معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ} (37)

قوله تعالى : { أسباب السماوات } يعني : طرقها وأبوابها من سماء إلى سماء { فأطلع إلى إله موسى } قراءة العامة برفع العين نسقاً على قوله : ( أبلغ الأسباب ) وقرأ حفص عن عاصم بنصب العين وهي قراءة حميد الأعرج ، على جواب ( لعل ) بالفاء ، { وإني لأظنه } يعني موسى { كاذباً } فيما يقول : أن له رباً غيري ، { وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل } قرأ أهل الكوفة ويعقوب : { وصد } بضم الصاد نسقاً على قوله : { زين لفرعون } قال ابن عباس : صده الله عن سبيل الهدى . وقرأ الآخرون بالفتح أي : صد فرعون الناس عن السبيل . { وما كيد فرعون إلا في تباب } يعني : وما كيده في إبطال آيات الله وآيات موسى إلا في خسار وهلاك .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ} (37)

المراد بالصرح فى قوله - تعالى - : { وَقَالَ فَرْعَوْنُ ياهامان ابن لِي صَرْحاً . . . } البناء العالى المكشوف للناس ، الذى يرى الناظر من فوقه ما يريد أن يراه ، مأخوذ من التصريح بمعنى الكشف والإيضاح .

والأسباب : جمع سبب ، وهو كل ما يتوصل به إلى الشئ ، والمراد بها هنا : أبواب السماء وطرقها ، التى يصل منها إلى ما بداخلها .

أى : وقال فرعون لوزيره هامان : يا هامان ابن لى بناء ظاهرا عاليا مكشوفا لا يخفى على الناظر وإن كان بعيدا عنه ، لعلى عن طريق الصعود على هذا البناء الشاهق أبلغ الأبواب الخاصة بالسموات ، فأدخل منها فأنظر إلى إله موسى .

والمراد بالظن فى قوله { وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً } اليقين لقوله - تعالى - فى آية أخرى : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ياأيها الملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي ياهامان عَلَى الطين فاجعل لِّي صَرْحاً لعلي أَطَّلِعُ إلى إله موسى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الكاذبين } فقوله - كما حكى القرآن عنه - : { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي } قرينة قوية على أن المراد بالظن فى الآيتين : اليقين والجزم ، بسبب غروره وطغيانه .

أى : ونى لأعتقد وأجزن بأن موسى كاذبا فى دعواه أن هناك إلها غيرى لكم ، وفى دعواه أنه رسول إلينا .

أى : وإنى لأعتقد وأجزم بأن موسى كاذبا فى دعواه أن هناك إلها غيرى لكم ، وفى دعواه أنه رسول إلينا .

وكرر لفظ الأسباب لأن اللفظ الثانى يدل على الأول ، والشئ إذا أبهم ثم أوضح ، كان تفخيما لشأنه ، فلما أراد تفخيم ما أمل بلوغه من أسباب السموات أبهمها ثم أوضحها .

وقوله : { فأطلع } قرأه الجمهور بالرفع عطفا على { أبلغ } فيكون فى حيز الترجى .

وقرأه بعض القراء السبعة بالنصب فيكون جوابا للأمر فى قوله : { ابن لِي صَرْحاً . . } .

ولا شك أن قول فرعون هذا بجانب دلالته على أنه بلغ الغاية فى الطغيان والفجور والاستخفاف بالعقول ، يدل - أيضا - على شدة خداعه ، إذ هو يريد أن يتواصل من وراء هذا القول إلى أنه ليس هناك إله سواه ولو كان هناك إلأه سواه لشاهده هو وغيره من الناس .

قال الإِمام ابن كثير : وذلك لأن فرعون بنى هذا الصرح ، الذى لم ير فى الدنيا بناء أعلى منه ، وإنما أراد بهذا أن يظهر لرعيته تكذيب موسى فيما قاله ، من أن هناك إلها غير فرعون . .

وقال الجمل فى حاشيته ما ملخصه : وقول فرعون هذا المقصود منه التلبيس والتمويه والتخليط على قومه توصلا لبقائهم على الكفر ، وإلا فهو يعرف حقيقة الإِله ، وأنه ليس فى جهة ، ولكنه أراد التلبيس ، فكأنه يقول لهم : لو كان إله موسى موجودا لكان له محل ، ومحله إما الأرض وإما السماء ، ولم نره فى الأرض ، فيبقى أن يكون فى السماء ، والسماء لا يتوصل إليها إلا بسلم .

.

ثم بين - سبحانه - أن مكر فرعون هذا مصيره إلى الخسران فقال : { وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سواء عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السبيل وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ } .

