معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنۡهَا مِن ثَمَرَةٖ رِّزۡقٗا قَالُواْ هَٰذَا ٱلَّذِي رُزِقۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَأُتُواْ بِهِۦ مُتَشَٰبِهٗاۖ وَلَهُمۡ فِيهَآ أَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞۖ وَهُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (25)

قوله تعالى : { وبشر الذين آمنوا } . أي أخبر ، والبشارة : كل خبر صدق تتغير به بشرة الوجه ، ويستعمل في الخير والشر ، وفي الخير أغلب .

قوله تعالى : { وعملوا الصالحات } . أي الفعلات الصالحات ، يعني المؤمنين الذين من أهل الطاعات قال عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه : ( وعملوا الصالحات ) أي أخلصوا الأعمال ، كما قال : ( فليعمل عملاً صالحاً ) أي خالياً عن الرياء . قال معاذ : العمل الصالح الذي فيه أربعة أشياء : العلم ، والنية ، والصبر ، والإخلاص . قوله تعالى : { أن لهم جنات } . جمع الجنة ، والجنة البستان الذي فيه أشجار مثمرة ، سميت بها لاجتنانها وتسترها بالأشجار . وقال الفراء : الجنة ما فيه النخيل ، والفردوس ما فيه الكرم .

قوله تعالى : { تجري من تحتها } . أي من تحت أشجارها ومساكنها .

قوله تعالى : { الأنهار } . أي المياه في الأنهار لأن النهر لا يجري ، وقيل من تحتها أي بأمرهم ، لقوله تعالى حكاية عن فرعون ( وهذه الأنهار تجري من تحتي ) أي بأمري ، والأنهار جمع نهر ، سمي به لسعته وضيائه . ومنه النهار . وفي الحديث " أنهار الجنة في غير أخدود " .

قوله تعالى : { كلما } . متى ما .

قوله تعالى : { رزقوا } . أطعموا .

قوله تعالى : { منها } . أي من الجنة .

قوله تعالى : { من ثمرة } . أي ثمرة ومن صلة .

قوله تعالى : { رزقاً } . طعاماً .

قوله تعالى : { قالوا هذا الذي رزقنا من قبل } . وقبل رفع على الغاية . قال الله تعالى : ( لله الأمر من قبل ومن بعد ) قيل : من قبل في الدنيا وقيل : الثمار في الجنة متشابهة في اللون ، مختلفة في الطعم ، فإذا رزقوا ثمرة بعد أخرى ظنوا أنها الأولى .

قوله تعالى : { وأتوا به } . رزقا .

قوله تعالى : { متشابهاً } . قال ابن عباس ، ومجاهد ، والربيع : متشابهاً في الأوان ، مختلفاً في الطعوم . وقال الحسن وقتادة : متشابهاً . أي يشبه ثمر الدنيا غير أنها أطيب . وقيل متشابهاً في الاسم مختلفاً في الطعم . قال : ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسامي .

أخبرنا أبو حامد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الصفار ، أنا أحمد بن محمد بن عيسى البري ، أنا محمد ابن كثير ، أنا سفيان الثوري ، عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون ولا يبزقون ، يلهمون الحمد والتسبيح ، كما تلهمون النفس ، طعامهم الجشاء ، ورشحهم المسك " .

قوله تعالى : { ولهم فيها } . في الجنان .

قوله تعالى : { أزواج } . نساء وجواري يعني من الحور العين .

قوله تعالى : { مطهرة } . من الغائط ، والبول ، والحيض ، والنفاس ، والبصاق ، والمخاط والمني ، والولد ، وكل قذر . قال إبراهيم النخعي : في الجنة جماع ما شئت ولا ولد . وقال الحسن هن عجائزكم الغمص العمش طهرن من قذرات الدنيا . وقيل : مطهرة عن مساوئ الأخلاق .

قوله تعالى : { وهم فيها خالدون } . دائمون لا يموتون فيها ولا يخرجون منها . أنا أبو عمرو وعبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو حامد أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف العزيزي ، أنا محمد بن إسماعيل البخاري ، أنا قتيبة بن سعيد ، أنا جرير عن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة ، لا يبولون ولا يتغوطون ، ولا يتفلون ولا يتمخطون ، أمشاطهم الذهب ، ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة وأزواجهم الحور العين ، على خلق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنا أبو القاسم البغوي ، أنا علي بن الجعد ، أنا فضيل هو ابن مرزوق ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول زمرة من يدخل الجنة يوم القيامة صورة وجوههم مثل صورة القمر ليلة البدر ، والزمرة الثانية على لون أحسن الكواكب في السماء لكل رجل منهم زوجتان ، على كل زوجة سبعون حلة ، يرى مخ سوقهن دون لحومها ودمائها وحللها " .

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي المروزي ، أنا أبو الحسن علي ابن عبد الله الطيسفوني ، أنا عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنا عبد الله بن عمر الجوهري ، أنا أحمد بن علي الكشميهني ، أنا علي بن حجر ، أنا إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الهمذاني ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : " لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت على الأرض لأضاءت ما بينهما ولملئت ما بينهما ريحاً ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها " . صحيح ، أخرجه محمد بن عبد الله بن محمد ، عن معاوية بن عمر ، عن أبي إسحاق ، عن حميد .

أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أنا أبو محمد بن علي بن محمد ابن شريك الشافعي ، أنا عبد الله بن محمد بن مسلم ، أنا أبو بكر الجوريدي ، أنا أحمد بن الفرج الحمصي ، أنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار ، أنا محمد ابن المهاجر ، عن الضحاك المعافري ، عن سليمان بن موسى ، حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا هل من مشمر للجنة ، وإن الجنة لا خطر لها وهي ، ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ونهر مطرد ، وثمرة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، ومقام أبد في دار سليمة ، وفاكهة خضرة ، وحبرة ، ونعمة في محلة عالية بهية ، قالوا : نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها . قال : قولوا إن شاء الله . قال القوم : إن شاء الله " .

وروى عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أهل الجنة جرد مرد كحل ، لا يفنى شبابهم ، ولا تبلى ثيابهم " .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي ، أنا الحاكم أبو الفضل الحدادي ، أنا أبو يزيد محمد بن يحيى ، أنا إسحاق الحنظلي ، أنا أبو معاوية ، أنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعيد ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة لسوقاً ليس فيه بيع ولا شراء إلا الصور من الرجال والنساء ، فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها ، إن فيها لمجتمع الحور العين ينادين ، بصوت لم يسمع الخلائق مثله : نحن الخالدات فلا نبيد أبداً ، ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً ، ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً ، فطوبى لمن كان لنا وكنا له ونحن له " ورواه أبو عيسى عن هناد و أحمد بن منيع عن أبي معاوية مرفوعاً وقال : هذا حديث غريب .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني ، أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ، أنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أنا مسلم بن الحجاج ، أنا أبو عثمان سعيد بن عبد الجبار البصري أنا حماد بن مسلمة ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً ، فيرجعون إلى أهلهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً فيقول لهم أهلهم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً فيقولون وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنۡهَا مِن ثَمَرَةٖ رِّزۡقٗا قَالُواْ هَٰذَا ٱلَّذِي رُزِقۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَأُتُواْ بِهِۦ مُتَشَٰبِهٗاۖ وَلَهُمۡ فِيهَآ أَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞۖ وَهُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (25)

وبعد أن ذكر القرآن الكفار ومآلهم ، عطف على ذلك ذكر المؤمنين وما يفوزون به من نعيم في حياتهم الباقية ، كما هي سنة القرآن في الجمع بين الترغيب والترهيب والوعد والوعيد فقال - تعالى - :

{ وَبَشِّرِ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هذا . . . }

البشارة : الخبر السار فهو أخص من الخبر ، سمى بذلك لأن أثره يظهر على البشرة وهي ظاهر جلد الإِنسان ، والمأمور بالتبشير هو النبي صلى الله عليه وسلم أو كل من يتأتى منه تفخيماً لأمره ، وتعظيماً لشأنه .

والصلاحات : جمع صالحة وهي الفعلة الحسنة ، وهي من الصفات التي جرت مجرى الأسماء في إيلائها العوامل .

والجنات : جمع جنة ، وهي كل بستان ذي شجر متكاثف ، ملتف الأغصان ، يظل ما تحته ويستره ، من الجن وهو ستر الشيء عن الحاسة ، ثم صارت الجنة اسماً شرعياً لدار النعيم في الآخرة ، وهي سبع درجات : جنة الفردوس ، وجنة عدن ، وجنة النعيم ، ودار الخلد ، وجنة المأوى ، ودار السلام ، وعليون . . . وتتفاوت منازل المؤمنين في كل درجة بتفاوت الأعمال الصالحة . والأنهار جمع نهر - بفتح الهاء وسكونها والفتح أفصح - وهو الأخدود الذي يجري فيه الماء على الأرض ، وهو مشتق من مادة نهر الدالة على الانشقاق والاتساع ، ويكون كبيراً أو صغيراً . وأسند إليه الجرى في الآية مع أن الذي يجري في الحقيقة هو الماء ، أخذاً بفن معروف بين البلغاء ، وهو إسناد الفعل إلى مكانه ، توسعاً في أساليب البيان .

وقوله : " من تحتها " وارد على طريقة الإِيجاز بحذف كلمة " أشجار " اعتماداً على تبادرها إلى الذهن ، والمعنى : تجري من تحت أشجارها الأنهار . ثم بين - سبحانه - أحوال هؤلاء المؤمنين الصالحين فقال : { كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هذا الذي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } أي : إن سكان الجنة كلما رزقوا في الجنة ثمرة من ثمراتها ، وجدوها مثل الذي رزقوه فيها من قبل ، في بلوغه الغاية من حسن المنظر ولذة الطعم .

وفي هذا إِشارة إلى أن ثمار الجنة متماثلة في حسن منظرها ، ولذة طعمها بحيث لا تفضل ثمرة في ذلك على أخرى ، فجميع ثمرها يسر له القلب ، ويستحليه الذوق ، وإن اختلفت المناظر والطعوم .

