معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأُتۡبِعُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا لَعۡنَةٗ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ عَادٗا كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّعَادٖ قَوۡمِ هُودٖ} (60)

وقوله تعالى : { وأتبعوا في هذه الدنيا لعنةً } ، أي : أردفوا لعنه تلحقهم وتنصرف معهم ، واللعنة : هي الإبعاد والطرد عن الرحمة ، { ويوم القيامة } ، أي : وفي يوم القيامة أيضا لعنوا كما لعنوا في الدنيا والآخرة ، { ألا إن عاداً كفروا ربهم } ، أي : بربهم ، يقال : كفرته وكفرت به ، كما يقال : شكرته وشكرت له ونصحته ونصحت له .

{ ألا بعداً لعاد قوم هود } ، قيل : بعدا من رحمة الله . وقيل : هلاكا . وللبعد معنيان : أحدهما ضد القرب ، يقال منه : بعد يبعد بعدا ، والآخر : بمعنى الهلاك ، يقال : منه بعد يبعد بعدا وبعدا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأُتۡبِعُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا لَعۡنَةٗ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ عَادٗا كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّعَادٖ قَوۡمِ هُودٖ} (60)

ثم ختم - سبحانه - قصتهم مع نبيهم فى هذه السورة بقوله : { وَأُتْبِعُواْ فِي هذه الدنيا لَعْنَةً وَيَوْمَ القيامة } .

والإِتباع : اقتفاء أثر الشئ بحيث لا يفوته . يقال : أتبع فلان فلانا إذا اقتفى أثره لكى يدركه أو يسير على نهجه .

واللعنة : الطرد بإهانة وتحقير .

أى : أنهم هلكوا مشيعين ومتبوعين باللعن والطرد من رحمة الله فى الدنيا والآخرة .

وقوله : { ألا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } تسجيل لحقيقة حالهم ، ودعاء عليهم بدوام الهلاك ، وتأكيد لسخط الله عليهم .

أى : ألا إن يوم عاد كفروا بنعم ربهم عليهم ، ألا سحقا وبعدا لهم عن رحمة الله ، جزاء جحودهم للحق ، وإصرارهم على الكفر ، واتسحبابهم العمى على الهدى .

وتكرير حرف التنبيه " ألا " وإعادة لفظ " عاد " للمبالغة فى تهويل حالهم وللحض على الاعتبار والاتعاظ بمآلهم .

هذا ، ومن العبر البارزة فى هذه القصة :

1 - أن الداعى إلى الله ، عليه أن يذكر المدعوين بما يستثير مشاعرهم ، ويحقق اطمئنانهم إليه ، ويرغبهم فى اتباع الحق ، ببيان أن اتباعهم لهذا الحق سيؤدى إلى زيادة غناهم وقوتهم وأمنهم وسعادتهم .

وأن الانحراف عنه سيؤدى إلى فقرهم وضعفهم وهلاكهم .

انظر إلى قول هود - عليه السلام - : { وياقوم استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ }

2 - وأن الداعى إلى الله - عندما يخلص لله دعوته ، ويعتمد عليه - سبحانه - فى تبليغ رسالته ، ويغار عليها كما يغار على عرضه أو أشد .

فإنه فى هذه الحالة سيقف فى وجه الطغاة المناوئين للحق ، كالطود الأشم ، دون مبالاة بتهديدهم ووعيدهم . . لأنه قد آوى إلى ركن شديد .

وهذه العبرة من أبرز العبر فى قصة هود عليه السلام .

ألا تراه وهو رجل فرد يواجه قوما غلاظا شدادا طغاة ، إذا بطشوا بطشوا جبارين ، يدلون بقوتهم ويقولون فى زهو وغرور : من أشد منا قوة .

ومع كل ذلك عندما يتطاولن على عقيدته ؛ ويراهم قد أصروا على عصيانه .

يواجههم بقوله : { إني أُشْهِدُ الله واشهدوا أَنِّي برياء مِّمَّا تُشْرِكُونَ . مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ . . }

أرأيت كيف واجه هود - عليه السلام - هؤلاء الغلاظ الشداد بالحق الذى يؤمن به دون مبالاة بوعيدهم أو تهديدهم . . ؟

وهكذا الإِيمان بالحق عندما يختلط بالقلب . . يجعل الإِنسان يجهر به دون أن يخشى أحداً إلا الله - تعالى - .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأُتۡبِعُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا لَعۡنَةٗ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ عَادٗا كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّعَادٖ قَوۡمِ هُودٖ} (60)

50

لقد هلكت عاد لأنهم اتبعوا أمر كل جبار عنيد . هلكوا مشيعين باللعنة في الدنيا وفي الآخرة :

( وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ) . .

ثم لا يتركهم قبل أن يسجل عليهم حالهم وسبب ما أصابهم في إعلان عام وتنبيه عال :

( ألا إن عادا كفروا ربهم ) . .

ثم يدعو عليهم بالطرد والبعد البعيد :

( ألا بعدا لعاد قوم هود ) . .

بهذا التحديد والإيضاح والتوكيد . كأنما يحدد عنوانهم للعنة المرسلة عليهم حتى تقصدهم قصدا :

( ألا بعدا لعاد قوم هود ) ! ! !

/خ60

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأُتۡبِعُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا لَعۡنَةٗ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ عَادٗا كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّعَادٖ قَوۡمِ هُودٖ} (60)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَأُتْبِعُواْ فِي هََذِهِ الدّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلآ إِنّ عَاداً كَفَرُواْ رَبّهُمْ أَلاَ بُعْداً لّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } .

يقول تعالى ذكره : وأتبع عاد قوم هود في هذه الدنيا غضبا من الله وسخطة يوم القيامة ، مثلها لعنة إلى اللعنة التي سلفت لهم من الله في الدنيا . أَلاَ إِنّ عَادا كَفَرُوا رَبّهمْ ألا بُعْدا لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ يقول : أبعدهم الله من الخير ، يقال : كَفَرَ فلان رَبّه وكفر بَربّه ، وشكرت لك وشكرتك . وقيل : إن معنى كفروا ربهم : كفروا نعمة ربهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأُتۡبِعُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا لَعۡنَةٗ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ عَادٗا كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّعَادٖ قَوۡمِ هُودٖ} (60)

وقوله { وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة } الآية ، حكم عليهم بهذا الحكم لكفرهم وإصرارهم حتى حل العذاب بهم ، و «اللعنة » : الإبعاد والخزي ، وقد تيقن أن هؤلاء وافوا على الكفر فيلعن الكافر الموافي على كفره ولا يلعن معين حي ، لا من كافر ، ولا من فاسق ، ولا من بهيمة ، كل ذلك مكروه بالأحاديث . و { يوم } ظرف معناه أن اللعنة عليهم في الدنيا وفي يوم القيامة . ثم ذكرت العلة الموجبة لذلك وهي كفرهم بربهم ؛ وتعدى «كفر » بغير الحرف إذ هو بمعنى { جحدوا } كما تقول شكرت لك وشكرتك ، وكفر نعمته وكفر بنعمته ، و { بعداً } منصوب بفعل مقدر وهو مقام ذلك الفعل{[6397]} .


[6397]:- الضمير (هو) يعود على المصدر (بعدا)، يريد أن المصدر قائم مقام فعله.