فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنۡهَا مِن ثَمَرَةٖ رِّزۡقٗا قَالُواْ هَٰذَا ٱلَّذِي رُزِقۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَأُتُواْ بِهِۦ مُتَشَٰبِهٗاۖ وَلَهُمۡ فِيهَآ أَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞۖ وَهُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (25)

{ وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار } لما كان في الآية التي تقدمت النذير لمن شك في الذكر الحكيم وأنه كلام العزيز العليم جاء في هذه البشرى للمستيقنين على هدى الكتاب الكريم بأن لهم جنات النعيم ، يسكنون قصورها ويقطفون ثمارها ، والأنهار تجري حولها أوفي أصول أبنيتها وأشجارها . { كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل } وفي كل حين تقدم الثمرات عطاء لأهل الجنة يقولون : هذه الثمرات قد رزقنا منها قبل إما أن يكون المراد : لقد أوتينا نحوها في الدنيا أو : قدمت إلينا هذه الثمرات قبل قليل هنا في الجنات ؛ عن يحيى ابن أبي كثير : يؤتى أحدهم بالصحفة فيأكل منها ثم يؤتى بأخرى فيقول : هذا الذي أتيتنا به من قبل ، فيقول الملك : كل فاللون واحد والطعم مختلف يقول أبو جعفر : كلما رزق الذين آمنوا وعملوا الصالحات من ثمرات الجنة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل هذا في الدنيا . { وأتوا به متشابها } كله طيب خيار ، لا رذل فيه أو : متشابها في اللون والمنظر مع ثمر الدنيا مختلفا في الطعم والذوق ؛ - والغرض من تشابه ثمر الدنيا وثمر الآخرة أن الإنسان بالمؤلوف آنس ، وإلى المعهود أميل ، ولأنه إذا ظفر بشيء من جنس ما سلف له به عهد ورأى فيه مزية ظاهرة أفرط ابتهاجه وطال استعجابه ، وتبين كنه النعم فيه- . {[175]} { ولهم فيها أزواج مطهرة } للمؤمنين الذين استيقنوا بكل ما يجب التصديق به في الدنيا ، وعملوا الأعمال الصحيحة في الدين- حسبما شرع موحيه جل علاه- لهم في الجنات نعيم من جملة ما ينعمون به أزواج طهرهن{[176]} الله تعالى ؛ نقل عن مجاهد : لا يبلن ولا يتغوطن ، ولا يلدن ولا يحضن ، ولا يمنين ولا يبصقن . { وهم فيها خالدون } ، والسعداء الذين ينالون الجنة يمكثون فيها ويبقون وقد يراد بالخلود المكث الطويل ، لكن الذي في هذه الآية وأكثر ما جاء البقاء الأبدي ، لأنه المعنى الحقيقي للخلود ، وأما المكث الطويل فاستعمال مجازي فيه .


[175]:ما بين العارضتين مما أورد النيسابوري.
[176]:أورد بعض علماء القران ههنا نكتة و هي أن المرأة إذا حاضت فالله تعالى يمنع من مباشرتها فإذا كانت اللواتي في الجنة مطهرات فلأن يمنعك عنهن إذا كنت نجسا بالمعاصي أولى وأيضا من قضى شهوته من الحلال فإنه يمنع من الدخول في المسجد الذي يدخل فيه كل بر وفاجر فمن قضى شهوته من الحرام كيف يمكن من دخول الجنة التي لا يسكنها إلا المطهرون و أيضا من كان على ثوبه ذرة من النجاسة لا تجوز صلاته أو تستكره فكيف بمن صلى وعلى قلبه جبال من نجاسات الذنوب والمعاصي؟ والخلد عند المعتزلة الثبات الدائم والبقاء اللازم الذي لا ينقطع بدليل قوله تعالى {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد..} نفي الخلد عن البشر مع تعمير بعضهم وعند الأشاعرة الخلد الثبات الطويل دام أو لم يدم و لو كان التأبيد داخلا في مفهوم الخلد كان قوله {خالدين فيها أبدا} تكرارا.