكينَ فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَاْعْلَمُوا أنّكُمْ غيرُ مُعْجزِي اللّهِ وأنّ اللّهَ مُخْزِي الكافِرِينَ } فجعل لهم أربعة أشهر يسيحون في الأرض ، وأبطل ما كان قبل ذلك . وقال في التي تليها : { فإذا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصد } ثم نسخ واستثنى فقال : { فإنْ تابُوا وأقامُوا الصّلاةَ وآتَوْا الزّكاةَ } . . . إلى قوله : { ثُمّ أبْلِغْهُ مأْمَنَهُ } .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { فإنِ اعْتَزَلُوكُمْ } قال : نسختها : { فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتمُوهُمْ } .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا همام بن يحيى ، قال : سمعت قتادة يقول في قوله : { إلاّ الّذِينَ يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ } . . . إلى قوله : { فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } ثم نسخ ذلك بعد في براءة ، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقاتل المشركين بقوله : { اقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ } .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { إلاّ الّذِينَ يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ } . . . الاَية ، قال : نُسخ هذا كله أجمع ، نسخه الجهاد ، ضرب لهم أجل أربعة أشهر ، إما أن يسلموا وإما أن يكون الجهاد .
كان هذا الحكم في أول الإسلام قبل أن يستحكم أمر الطاعة من الناس ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هادن من العرب قبائل ، كرهط هلال بن عويمر الأسلمي ، وسراقة بن مالك بن جعشم ، وخزيمة بن عامر بن عبد مناف ، فقضت هذه الآية بأنه من وصل من المشركين الذين لا عهد بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء أهل العهد فدخل في عدادهم وفعل من الموادعة فلا سبيل عليه ، وقال عكرمة والسدي وابن زيد : ثم لما تقوى الإسلام وكثر ناصروه نسخت هذه والتي بعدها بما في سورة براءة ، وقال أبو عبيدة وغيره : { يصلون } في هذا الموضع معناه ، ينتسبون ، ومنه قول الأعشى : [ الطويل ]
إذَا اتَّصَلَتْ قَالَتْ : أَبَكْر بْن وَائِلٍ *** وَبَكْرٌ سَبَتْهَا والأُنُوفُ رَوَاغِمُ{[4184]}
قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا غير صحيح{[4185]} ، قال الطبري : قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً وهم قرابة السابقين إلى الإسلام يقتضي بأن قرابة من له ميثاق أجدر بأن تقاتل ، فإن قيل : إن النبي عليه السلام لم يقاتل قريشاً إلا بعد نسخ هذه الآية ، قيل : التواريخ تقضي بخلاف ذلك ، لأن الناسخ بهذه الآية هي سورة براءة ، ونزلت بعد فتح مكة وإسلام جميع قريش .
وقوله تعالى : { أو جاءوكم } عطف على { يصلون } ، ويحتمل أن يكون على قوله : { بينكم وبينهم ميثاق } والمعنى في العطفين مختلف{[4186]} ، وهذا أيضاً حكم كان قبل أن يستحكم أمر الإسلام ، فكان المشرك إذا اعتزل القتال وجاء إلى دار الإسلام مسالماً كارهاً لقتال قومه ، مع المسلمين ولقتال المسلمين مع قومه لا سبيل عليه ، وهذه نسخت أيضاً بما في براءة . و { حصرت } : ضاقت وحرجت ، ومنه الحصر في القول ، وهو : ضيق الكلام على المتكلم ، وقرأ الحسن وقتادة «حصرة » كذا قال الطبري : وحكى ذلك المهدوي عن عاصم من رواية حفص ، وحكي عن الحسن أنه قرأ «حصرات » وفي مصحف أبيّ سقط { أو جاءوكم } ، و { حصرت } عند جمهور النحويين في موضع نصب على الحال بتقدير قد حصرت .
قال القاضي أبو محمد : وهذا يصحب الفعل الماضي إذا كان في موضع الحال والداعي إليه أن يفرق بين تقدير الحال وبين خبر مستأنف ، كقولك جاء زيد ركب الفرس ، فإن أردت بقولك ركب الفرس خبراً آخر عن زيد ، لم تحتج إلى تقدير قد ، وإن أردت به الحال من زيد قدرته بقد ، قال الزجاج : { حصرت } خبر بعد خبر ، وقال المبرد : { حصرت } دعاء عليهم .
قال القاضي أبو محمد : وقال بعض المفسرين : لا يصح هنا الدعاء ، لأنه يقتضي الدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا قومهم ، ذلك فاسد .
