قوله تعالى : { فكيف إذا أصابتهم مصيبة } ، هذا وعيد ، أي : فكيف يصنعون إذا أصابتهم مصيبة .
قوله تعالى : { بما قدمت أيديهم } ، يعني : عقوبة صدودهم ، وقيل : هي كل مصيبة تصيب جميع المنافقين في الدنيا والآخرة ، وتم الكلام ها هنا ، ثم عاد الكلام إلى ما سبق ، يخبر عن فعلهم فقال : { ثم جاءوك } ، يعني : يتحاكمون إلى الطاغوت ، { ثم جاءوك } ، أي يجيئونك يحلفون . وقيل : أراد المصيبة قتل عمر رضي الله عنه المنافق ، ثم جاءوا يطلبون ديته .
قوله تعالى : { يحلفون بالله إن أردنا } ، ما أردنا بالعدول عنه في المحاكمة أو بالترافع إلى عمر .
قوله تعالى : { إلا إحساناً وتوفيقاً } ، قال الكلبي : إلا إحساناً في القول ، ( وتوفيقاً ) صواباً . وقال ابن كيسان : حقاً وعدلاً ، نظيره { ليحلفن إن أردنا إلا الحسنى } ، وقيل : هو إحسان بعضهم إلى بعض ، وقيل : هو تقريب الأمر من الحق لا القضاء على أمر الحكم ، والتوفيق هو موافقة الحق ، وقيل : هو التأليف والجمع بين الخصمين .
ثم يعرض القرآن بعد ذلك مظهرا آخر من مظاهر نفاقهم عند الشدائد والمحن فيقول : { فَكَيْفَ إِذَآ أَصَابَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بالله إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً } .
والفاء فى قوله { فَكَيْفَ } للتفريع . و " كيف " فى محل رفع خبر لمبتدأ محذوف .
والمعنى : فكيف يكون حالهم إذا نزلت بهم النوازل ، وأصابتهم المصائب بسبب تركهم حكم الله ، واتباعهم حكم الطغيان { ثُمَّ جَآءُوكَ } معتذرين عما حدث منهم من قبائح ، والحال أنهم { يَحْلِفُونَ بالله } كذبا وزورا { إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً } أى ما أردنا بالتحاكم إلى غيرك - يا محمد - إلا إحسانا إلى المتخاصمين ، وتوفيقا بينهم حتى لا يتسع الخلاف بينهم ، ولم نرد بذلك عدم الرضا بحكمك ، فلا تؤاخذنا بما فعلنا .
والاستفهام بكيف هنا للتهويل . أى أن حالهم عندما تصيبهم المصائب بسبب أفعالهم الخبيثة ، ويأتون للرسول صلى الله عليه وسلم معتذرين ، ستكون حالا بائسة شنيعة مخزية : لأنهم لا يجدون وجها مقبولا للدفاع عما ارتكبوه من قبائح .
والباء فى { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } للسببية . والمراد بما قدمت أيديهم ما اجترحوه من سيئات من أشدها تحكمهم إلى الطاغوت . وعبر عن ذلك بقوله : { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } : لأن الأيدى مظهر من مظاهر الإِنسان .
والتعبير ب " ثم " فى هذا المقام للإِشعار بالتباين الشديد بين إعراضهم وصدودهم إذا ما قال لهم قائل : تعالوا إلى حكم الله . . . وبين إقبالهم بعد ذلك معتذرين ومقسمين بالأيمان الكاذبة أنهم ما أرادوا بما فعلوا إلا الإِحسان والتوفيق .
وإن ما قاله هؤلاء المنافقون من أعذار بعد أن أصابتهم المصائب . وانكشف أمرهم بين المؤمنين ، وصاروا محل الازدراء والنبذ لتحاكمهم إلى الطاغوت . ما قاله هؤلاء - كما حكاه القرآن الكريم - ليشبه ما يقوله منافقو اليوم عندما يتهربون من التحاكم إلى شريعة الله إلى التحاكم إلى غيرها من شرائع الناس . فأنت تراهم إذا ما أحيط بهم ، وعجزوا عن الدفاع عن أنفسهم ، اعتذروا بأنهم ما تركوا الحاكم بشريعة الله إلى غيرها لا بقصد الإِحسان إلى المتنازعين ، والتوفيق بين مختلف الطوائف فى المجتمع حتى لا يغضب من ليسوا مسلمين .
ولا شك أن هذه الأعذار لن تغنى عنهم من عذاب الله شيئا ، لأنه لا عذر لمن يهجر شريعة الله ، ويهرع إلى التحاكم إلى غيرها .
{ فَكَيْفَ إِذَآ أَصَابَتْهُمْ مّصِيبَةٌ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَآ إِلاّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً } . .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : فكيف بهؤلاء الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ، وهم يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك { إذَا أصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ } يعني : إذا نزلت بهم نقمة من الله ، { بِمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ } يعني : بذنوبهم التي سلفت منهم ، { ثُمّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بالله } يقول : ثم جاءوك يحلفون بالله كذبا وزُورا ، { إنْ أَرَدْنا إلاّ إحْسَانا وَتَوْفِيقا } . وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المنافقين أنهم لا يردعهم عن النفاق العبر والنقم ، وأنهم وإن تأتهم عقوبة من الله على تحاكمهم إلى الطاغوت ، لم يُنيبوا ولم يتوبوا ، ولكنهم يحلفون بالله كذبا وجرأة على الله ما أردنا باحتكامنا إليه إلا الإحسان من بعضنا إلى بعض ، والصواب فيما احتكمنا فيه إليه .
{ فكيف } يكون حالهم . { إذا أصابتهم مصيبة } كقتل عمر المنافق أو النقمة من الله تعالى . { بما قدمت أيديهم } من التحاكم إلى غيرك وعدم الرضى بحكمك . { ثم جاؤوك } حين يصابون للاعتذار ، عطف على أصابتهم . وقيل على يصدون وما بينهما اعتراض . { يحلفون بالله } حال . { إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا } ما أردنا بذلك إلا الفصل بالوجه الأحسن والتوفيق بين الخصمين ، ولم نرد مخالفتك . وقيل جاء أصحاب القتيل طالبين بدمه وقالوا ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أن يحسن إلى صاحبنا ويوفق بينه وبين خصمه .
قالت فرقة : هي في المنافقين الذين احتكموا حسب ما تقدم ، فالمعنى : فكيف بهم إذا عاقبهم الله بهذه الذنوب بنقمة منه ؟ ثم حلفوا إن أردنا بالاحتكام إلى الطاغوت إلا توفيق الحكم وتقريبه ، دون مر الحكم وتقصي الحق ، وقالت فرقة : هي في المنافقين الذين طلبوا دم الذي قتله عمر ، فالمعنى : { فكيف } بهم { إذا أصابتهم مصيبة } في قتل قريبهم ومثله من نقم الله تعالى ، ثم إنهم حلفوا ما أرادوا بطلب دمه { إلا إحساناً } وحقاً ، نحا إليه الزجّاج ، وموضع { كيف } نصب بفعل تقديره : فكيف تراهم ونحوه ، ويصح أن يكون موضعها رفعاً ، تقديره : فكيف صنيعهم{[4130]} ؟
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.