معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ هَمَّ قَوۡمٌ أَن يَبۡسُطُوٓاْ إِلَيۡكُمۡ أَيۡدِيَهُمۡ فَكَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (11)

قوله تعالى : { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم } ، بالدفع عنكم .

قوله تعالى : { إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم } بالقتل . وقال قتادة : نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن نخل ، فأراد بنو ثعلبة ، وبنو محارب ، أن يفتكوا به وبأصحابه إذا اشتغلوا بالصلاة ، فأطلع الله تبارك وتعالى نبيه على ذلك ، وأنزل الله صلاة الخوف . وقال الحسن : كان النبي صلى الله عليه وسلم محاصراً غطفان بنخل ، فقال رجل من المشركين : هل لكم في أن أقتل محمداً ؟ قالوا : وكيف تقتله ؟ قال : أفتك به . قالوا : وددنا أنك قد فعلت ذلك ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم متقلداً سيفه ، فقال : يا محمد ، أرني سيفك ؟ فأعطاه إياه ، فجعل الرجل يهز السيف وينظر مرة إلى السيف ، ومرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : من يمنعك مني يا محمد ؟ قال : الله ، فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فشام السيف ومضى ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال مجاهد ، وعكرمة ، والكلبي ، وابن يسار ، عن رجاله : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو الساعدي ، وهو أحد النقباء ، ليلة العقبة في ثلاثين راكباً من المهاجرين والأنصار إلى بني عامر بن صعصعة ، فخرجوا ، فلقوا عامر بن الطفيل على بئر معونة ، وهي من مناه بني عامر ، -واقتتلوا ، فقتل المنذر بن عمرو وأصحابه إلا ثلاثة نفر كانوا في طلب ضالة لهم ، أحدهم عمرو بن أمية الضمري ، فلم يرعهم إلا الطير تحوم في السماء ، يسقط من بين خراطيمها علق الدم ، فقال أحد النفر : قتل أصحابنا ، ثم تولى يشتد حتى لقي رجلاً فاختلفا ضربتين ، فلما خالطته الضربة رفع رأسه إلى السماء ، وفتح عينيه وقال : الله أكبر ، الجنة ورب العالمين . فرجع صاحباه ، فلقيا رجلين من بني سليم ، وكان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قومهما موادعة ، فانتسبا لهما إلى بني عامر ، فقتلاهما ، وقدم قومهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون الدية ، فخرج ومعه أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن عوف ، رضي الله عنهم ، حتى دخلوا على كعب بن الأشرف ، وبني النضير ، يستعينهم في عقلهما ، وكانوا قد عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم على ترك القتال ، وعلى أن يعينوه في الديات ، قالوا : نعم يا أبا القاسم ، قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجة ، اجلس حتى نطعمك ، ونعطيك الذي تسألنا ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فخلا بعضهم ببعض وقالوا : إنكم لن تجدوا محمداً أقرب منه الآن ، فمن يظهر على هذا البيت ، فيطرح عليه صخرة ، فيريحنا منه ؟ فقال عمرو بن جحاش ، أنا ، فجاء إلى رحى عظيمة ليطرحها عليه ، فأمسك الله تعالى يده ، وجاء جبريل وأخبره ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم راجعاً إلى المدينة ، ثم دعا علياً فقال : لا تبرح مكانك ، فمن خرج عليك من أصحابي ، فسألك عني ، فقل : توجه إلى المدينة . ففعل ذلك علي رضي الله عنه حتى تناهوا إليه ، ثم تبعوه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال : قوله تعالى : { فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ هَمَّ قَوۡمٌ أَن يَبۡسُطُوٓاْ إِلَيۡكُمۡ أَيۡدِيَهُمۡ فَكَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (11)

ثم ذكرهم - سبحانه - بنعمة أخرى من نعمه الجزيلة ، حتى يزدادوا شكراً له ، ووفاء بعهده ؛ والتزاما لطاعته فقال - تعالى - { يَا أَيُّهَآ الذين آمَنُواْ اذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ واتقوا الله وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون }

وقد أورد المفسرون في سبب نزول هذه الآية الكريمة روايات منها ما رواه عبد الرازق عن معمر الزهري عن أبي أسامة عن جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلا وتفرق الناس في العضاة يستظلون تحتها . وعلق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله فأخذه فسله . ثم أقبل عليه فقال : من يمنعك منى ؟ قال : الله - عز وجل - فسقط السيف من يد الأعرابي . فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي ، وهو جالس إلى جانبه ولم يعاقبه .