قال المؤلف : وقول المبرد يخرج على أن الدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا المسلمين تعجيز لهم ، والدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا قومهم تحقير لهم ، أي هم أقل وأحقر ، ويستغنى عنهم ، كما تقول إذا أردت هذا المعنى : لا جعل الله فلاناً عليَّ ولا معي أيضاً ، بمعنى استغنى عنه واستقل دونه ، واللام في قوله : { لسلطهم } جواب { لو } ، وفي قوله : { فلقاتلوكم } لام المحاذاة والازدواج ، لأنها بمثابة الأولى ، لو شاء الله لقواهم وجرأهم عليكم ، فإذا قد أنعم الله عليكم بالهدنة فاقبلوها وأطيعوا فيها ، وقرأت طائفة «فلقتلوكم » وقرأ الجحدري والحسن «فلقتّلوكم » بتشديد التاء ، والمعنى فإن اعتزلوكم أي هادنوكم وتاركوكم في القتل ، و { السلم } هنا الصلح ، قاله الربيع ، ومنه قول الطرماح بن حكيم :
وذاك أن تميماً غادرت سلماً . . . لللأسد كل حصان رعثة الكبد
وقال الربيع : { السلم } هاهنا الصلح ، وكذا قرأته عامة القراء ، وقرأ الجحدري «السلّم » بسكون اللام ، وقرأ الحسن «السّلِمْ » بكسر السين وسكون اللام ، فمعنى جملة هذه الآية ، خذوا المنافقين الكافرين واقتلوهم حيث وجدتموهم ، إلا من دخل منهم في عداد من { بينكم وبينه ميثاق } والتزم مهادنتكم أو من جاءكم وقد كره قتالكم وقتال قومه ، وهذا بفضل الله عليكم ودفاعه عنكم ، لأنه لو شاء { لسلط } هؤلاء الذين هم بهذه الصفة من المتاركة عليكم { فلقاتلوكم } ، فإن اعتزلوكم أي إذا وقع هذا فلم يقاتلوكم ، فلا سبيل لكم عليهم ، وهذا والذي في سورة الممتحنة من قوله تعالى { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ، إن الله يحب المقسطين }{[4187]} منسوخ بما في سورة براءة ، قاله قتادة وابن زيد وغيرهما .
الاستثناء من الأمر في قوله : { فخذوهم واقتلوهم } أي : إلاّ الذين آمنوا ولم هاجروا . أو إلاّ الذين ارتدّوا على أدبارهم إلى مكة بعد أن يهاجروا ، وهؤلاء يصلون إلى قوم ممّن عاهدوكم ، فلا تتعرّضوا لهم بالقتل ، لئلاّ تنقضوا عهودكم المنعقدة مع قومهم .
ومعنى ( يَصلُونَ ) ينتسبون ، مثل معنى اتَّصل في قول أحد بني نبهان :
ألاَ بَلْغَا خُلَّني رَاشِداً *** وصِنْوِي قديماً إذَا ما اتَّصل
أي انتسب ، ويحتمل أن يكون بمعنى التحق ، أي إلاّ الذين يلتحقون بقوم بينكم وبينهم ميثاق ، فيدخلون في عهدهم ، فعلى الاحتْمال الأول هم من المعاهدين أصالة وعلى الاحتمال الثاني هم كالمعاهدين لأنّ معاهَد المعاهَد كالمعاهَد . والمراد ب ( الذين يصلون ) قوم غير معيّنين ، بل كلّ من اتّصل بقوم لهم عهد مع المسلمين ، ولذلك قال مجاهد : هؤلاء من القوم الذين نزل فيهم { فما لكم في المنافقين فئتين } [ النساء : 88 ] .
وأمّا قوله : { إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق } فالمراد به القبائل التي كان لهم عهد مع المسلمين . قال مجاهد : لمّا نزلت : { فما لكم في المنافقين فئتين } الآية خاف أولئك الذين نزلت فيهم ، فذهبوا ببضائعهم إلى هلال بن عويمر الأسلمي ، وكان قد حَالف النبي صلى الله عليه وسلم على : أن لا يعينه ولا يعين عليه ، وأنّ من لَجَأ إلى هلال من قومه وغيرهم فله من الجوار مثل ما له . وقيل : أريد بالقوم الذين بينكم وبينهم ميثاق خزاعة ، وقيل : بنو بكر بن زيد مناءةَ كانوا في صلح وهدنة مع المسلمين ، ولم يكونوا آمنوا يومئذٍ وقيل : هم بنو مُدْلِج إذ كان سراقة بن مالك المدلِجي قد عقد عهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه بني مدلج بعد يوم بدر ، على أن لا يعينوا على رسول الله ، وأنّهم إن أسلمتُ قريش أسلموا وإن لم تُسلم قريش فهم لا يسلمون ، لئلاّ تخشن قلوب قريش عليهم . والأولى أنّ جميع هذه القبائل مشمول للآية .
