معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَلَا تَمۡلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔاۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِۚ كَفَىٰ بِهِۦ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (8)

قوله تعالى : { أم يقولون افتراه } محمد من قبل نفسه ، فقال الله عز وجل : { قل } يا محمد . { إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا } لا تقدرون أن تردوا عني عذابه إن عذبني على افترائي ، فكيف أفتري على الله من أجلكم ، { هو أعلم } الله أعلم . { بما تفيضون فيه } تخوضون فيه من التكذيب بالقرآن والقول فيه إنه سحر . { كفى به شهيداً بيني وبينكم } أن القرآن جاء من عنده ، { وهو الغفور الرحيم } في تأخير العذاب عنكم ، قال الزجاج : هذا دعاء لهم إلى التوبة ، معناه : إن الله عز وجل غفور لمن تاب منكم رحيم به .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَلَا تَمۡلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔاۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِۚ كَفَىٰ بِهِۦ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (8)

ثم حكى - سبحانه - جانبا من أكاذيبهم فقال : { أَمْ يَقُولُونَ افتراه . . . } و " أم " هنا منقطعة بمعنى بل والهمزة ، وتفيد الإِضراب والانتقال من حكاية أقوالهم الباطلة السابقة . إلى أقوال أخرى أشد منها بطلانا وكذبا . والاستفهام للإِنكار والتعجب من حالهم .

والافتراء : أشنع الكذب . أى : بل أيقول هؤلاء الكافرون لك - أيها الرسول الكريم - إنك إفتريت هذا القرآن واختلقته من عند نفسك ؟

ثم لقن الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم الرد الذى يخرسهم فقال { أَمْ يَقُولُونَ افتراه } .

أى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - فى الرد على زعمهم أنك افتريت هذا القرآن : إن كنت على سبيل الفرض والتقدير قد افتريته من عند نفسى ، عاقبنى ربى ، ولا تستطيعون أنتم أو غيركم أن تمنعوا عنى شيئا من عذابه وعقابه ، وما دام الأمر كذلك فكيف أفتريه ، وأنا أعلم علم اليقين أن افتراء شئ منه يؤدى إلى عقابى ؟

فجواب " إن " فى قوله : { إِنِ افتريته } محذوف . وتقديره : عاجلنى بالعقوبة ، وقوله : { فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ الله شَيْئاً } قام مقامه .

قال - تعالى - : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } وقوله : { هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ } أى : الله - تعالى - الذى زعمتم أنى أفترى عليه الكذب ، هو أعلم منى ومنكم ومن كل المخلوقات ، بما تندفعون فيه من القدح فى آياته ، والإِعراض عن دعوته ، وسيجازيكم على ذلك بما تستحقونه من عقاب .

فقوله : { تُفِيضُونَ } من الإِفاضة ، وهى الأخذ فى الشئ باندفاع وعنف ، وأصله من فاض الإِناء ، إذا سال بشدة .

وقوله - سبحانه - : { كفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الغفور الرحيم } ترهيب لهم من الإِنسياق فى كفرهم ، وترغيب لهم فى الدخول فى الإِيمان لينالوا مغفرة الله - تعالى - ورحمته .

أى : كفى بشهادة الله - تعالى - بينى وبينكم شهادة ، فهو الذى يعلم أنى صادق فيما أبلغه عنه ، ويعلم أنكم الكاذبون فيما تزعمونه ، وهو - سبحانه - لاواسع المغفرة والرحمة ، لمن تاب إليه وأناب .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَلَا تَمۡلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔاۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِۚ كَفَىٰ بِهِۦ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (8)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىَ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ } .

يقول تعالى ذكره : أم يقولون هؤلاء المشركون بالله من قريش ، افترى محمد هذا القرآن ، فاختلقه وتخرّصه كذبا ، قل لهم يا محمد إن افتريته وتخرّصته على الله كذبا فَلا تَمْلِكُونَ لي يقول : فلا تغنون عني من الله إن عاقبني على افترائي إياه ، وتخرّصي عليه شيئا ، ولا تقدرون أن تدفعوا عني سوءا إن أصابني به .

وقوله : هُوَ أعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيه يقول : ربي أعلم من كلّ شيء سواه بما تقولون بينكم في هذا القرآن والهاء من قوله : تُفِيضُونَ فِيهِ من ذكر القرآن .

وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : تُفِيضُونَ فِيهِ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : إذْ تُفِيضُونَ فِيهِ قال : تقولون .

وقوله : كَفَى بِهِ شَهِيدا بَيْنِي وَبَيْنَكمْ يقول : كفى بالله شاهدا عليّ وعليكم بما تقولون من تكذيبكم لي فيما جئتكم به من عند الله الغفور الرحيم لهم ، بأن لا يعذبهم عليها بعد توبتهم منها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَلَا تَمۡلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔاۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِۚ كَفَىٰ بِهِۦ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (8)

{ أم يقولون افتراه } إضراب عن ذكر تسميتهم إياه سحرا إلى ذكر ما هو أشنع منه وإنكار له وتعجيب . { قل إن افتريته } على الفرض . { فلا تملكون لي من الله شيئا } أي إن عاجلني الله بالعقوبة فلا تقدرون على دفع شيء منها فكيف أجترئ عليه وأعرض نفسي للعقاب من غير توقع نفع ولا دفع ضر من قبلكم . { هو أعلم بما تفيضون فيه } تندفعون فيه من القدح في آياته . { كفى به شهيدا بيني وبينكم } يشهد لي بالصدق والبلاغ وعليكم بالكذب والإنكار ، وهو وعيد بجزاء إفاضتهم ، { وهو الغفور الرحيم } وعد بالمغفرة والرحمة لمن تاب وآمن وإشعار بحلم الله عنهم مع عظم جرمهم .