ثم قال - تعالى { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } أي : يشبه بعضه بعضاً في الصورة والرائحة ، ويختلف في اللذة والطعم ، أو في المزية والحسن ، وعن ابن عباس : " ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسامي " ؛ وهذه الجملة مؤكدة لما قبلها في معنى أن كل ثمر يشابه ما قبله في حسن المنظر ولذة الطعم مشابهة لا يفضل فيها ثمر الدنيا ، فإنه يتفاوت في مناظره حسناً ، وفي طعومه لذة .

ويرى بعض العلماء حمل قوله - تعالى - : { قَالُواْ هذا الذي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } على تقدير : من قبل دخول الجنة ، أي هذا الذي رزقناه في الدنيا ، وإلى هذا الرأي مال صاحب الكشاف فقد قال : " فإن قلت : كيف قيل .

" هذا الذي رزقنا من قبل ؟ وكيف تكون ذات الحاضر عندهم في الجنة هي ذات الذي رزقوه في الدنيا ؟ قلت : معناه هذا مثل الذي رزقناه من قبل وشبهه ، بدليل قوله : { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } فإن قلت : إلام يرجع الضمير في قوله : { وَأُتُواْ بِهِ } ؟ قلت : إلى المرزوق في الدنيا والآخرة جميعاً ، لأن قوله : { هذا الذي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } انطوى تحته ذكر ما رزقوه في الدارين . فإن قلت : لأي غرض يتشابه ثمر الدنيا وثمر الجنة ؟ قلت : لأن الإِنسان بالمألوف آنس ؛ وإلى المعهود أميل ، وإذا رأى ما لم يألفه نفر عن طبعه ، وعافته نفسه "

ثم قال - تعالى - : { وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .

الأزواج : جمع زوج وهي المرأة يختص بها الرجل ، والضمير في " فيها " يعود إلى الجنات . والمعنى : أن لهؤلاء المؤمنين نساء مختصات بهم ، مطهرات غاية التطهير من كل دنس وقذر ، حسى ومعنى ، لا كنساء الدنيا ، وهم في هذه الجنات باقون على الدوام ، لأن النعيم إنما يتم باطمئنان صاحبه على أنه دائم ، أما إذا كان محتملا للزوال فإن صاحبه يبقى منغص البال ، إذ سيذكر أنه سيفقده في يوم من الأيام ، فجملة { وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } جيء بها على سبيل الاحتراس من وهم الانقطاع .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنۡهَا مِن ثَمَرَةٖ رِّزۡقٗا قَالُواْ هَٰذَا ٱلَّذِي رُزِقۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَأُتُواْ بِهِۦ مُتَشَٰبِهٗاۖ وَلَهُمۡ فِيهَآ أَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞۖ وَهُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (25)

1

وفي مقابل ذلك المشهد المفزع يعرض المشهد المقابل . مشهد النعيم الذي ينتظر المؤمنين :

( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل ، وأتوا به متشابها ، ولهم فيها أزواج مطهرة ، وهم فيها خالدون ) . .

وهي ألوان من النعيم يستوقف النظر منها - إلى جانب الأزواج المطهرة - تلك الثمار المتشابهة ، التي يخيل إليهم أنهم رزقوها من قبل - أما ثمار الدنيا التي تشبهها بالاسم أو الشكل ، وأما ثمار الجنة التي رزقوها من قبل - فربما كان في هذا التشابه الظاهري والتنوع الداخلي مزية المفاجأة في كل مرة . . وهي ترسم جوا من الدعابة الحلوة ، والرضى السابغ ، والتفكه الجميل ، بتقديم المفاجأة بعد المفاجأة ، وفي كل مرة ينكشف التشابه الظاهري عن شيء جديد !

وهذا التشابه في الشكل ، والتنوع في المزية ، سمة واضحة في صنعة الباريء تعالى ، تجعل الوجود أكبر في حقيقته من مظهره . ولنأخذ الإنسان وحده نموذجا كاشفا لهذه الحقيقة الكبيرة . . الناس كلهم ناس ، من ناحية قاعدة التكوين : رأس وجسم وأطراف . لحم ودم وعظام وأعصاب . عينان وأذنان وفم ولسان . خلايا حية من نوع الخلايا الحية . تركيب متشابه في الشكل والمادة . . ولكن أين غاية المدى في السمات والشيات ؟ ثم أين غاية المدى في الطباع والاستعدادات ؟ إن فارق ما بين إنسان وإنسان - على هذا التشابه - ليبلغ أحيانا أبعد مما بين الأرض والسماء !

وهكذا يبدو التنوع في صنعة الباريء هائلا يدير الرؤوس : التنوع في الأنواع والأجناس ، والتنوع في الأشكال والسمات ، والتنوع في المزايا والصفات . . وكله . . كله مرده إلى الخلية الواحدة المتشابهة التكوين والتركيب .

فمن ذا الذي لا يعبد الله وحده ، وهذه آثار صنعته ، وآيات قدرته ؟ ومن ذا الذي يجعل لله اندادا ، ويد الإعجاز واضحة الآثار ، فيما تراه الأبصار ، وفيما لا تدركه الأبصار ؟