ومعنى { أو جاؤوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم } الخ : أو جاءوا إلى المدينة مهاجرين ولكنّهم شرطوا أن لا يقاتلوا مع المؤمنين قومهم فاقْبَلُوا منهم ذلك . وكان هذا رخصة لهم أوّل الإسلام ، إذ كان المسلمون قد هادنوا قبائل من العرب تألّفاً لهم ، ولمن دخل في عهدهم ، فلمّا قوي الإسلام صار الجهاد مع المؤمنين واجباً على كلّ من يدخل في الإسلام ، أمّا المسلمون الأوّلون من المهاجرين والأنصار ومن أسلموا ولم يشترطوا هذا الشرط فلا تشملهم الرخصة ، وهم الذين قاتلوا مشركي مكة وغيرها .
وقرأ الجمهور « حَصِرَت » بصيغة فعل المضي المقترن بتاء تأنيث الفعل وقرأه يعقوب « حَصِرةً » بصيغة الصفة وبهاء تأنيث الوصف في آخره منصوبةٌ منونّة .
و { أن يقاتلوكم } مجرور بحذف عن ، أي ضاقت عن قتالكم ، لأجل أنّهم مؤمنون لا يرضون قتال إخوانهم ، وعن قتال قومهم لأنّهم من نسب واحد ، فعظم عليهم قتالهم .
وقد دلّ قوله : { حصرت صدورهم } على أنّ ذلك عن صدق منهم . وأريد بهؤلاء بنو مدلِج : عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك ، وقد عذرهم الله بذلك إذ صدَقوا ، وبيّن الله تعالى للمؤمنين فائدة هذا التسخير الذي سَخَّر لهم من قوم قد كانوا أعداء لهم فصاروا سلماً يودّونهم . ولكنّهم يأبون قتال قومهم فقال : { ولو شاء الله لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم } . ولذلك أمر المؤمنين بكفّ أيديهم عن هؤلاء إن اعتزلوهم ولم يقاتلوهم ، وهو معنى قوله : { فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً } أي إذْنا بعد أذْن أمر المؤمنين بقتال غيرهم حيث وجدوهم .
والسبيل هنا مستعار لوسيلة المؤاخذة ، ولذلك جاء في خبره بحرف الاستعلاء دون حرف الغاية ، وسيأتي الكلام عليه عند قوله تعالى : { ما على المحسنين من سبيل } في سورة براءة ( 91 ) .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم استثنى، فقال: {إلا الذين يصلون}، يعني التسعة المرتدين، {إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق}، يعني عهد خزاعة وبني خزيمة، وفيهم نزلت: {إلا الذين عاهدتم من المشركين} (التوبة: 4)، إن وصل هؤلاء التسعة إلى أهل عهدكم وهم خزاعة، منهم: هلال بن عويمر الأسلمي، وسراقة بن مالك بن جشم، وبنو مدلج، وبنو جذيمة، وهما حيان من كنانة، فلا تقتلوا التسعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صالح هؤلاء على أن من يأتيهم من المسلمين فهو آمن، يقول: إن وصل هؤلاء وغيرهم إلى أهل عهدكم، فإن لهم مثل الذي لحلفائهم. ثم قال عز وجل: {أو جاءوكم}، يعني بني جذيمة، {حصرت صدورهم}، يعني ضيقة قلوبهم، {أن يقاتلوكم}، يعني ضاقت قلوبهم أن يقتالوكم، {أو يقاتلوا قومهم} من التسعة، ثم قال: {ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم}، يخوف المؤمنين، ثم قال: {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم}، يعني الصلح، يعني هلالا وقومه خزاعة، {فما جعل الله لكم عليهم سبيلا} في قتالهم...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
{إلاّ الّذِينَ يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ}: فإن تولّى هؤلاء المنافقون الذين اختلفتم فيهم عن الإيمان بالله ورسوله، وأبوا الهجرة، فلم يهاجروا في سبيل الله، فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم، سوى من وصل منهم إلى قوم بينكم وبينهم موادعة وعهد وميثاق، فدخلوا فيهم وصاروا منهم ورضوا بحكمهم، فإن لمن وصل إليهم فدخل فيهم من أهل الشرك راضيا بحكمهم في حقن دمائهم بدخوله فيهم، أن لا تسبى نساؤهم وذراريهم، ولا تُغنم أموالهم... عن عكرمة،قال: نزلت في هلال بن عويمر الأسلمي وسراقة بن مالك بن جعشم وخزيمة بن عامر بن عبد مناف.
{أوْ جاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أنْ يُقاتِلُوكُمْ أوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ} فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم، إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، أو: إلا الذين جاءوكم منهم قد حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم فدخلوا فيكم. ويعني بقوله: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} ضاقت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو أن يقاتلوا قومهم، والعرب تقول لكل من ضاقت نفسه عن شيء من فعل أو كلام قد حصر، ومنه الحصر في القراءة.