والتباب : الهلاك والخسران ، يقال : تب الله - تعالى - فلانا ، أى : أهلكه ، وتبت يدا فلان ، أى : خسرنا ومنه قوله - سبحانه - { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ . . } أى : ومثل ذلك التزيين القبيح ، زين لفرعون سوء عمله ، فرآه حسنا ، لفجوره وطغيانه ، وصد عن سبيل الهدى والرشاد ، لأنه استحب العمى على الهدى . وما كيد فرعون ومكره وتلبيسه واحتياله فى إبطال الحق ، إلا فى هلاك وخسران وانقطاع .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ} (37)

يقول تعالى ذكره : وقال فرعون لما وعظه المؤمن من آله بما وعظه به وزجره عن قتل موسى نبيّ الله وحذره من بأس الله على قيله أقتله ما حذره لوزيره وزير السوء هامان : يا هامانُ ابْنِ لي صَرْحا لَعَلّي أبْلُغُ الأسْبابَ يعني بناءً . وقد بيّنا معنى الصرح فيما مضى بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

لَعَلّي أبْلُغُ الأسْبابَ اختلف أهل التأويل في معنى الأسباب في هذا الموضع ، فقال بعضهم : أسباب السموات : طرقها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أحمد بن هشام ، قال : حدثنا عبد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن السديّ ، عن أبي صالح أسْبابَ السّمَوَاتِ قال : طُرُق السموات .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ أبْلُغُ الأسْبابَ أسْبابَ السّمَوَاتِ قال : طُرُق السموات .

وقال آخرون : عُني بأسباب السموات : أبواب السموات . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لي صَرْحا وكان أوّل من بنى بهذا الاَجر وطبخه لَعَلّي أبْلُغُ الأسْبابَ أسْبابَ السّمَوَاتِ : أي أبواب السموات .

وقال آخرون : بل عُني به مَنْزِل السماء . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : لَعَلّي أبْلُغُ الأسْبابَ أسْبابَ السّمَوَاتِ قال : منزل السماء .

وقد بيّنا فيما مضى قبل ، أن السبب : هو كلّ ما تُسَبّبَ به إلى الوصول إلى ما يطلب من حبل وسلم وطريق وغير ذلك .

فأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال : معناه لعلي أبلغ من أسباب السموات أسبابا أتسبب بها إلى رؤية إله موسى ، طرقا كانت تلك الأسباب منها ، أو أبوابا ، أو منازل ، أو غير ذلك .

وقوله : فأطّلِعَ إلى إلَهِ مُوسَى اختلف القرّاء في قراءة قوله : فأطّلِعَ فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار : «فأطّلِعُ » بضم العين : ردّا على قوله : أبْلُغُ الأسْبابَ وعطفا به عليه . وذُكر عن حميد الأعرج أنه قرأ فأطّلِعَ نصبا جوابا للعَلّي ، وقد ذكر الفرّاء أن بعض العرب أنشده :

( عَلّ صُرُوفِ الدّهْرِ أَوْ دُولاتِها )

( يُدِيلْنَنا اللّمّةَ مِنْ لَمّاتِها )

( فَتَسْتَرِيحَ النّفْسُ مِنْ زَفْرَاتِها )

فنصب فتستريحَ على أنها جواب للعلّ .

والقراءة التي لا أستجيز غيرها الرفع في ذلك ، لإجماع الحجة من القراء عليه .

وقوله : وَإني لأَظُنّهُ كاذِبا يقول : وإني لأظنّ موسى كاذبا فيما يقول ويدّعي من أن له في السماء ربا أرسله إلينا .

وقوله : وكَذَلكَ زُيّنَ لِفَرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ يقول الله تعالى ذكره : وهكذا زين الله لفرعون حين عتا عليه وتمردّ ، قبيح عمله ، حتى سوّلت له نفسه بلوغ أسباب السموات ، ليطلع إلى إله موسى .

وقوله : وَصُدّ عَنِ السّبِيلِ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة : وَصُدّ عَنِ السّبِيلِ بضمّ الصاد ، على وجه ما لم يُسَمّ فاعله ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَصُدّ عَنِ السّبِيلِ قال : فُعِل ذلك به ، زين له سوء عمله ، وصُدّ عن السبيل .

وقرأ ذلك حميد وأبو عمرو وعامة قرّاء البصرة «وَصَدّ » بفتح الصاد ، بمعنى : وأعرض فرعون عن سبيل الله التي ابتُعِث بها موسى استكبارا .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان في قرأة الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

وقوله : وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إلاّ في تَبابٍ يقول تعالى ذكره : وما احتيال فرعون الذي يحتال للاطلاع إلى إله موسى ، إلا في خسار وذهاب مال وغبن ، لأنه ذهبت نفقته التي أنفقها على الصرح باطلاً ، ولم ينل بما أنفق شيئا مما أراده ، فذلك هو الخسار والتباب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إلاّ فِي تَبابٍ يقول : في خُسران .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فِي تَبابٍ قال : خَسار .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إلاّ فِي تَبابٍ : أي في ضلال وخسار .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إلاّ فِي تَبابٍ قال : التّباب والضّلال واحد .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ} (37)

وانتصب { أسباب السماوات } على البدل المطابق لقوله : { الأسباب . } وجيء بهذا الأسلوب من الاجمال ثم التفصيل للتشويق إلى المراد بالأسباب تفخيماً لشأنها وشأننِ عمله لأنه أمرٌ عجيب ليورَدَ على نفس متشوقة إلى معرفته وهي نفس ( هامان ) .