وفي قوله {أوْ جاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أنْ يُقاتِلُوكُمْ أوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ} متروك ترك ذكره لدلالة الكلام عليه، وذلك أن معناه: أو جاءوكم قد حصرت صدورهم، فترك ذكر «قد» لأن من شأن العرب فعل
{ولو شَاءَ الله لَسلّطُهمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ}: ولو شاء الله لسلط هؤلاء الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، فيدخلون في جوارهم وذمتهم، والذين يجيئونكم قد حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم عليكم أيها المؤمنون، فقاتلوكم مع أعدائكم من المشركين، ولكن الله تعالى ذكره كفهم عنكم. يقول جلّ ثناؤه: فأطيعوا الذي أنعم عليكم بكفهم عنكم مع سائر ما أنعم به عليكم فيما أمركم به من الكفّ عنهم إذا وصلوا إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، أو جاءوكم حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم.
{فإنِ اعْتَزَلُوكُمْ}: فإن اعتزلكم هؤلاء الذين أمرتكم بالكفّ عن قتالهم من المنافقين بدخولهم في أهل عهدكم أو مصيرهم إليكم، حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم، فلم يقاتلوكم، {وأَلْقَوْا إلَيْكُمْ السّلَمَ}: وصالحوكم. والسلم: هو الاستسلام، وإنما هذا مثل كما يقول الرجل للرجل: أعطيتك قيادي وألقيت إليك خطامي، إذا استسلم له وانقاد لأمره، فكذلك قوله: {وألْقَوْا إلَيْكُمْ السّلَمَ} إنما هو: ألقوا إليكم قيادهم واستسلموا لكم صلحا منهم لكم وسلما. {فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً}: إذا استسلم لكم هؤلاء المنافقون الذين وصف صفتهم صلحا منهم لكم، فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً: أي فلم يجعل الله لكم على أنفسهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم طريقا إلى قتل أو سباء أو غنيمة، بإباحة منه ذلك لكم ولا إذن، فلا تعرضوا لهم في ذلك إلا سبيل خير. ثم نسخ الله جميع حكم هذه الآية والتي بعدها بقوله تعالى ذكره: {فإذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}... إلى قوله: {فَخَلّوا سَبِيلَهُمْ إنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
أحكام القرآن لإلكيا الهراسي 504 هـ :
فإذا دعت حاجة الزمان إلى مهادنة الكفار من غير جزية يردونها إليه، فكل من انتسب إلى المعاهدين صار منهم واشتمل الأمان عليهم...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{إِلاَّ الذين يَصِلُونَ} استثناء من قوله: {فَخُذُوهُمْ واقتلوهم} ومعنى {يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ} ينتهون إليهم ويتصلون بهم... والقوم هم الأسلميون، كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، وذلك أنه وادع وقت خروجه إلى مكة هلال بن عويمر الأسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه، وعلى أنّ من وصل إلى هلال ولجأ إليه فله من الجوار مثل الذي لهلال.
وقيل: القوم بنو بكر بن زيد مناة كانوا في الصلح {أَوْ جَآءوكُمْ} لا يخلو من أن يكون معطوفاً على صفة قوم، كأنه قيل: إلا الذين يصلون إلى قوم معاهدين، أو قوم ممسكين عن القتال لا لكم ولا عليكم، أو على صلة الذين، كأنه قيل: إلا الذين يتصلون بالمعاهدين، أو الذين لا يقاتلونكم، والوجه العطف على الصلة لقوله: {فَإِنِ اعتزلوكم فَلَمْ يقاتلوكم وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السلم فَمَا جَعَلَ الله لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} بعد قوله: {فَخُذُوهُمْ واقتلوهم حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} فقرّر أن كفهم عن القتال أحد سببي استحقاقهم لنفي التعرض عنهم وترك الإيقاع بهم.
فإن قلت: كل واحد من الاتصالين له تأثير في صحة الاستثناء، واستحقاق إزالة التعرّض الاتصال بالمعاهدين والاتصال بالمكافين، لأنّ الاتصال بهؤلاء أو هؤلاء دخول في حكمهم، فهلا جوزت أن يكون العطف على صفة قوم، ويكون قوله: {فَإِنِ اعتزلوكم} تقريراً لحكم اتصالهم بالمكافين واختلاطهم بهم وجريهم على سننهم؟ قلت: هو جائز، ولكن الأول أظهر وأجرى على أسلوب الكلام.
فإن قلت: كيف يجوز أن يسلط الله الكفرة على المؤمنين؟ قلت: ما كانت مكافتهم إلا لقذف الله الرعب في قلوبهم، ولو شاء لمصلحة يراها من ابتلاء ونحوه لم يقذفه، فكانوا متسلطين مقاتلين غير مكافين، فذلك معنى التسليط.
اعلم أنه تعالى لما أمر بقتل هؤلاء الكفار استثنى منه موضعين:
الأول قوله تعالى: {إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} وفيه مسائل:
المسألة الثانية:... اعلم أن ذلك يتضمن بشارة عظيمة لأهل الإيمان، لأنه تعالى لما رفع السيف عمن التجأ إلى من التجأ إلى المسلمين، فأن يرفع العذاب في الآخرة عمن التجأ إلى محبة الله ومحبة رسوله كان أولى والله أعلم.
الموضع الثاني في الاستثناء: قوله تعالى: {أو جآؤوكم حصرت صدورهم أن يقاتلونكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا} وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله تعالى: {أو جاؤوكم} يحتمل أن يكون عطفا على صلة {الذين} والتقدير: إلا الذين يصلون بالمعاهدين أو الذين حصرت صدورهم فلا يقاتلونكم، ويحتمل أن يكون عطفا على صفة «قوم» والتقدير: إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم عهد، أو يصلون إلى قوم حصرت صدورهم فلا يقاتلونكم، والأول أولى لوجهين:
أحدهما: قوله تعالى: {فإن اعتزلوكمفلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا} وإنما ذكر هذا بعد قوله: {فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم} وهذا يدل على أن السبب الموجب لترك التعرض لهم هو تركهم للقتال، وهذا إنما يتمشى على الاحتمال الأول، وأما على الاحتمال الثاني فالسبب الموجب لترك التعرض لهم هو الاتصال بمن ترك القتال.
الثاني: أن جعل ترك القتال موجبا لترك التعرض أولى من جعل الاتصال بمن ترك القتال سببا قريبا لترك التعرض، لأن على التقدير الأول يكون ترك القتال سببا قريبا لترك التعرض، وعلى السبب الثاني يصير سببا بعيدا.
المسألة الثانية: قوله: {حصرت صدورهم} معناه ضاقت صدورهم عن المقاتلة فلا يريدون قتالكم لأنكم مسلمون، ولا يريدون قتالهم لأنهم أقاربهم... وقوله: {أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم} معناه ضاقت قلوبهم عن قتالكم وعن قتال قومهم فهم لا عليكم ولا لكم.
المسألة الثالثة: اختلفوا في أن الذين استثناهم الله تعالى أهم من الكفار أو من المؤمنين؟ فقال الجمهور: هم من الكفار، والمعنى أنه تعالى أوجب قتل الكافر إلا إذا كان معاهدا أو تاركا للقتال فإنه لا يجوز قتلهم، وعلى هذا التقدير فالقول بالنسخ لازم لأن الكافر وإن ترك القتال فإنه يجوز قتله، وقال أبو مسلم الأصفهاني: إنه تعالى لما أوجب الهجرة على كل من أسلم استثنى من له عذر فقال: {إلا الذين يصلون} وهم قوم من المؤمنين قصدوا الرسول للهجرة والنصرة، إلا أنهم كان في طريقهم من الكفار ما لم يجدوا طريقا إليه خوفا من أولئك الكفار، فصاروا إلى قوم بين المسلمين وبينهم عهد وأقاموا عندهم إلى أن يمكنهم الخلاص، واستثنى بعد ذلك من صار إلى الرسول ولا يقاتل الرسول ولا أصحابه، لأنه يخاف الله تعالى فيه، ولا يقاتل الكفار أيضا لأنهم أقاربه، أو لأنه أبقى أولاده وأزواجه بينهم، فيخاف لو قاتلهم أن يقتلوا أولاده وأصحابه، فهذان الفريقان من المسلمين لا يحل قتالهم وإن كان لم يوجد منهم الهجرة ولا مقاتلة الكفار.
المسألة الرابعة: قوله تعالى: {ولو شاء الله لسلطهم عليكم} التسليط في اللغة مأخوذ من السلاطة وهي الحدة، والمقصود منه أن الله تعالى من على المسلمين بكف بأس المعاهدين، والمعنى: أن ضيق صدورهم عن قتالكم إنما هو لأن الله قذف الرعب في قلوبهم، ولو أنه تعالى قوى قلوبهم على قتال المسلمين لتسلطوا عليهم.