والاطّلاع بتشديد الطاء مبالغة في الطلوع ، والطلوع : الظهور . والأكثر أن يكون ظهوراً من ارتفاع ، ويعرف ذلك أو عدمُه بتعدية الفعل فإن عُدي بحرف ( على ) فهو الظهور من ارتفاع ، وإن عُدي بحرف ( إلى ) فهو ظهور مطلق .

وقرأ الجمهور : { فأَطَّلِعُ } بالرفع تفريعاً على { أبلغ } كأنه قيل : أبلغُ ثم اطَّلِعُ ، وقرأه حفص عن عاصم بالنصب على جواب الترجي لمعاملة الترجي معاملة التمني وإن كان ذلك غير مشهور ، والبصريون ينكرونه كأنه قيل : متى بلغتُ اطلعتُ ، وقد تكون له ههنا نكتة وهي استعارة حرف الرجاء إلى معنى التمني على وجه الاستعارة التبعية إشارة إلى بُعْد ما ترجاه ، وجعل نصب الفعل بعده قرينة على الاستعارة .

وبيْن { إلى } و { إله } الجناسُ الناقص بحرففٍ كما ورد مرتين في قول أبي تمام :

يمُدُّون من أَيْد عَواصٍ عَوَاصِمٍ *** تَصُول بأسياف قَوَاضٍ قَواضَبِ

وجملة { وَإنِّي لأظُنُّه كاذبا } معترضة للاحتراس من أن يظن ( هامان ) وقومه أن دعوة موسى أوهنت منه يقينَه بدينه وآلهته وأنه يروم أن يبحث بحث متأمل ناظر في أدلة المعرفة فحقق لهم أنه ما أراد بذلك إلا نفي ما ادعاه موسى بدليل الحس . وجيء بحرف التوكيد المعزّز بلام الابتداء لينفي عن نفسه اتهام وزيره إياه بتزلزل اعتقاده في دينه . والمعنى : إني أفعل ذلك ليظهر كذب موسى .

والظن هنا مستعمل في معنى اليقين والقطع ، ولذلك سمى الله عزمه هذا كيداً في قوله : { ومَا كَيْدُ فِرْعَونَ إلاَّ في تَبَابٍ } .

{ وكذلك زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سواء عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السبيل وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِى تباب }

جملة { وكذلك زُيِنَ لفرعون } عطف على جملة { وَقَال فِرْعَوْنُ } لبيان حال اعتقاده وعمله بعد أن بين حال أقواله ، والمعنى : أنه قال قولاً منبعثاً عن ضلال اعتقاد ومُغرياً بفساد الأعمال . ولهذا الاعتبار اعتبارِ جميع أحوال فرعون لم تُفْصَل هذه الجملة عن التي قبلها إذ لم يقصد بها ابتداء قصة أخرى ، وهذا مما سموه بالتوسط بين كَمَالَي الاتصال والانقطاع في باب الفصل والوصل من علم المعاني . وافتتاحها ب { كذلك } كافتتاح قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } في سورة البقرة ( 143 ) ، أي مثل ذلك التزيين أي تزيين عمل فرعون زُيّن له سوء عمله مبالغة في أن تزيين عمله له بلغ من القوة في نوعه ما لا يوجد له شِبْه يُشبَّه به فمن أراد تشبيهه فليشبّهه بعيْنه .

وبُني فعل { وكذلك } إلى المجهول لأن المقصود معرفة مفعول التزيين لا معرفة فَاعله ، أي حَصل له تزيين سوء عمله في نفسه فحسِب الباطل حقّاً والضلال اهتداء .

وقرأ الجمهور : { وَصَدَّ } بفتح الصاد وهو يجوز اعتباره قاصراً الذي مضارعه يصِدّ بكسر الصاد ، ويجوز اعتباره متعدياً الذي مضارعه يصُد بضم الصاد ، أي أعرض عن السبيل ومنع قومه اتباع السبيل . وقرأه حمزة والكسائي وعاصم بضم الصاد .

والقول فيه كالقول في : { زُيِّنَ لِفِرعونَ سُوءُ عَمَلهِ } .

وتعريف { السبيل } للعهد ، أي سبيل الله ، أو سبيل الخير ، أو سبيل الهدى . ويجوز أن يكون التعريف للدلالة على الكمال في النوع ، أي صد عن السبيل الكامل الصالح .

وجملة { ومَا كَيْدُ فِرعون إلا في تَبَابٍ } عطف على جملة { وكذلك زُيِّنَ لفرعون سُوَءُ عَمَلِه } ، والمراد بكيده ما أَمر به من بناء الصرح والغايةِ منه ، وسمي كيداً لأنه عمل ليس المراد به ظاهره بل أريد به الإِفضاء إلى إيهام قومه كذب موسى عليه السلام .

والتباب : الخسران والهلاك ، ومنه : { تَبَّتْ يَدَا أبي لهببٍ وتَبَّ } [ المسد : 1 ] ، وحرف الظرفية استعارة تبعية لمعنى شدة الملابسة كأنه قيل : « ومَا كَيدُ فرعون إلاَّ بتَبَابٍ شديد » . والاستثناء من أحوال مقدرة .