{فما جعل الله لكم عليهم سبيلا} فما أذن لكم في أخذهم وقتلهم. واختلف المفسرون فقال بعضهم: الآية منسوخة بآية السيف، وهي قوله: {اقتلوا المشركين} وقال قوم: إنها غير منسوخة، أما الذين حملوا الاستثناء على المسلمين فذلك ظاهر على قولهم، وأما الذين حملوا الاستثناء على الكافرين فقال الأصم: إذا حملنا الآية على المعاهد فكيف يمكن أن يقال إنها منسوخة.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
إن الكلام في المنافقين الذين في دار الشرك لا في دار الهجرة سواء كان نفاقهم بدعوى الإسلام أو بالولاء والعهد، وقد أركسهم الله وأظهر نفاقهم وشدة حرصهم على ارتداد المسلمين كفارا مثلهم، وأذن بقتلهم أينما وجدوا لأنهم يغدرون بالمسلمين فيوهمونهم أنهم معهم، ويقتلونهم إذا ظفروا بهم، واستثنى منهم من تؤمن غائلتهم بأحد أمرين:
أحدهما: أن يصلوا وينتهوا إلى قوم معاهدين للمسلمين فيدخلوا في عهدهم ويرضوا بحكمهم، فيمتنع قتالهم مثلهم.
وثانيهما: أن يجيئوا المسلمين مسالمين لا يقاتلونهم ولا يقاتلون قومهم معهم بل يكونون على الحياد وهذا هو قوله تعالى: {أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم} أي جاءوكم قد ضاقت صدروهم عن قتالكم وعن قتال قومهم فلا تنشرح لأحد الأمرين...
ولما كان الكف عن هؤلاء مما قد يثقل على المسلمين لما جرت عليه عادة العرب من الشدة في أمر المعاهدين والمحالفين وتكليفهم قتال كل أحد يقاتل مخالفيهم ولو كانوا من الأهل والأقربين قال تعالى مخففا ذلك عنهم ومؤكدا أمر منع قتال المسلمين. {ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم} أي إن من رحمته تعالى بكم أن كف عنكم بأس هاتين الفئتين وصرفهم عن قتالكم ولو شاء أن يسلطهم عليكم لسلطهم فلقاتلوكم، وذلك بأن يسوق إليهم من الأخبار ويلهمهم من الآراء ما يرجحون به ذلك. ولكنه بتوفيقه ونظامه في الأسباب والمسببات، وسننه في الأفراد وحال الاجتماع، جعل الناس في ذلك العصر أزواجا ثلاثة:
السليم والفطرة الأقوياء الاستقلال وهم الذين سارعوا إلى الإيمان.
المتوسطون وهم الذين رجحوا مسالمة المسلمين فلم يكونوا معهم من أول وهلة ولا أشداء عليهم.
الموغلون في الضلال والشرك والراسخون في التقليد والمحافظة على القديم وهم المحاربون. وإذا كان وجود هؤلاء المسالمين بمشيئة الموافقة لحكمه وسننه فلا يثقل عليكم اتباع أمره بترك قتالهم {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا} أي فإن اعتزلكم أولئك الذين يمتون إليكم بإحدى تينك الطريقتين فلم يقاتلوكم، وألقوا إليكم السلم أي أعطوكم زمام أمرهم في المسالمة بحيث وثقتم بها وثوق المرء بما يلقى إليه، فما جعل الله لكم طريقا تسلكونها إلى الاعتداء عليهم، فإن أصل شرعه الذي هداكم إليه أن لا تقاتلوا إلا من يقاتلوكم، ولا تعتدوا إلا على من اعتدى عليكم...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم استثنى من هذا الحكم -حكم الأسر والقتل- لهذا الصنف من المنافقين، الذين يعينون أعداء المسلمين -من يلجأون إلى معسكر بينه وبين الجماعة الإسلامية عهد- عهد مهادنه أو عهد ذمة -ففي هذه الحالة يأخذون حكم المعسكر الذي يلتجئون إليه، ويتصلون به: (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق).. ويبدو في هذا الحكم اختيار الإسلام للسلم، حيثما وجد مجالًا للسلم لا يتعارض مع منهجه الأساسي. من حرية الإبلاغ وحرية الاختيار؛ وعدم الوقوف في وجه الدعوة، بالقوة مع كفالة الأمن للمسلمين؛ وعدم تعريضهم للفتنة، أو تعريض الدعوة الإسلامية ذاتها للتجميد والخطر. ومن ثم يجعل كل من يلجأ ويتصل ويعيش بين قوم معاهدين- عهد ذمة أو عهد هدنة -شأنه شأن القوم المعاهدين. يعامل معاملتهم، ويسالم مسالمتهم. وهي روح سلمية واضحة المعالم في مثل هذه الأحكام. كذلك يستثني من الأسر والقتل جماعة أخرى. هي الأفراد أو القبائل أو المجموعات التي تريد أن تقف على الحياد، فيما بين قومهم وبين المسلمين من قتال. إذ تضيق صدورهم أن يقاتلوا المسلمين مع قومهم. كما تضيق صدورهم أن يقاتلوا قومهم مع المسلمين. فيكفوا أيديهم عن الفريقين بسبب هذا التحرج من المساس بهؤلاء أو هؤلاء: أو جاؤوكم، حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم.. وواضح كذلك في هذا الحكم الرغبة السلمية في اجتناب القتال؛ حيثما كف الآخرون عن التعرض للمسلمين ودعوتهم؛ واختاروا الحياد بينهم وبين المحاربين لهم. وهؤلاء الذين يتحرجون أن يحاربوا المسلمين أو يحاربوا قومهم...
ويحبب الله المسلمين في انتهاج هذه الخطة مع المحايدين المتحرجين. فيكشف لهم عن الفرض الثاني الممكن في الموقف! فلقد كان من الممكن- بدل أن يقفوا هكذا على الحياد متحرجين -أن يسلطهم الله على المسلمين فيقاتلوهم مع أعدائهم المحاربين! فأما وقد كفهم الله عنهم على هذا النحو، فالسلم أولى، وتركهم وشأنهم هو السبيل: (ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم. فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم، وألقوا إليكم السلم. فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً).. وهكذا يلمس المنهج التربوي الحكيم نفوس المسلمين المتحمسين، الذين قد لا يرضون هذا الموقف من هذا الفريق. يلمسه بما في هذا الموقف من فضل الله وتدبيره؛ ومن كف لجانب من العداء والأذى كان سيضاعف العبء على عاتق المسلمين. ويعلمهم أن يأخذوا الخير الذي يعرض فلا يرفضوه، ويجتنبوا الشر الذي يأخذ طريقه بعيدا عنهم، فلا يناوشوه.. طالما أن ليس في هذا كله تفريط في شيء من دينهم، ولا تمييع لشيء من عقيدتهم؛ ولا رضى بالدنية في طلب السلم الرخيصة!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الاستثناء من الأمر في قوله: {فخذوهم واقتلوهم} أي: إلاّ الذين آمنوا ولم يهاجروا. أو إلاّ الذين ارتدّوا على أدبارهم إلى مكة بعد أن يهاجروا، وهؤلاء يصلون إلى قوم ممّن عاهدوكم، فلا تتعرّضوا لهم بالقتل، لئلاّ تنقضوا عهودكم المنعقدة مع قومهم. ومعنى (يَصلُونَ) ينتسبون،... ويحتمل أن يكون بمعنى التحق، أي إلاّ الذين يلتحقون بقوم بينكم وبينهم ميثاق، فيدخلون في عهدهم، فعلى الاحتْمال الأول هم من المعاهدين أصالة وعلى الاحتمال الثاني هم كالمعاهدين لأنّ معاهَد المعاهَد كالمعاهَد. والمراد ب (الذين يصلون) قوم غير معيّنين، بل كلّ من اتّصل بقوم لهم عهد مع المسلمين،... وأمّا قوله: {إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} فالمراد به القبائل التي كان لهم عهد مع المسلمين...
ومعنى {أو جاؤوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم} الخ: أو جاءوا إلى المدينة مهاجرين ولكنّهم شرطوا أن لا يقاتلوا مع المؤمنين قومهم فاقْبَلُوا منهم ذلك. وكان هذا رخصة لهم أوّل الإسلام،... و {حصرت} بمعنى ضاقت وحرجت. و {أن يقاتلوكم}... أي ضاقت عن قتالكم، لأجل أنّهم مؤمنون لا يرضون قتال إخوانهم، وعن قتال قومهم لأنّهم من نسب واحد، فعظم عليهم قتالهم. وقد دلّ قوله: {حصرت صدورهم} على أنّ ذلك عن صدق منهم. وأريد بهؤلاء بنو مدلِج: عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقد عذرهم الله بذلك إذ صدَقوا، وبيّن الله تعالى للمؤمنين فائدة هذا التسخير الذي سَخَّر لهم من قوم قد كانوا أعداء لهم فصاروا سلماً يودّونهم. ولكنّهم يأبون قتال قومهم فقال: {ولو شاء الله لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم}. ولذلك أمر المؤمنين بكفّ أيديهم عن هؤلاء إن اعتزلوهم ولم يقاتلوهم، وهو معنى قوله: {فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً} أي إذْنا بعد أذْن أمر المؤمنين بقتال غيرهم حيث وجدوهم...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
المعنى: لكن لا تأخذوا ولا تقتلوا أحدا من هؤلاء الذين يصلون بالانتماء أو الرعوية إلى قوم بينهم وبين المسلمين عهد موثق، لا يصح النكث فيه، ولا الخروج على أحكامه، أو التمرد على مقتضاه، فهؤلاء يعاملون كالدولة التي ينتمون إليها، والأقوام الذين يصلون أمورهم بهم، ولا يصح أن يقتلوا أو يؤسروا؛ لأن قتلهم أو أسرهم نقض للعهد الذي وثق وأكد،... وإن قوله تعالى: {يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق}، يدخل في مضمونه طائفتان: أولهما: طائفة تكون رعية لدولة بينكم وبينهم عهد وميثاق، فإنه لا يشترط لنجاتهم أن يخرجوا إليكم مهاجرين، فإنهم آمنون بمقتضى العهد والميثاق، فإن أعلنوا الإسلام، لا يستراب في أمرهم. والثانية: من يتصلون بعهد أو ميثاق أو ولاء ممن كان بينكم وبينهم عهد، فإن لهم من يكونون رعية لمعاهديكم، وإن هذا الصنف يصح أن ينطبق على من لا يظهرون الإسلام ولكن يعلنون السلام. وهناك صنف لا ينتمي لقوم ذوي عهد، ولكنه لا يقاتل قومه لعذر عنده، ويخرج إلى المؤمنين مخلصا لله الدين أو ملقيا بالسلام، وهم الذين قال الله سبحانه وتعالى فيهم: {أو جاءوكم حَصِرَت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم} هذا فريق آخر ممن يعلنون الإسلام في وسط أقوامهم أو لا يعلنونه ولا يقاتلون مع المؤمنين، وهؤلاء ينتمون إلى قوم يقاتلون المؤمنين، وهو في حال حرب، فهؤلاء يعلنون إسلامهم ويجيئون إلى المسلمين معلنين الإسلام، ولكنهم يكونون في ضيق وحرج، فلا يستطيعون قتال أقوامهم، خشية على ذرياتهم أو ذوي أرحامهم، أو أموالهم، ويريدون أن يتذرعوا بالامتناع عن قتال قومهم فإنه يقبل منهم الاعتزال. ومعنى {حصرت صدورهم} ضاقت...
{ولو شاء الله لسلَّطهم عليكم فلقاتلوكم} أي أنه من رحمة الله بكم أن قلل أعداءكم، وأضعف شأن الذين يقاتلونكم، بأن يخرج من بين صفوفهم من يسالمونكم، وإن الله ناصركم في هذا بأمرين: بتقوية جمعكم، وإضعاف شأن عدوكم، ولو شاء سبحانه أن يكونوا جميعا عليكم ولا يخرج منهم من يسالمكم، وجعل أولئك الذين يمدون يد السلام مسلطين عليكم بالقتل والقتال، لكان ذلك، وليس في مصلحتكم، فاختاروا ما أمركم الله به، وهو مسالمة أولئك الذين يسالمونكم، وقد خرجوا من بين أقوامهم. ولقد أكد سبحانه هذا المعنى بقوله تعالى: {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا} أي فاقبلوا من هؤلاء المسالمة، إن اعتزلوا قتالكم ولم يكونوا مع أعدائكم عليكم، ولم يريدوا أيضا أن يكونوا معكم على أقوامهم، وألقوا إليكم السلام غير معاندين، ولا مخالفين، فاقبلوا ذلك منهم ولا تحاربوهم لأنهم لا يقاتلونكم ولا يؤلبون عليكم، ولا يعتدون،... وفي النص الكريم إشارتان لفظيتان: أولهما- قوله سبحانه: {فما جعل الله لكم عليهم سبيلا}، إذ التعبير ب "عليهم "يومئ إلى أن قتالهم اعتداء عليهم، وما جعل الله لكم حق الاعتداء، فالمعنى: ما جعل الله سبحانه لكم سبيلا للإعتداء ب "عليهم". الثانية- التعبير بلفظ السلم بدل السلام للإشارة إلا معنى التسليم، لا مجرد الأمن والسلام، لأن السلم يفيد معنى التسليم، فهم ألقوا إليكم الأمن وتسليم القيادة لكم...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
بعد أن أمر القرآن الكريم المسلمين في الآيات السابقة باستخدام العنف مع المنافقين الذين يتعاونون مع أعداء الإِسلام، تستثني هذه الآية من الحكم المذكور طائفتين:
من كانت لهم عهود ومواثيق مع حلفائكم (إلاّ الذين يصلون إِلى قوم بينكم وبينهم ميثاق).
من كانت ظروفهم لا تسمح لهم بمحاربة المسلمين، كما أنّ قدرتهم ليست على مستوى التعاون مع المسلمين لمحاربة قبيلتهم (أو جاؤوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم). (ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم). وهذا تذكير للمسلمين بعدم نسيان الله في كل انتصار، وأن يتجنّبوا الغرور والعجب حيال ما لديهم من قوّة، وأن لا يعتبروا العفو عن الضعفاء خسارة أو ضرراً لأنفسهم. وتكرر الآية في ختامها التأكيد بأنّ الله لا يسمح للمسلمين بالمساس بقوم عرضوا عليهم الصلح وتجنبوا قتالهم، وإن المسلمين مكلفون بأن يقبلوا دعوة الصلح هذه، ويصافحوا اليد التي امتدت إِليهم وهي تريد الصلح والسلام (فإِن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إِليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا)...