قال ابن كثير : وذكر محمد بن إسحاق ومجاهد وعكرمة وغير واحد أنها نزلت في شأن بني النضير حين أرادوا أن يلقوا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحى لما جاءهم يستعينهم في دية العامرين ووكلوا عمرو بن جحاش بذلك . وأمروه إن جلس النبي صلى الله عليه وسلم تحت الجدار واجتمعوا عنده أن يلقي الرحي من فوقه . فأطلع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على ما تمالأوا عليه . فرجع إلى المدينة وتبعه أصحابه . فأنزل الله في ذلك هذه الآية .

وعلى هاتين الروايتين وما يشبههما يكون المراد بقوله - تعالى - { اذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ } تذكير المؤمنين بنعمة الله عليهم حيث نجى نبيهم صلى الله عليه وسلم مما أضمره له أعداؤه وأعدؤاهم .

وقال صاحب الكشاف عند تفسيره لهذه الآية . روى أن المشركين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا إلى صلاة الظهر يصلون معا بعسفان فيء غزوة ذات أنمار . فلما صلوا ندموا أن لا كانوا أكبوا عليهم فقالوا : إن لهم بعدها صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم - يعنون صلاة العصر - وهموا أن يوقعوا بهم إذا قاموا إليها . فنزل جبريل بصلاة الخوف .

وعلى هذه الرواية يكون المراد بقوله - تعالى - { اذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ } تذكيرهم برعاية الله لهم ولنبيهم صلى الله عليه وسلم من كيد أعدائهم .

وقد رجح ابن جرير أن تكون الآية قد نزلت بسبب ما أضمره بنو النضير من كيد وسوء للنبي وأصحابه فقال : وأولى الأقوال بالصحة في تأويل ذلك قول من قال : عني الله بالنعمة التي ذكر في هذه الآية نعمته على المؤمنين به وبرسوله التي أنعم بها عليهم في استنقاذه نبيهم صلى الله عليه وسلم مما كانت يهودي بني النضير همت به من قتله وقتل من معه يوم سار إليهم في الدية التي كان تحملها عن قتيل عمرو بن أمية وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة في تأويل ذلك لأن الله عقب ذكر ذلك برمى اليهود بسوء صنائعها ، وقبيح أفعالها ، وخيانتها ربها وأنبياءها .

والمعنى : يأيها الذين آمنوا تنبهوا إلى نعم الله عليكم وقابلوهها بدوام الشكر والطاعة له - سبحانه - حيث أراد قوم من أعدائكم ، أن يبسطوا إليكم أيديهم .

أي : أن يبطشوا بكم القتل والإِهلاك ولكنه - سبحانه - رحمة ربكم ، ودفاعاً عنكم ، حال بين أعدائكم وبين ما يريدونه بكم من سوء .

فالآية الكريمة تذكير للمؤمنين بنعمة عظيمة من نعم الله عليهم حيث نجاهم من كيد أعدائهم ، ومن محاولتهم إهلاكهم . إثر تذكيرهم قبل ذلك بنعم أخرى كإكمال الدين ، وهدايتهم إلى الإِسلام ، وغير ذلك من الآلاء والمنن .

وفي تكرار هذا التذكير ما فيه من الحض على تأكيد المداومة على طاعة الله والمواظبة على شكره .

وقوله { إِذْ هَمَّ قَوْمٌ } ظرف لقوله : { نِعْمَتَ الله } والهم : إقبال النفس على فعل الشيء .

أي : اذكروا نعمة الله عليكم وقت أن قصدكم قوم من أعدائكم بالسوء والاهلاك .

وبسط اليد هنا كناية عن البطش والإِهلاك . يقال : بسط يده إليه ، إذا بطش به . وبسط إليه لسانه : إذا شتمه . والبسط في الأصل : مطلق المد . وإذا استعمل في اليد واللسان كان كناية عما ذكر .

وقوله : { فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } معطوف على قوله : { هَمَّ قَوْمٌ } وهذا الكف هو النعمة التي قصد تذكيرهم بها حتى يداوموا على شكره وطاعته .

وعبر - سبحانه - بقوله { إِذْ هَمَّ قَوْمٌ } للإِيذان بأن نعمة كف أيدي الأعداء عنهم قد جاءت عند شدة الحاجة إليها .

والفاء في قوله { فَكَفَّ } للتعقيب المفيد لتمام النعمة وكمالها فهو - سبحانه - قد حال بين الأعداء وبين ما يشتهونه بمجرد أن قصدوا السوء بالمؤمنين .

وقال - سبحانه - { فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } بإظهار الأيدي ، ولم يقل فكفها عنكم ؛ لزيادة التقرير . وللإِشارة إلى أنه - سبحانه - هو الذي قضى على موضع قوة أعدائهم ، ومناط شدتهم إذ الأيدي هي من أهم وسائل البطش والقتل .

أي : أنه - سبحانه - قد منع أيديهم عن أن تمتد إليكم بالأذى عقيب همهم بذلك دفاعا عنكم - أيها المؤمنون - وحماية لكم من الشرور ، فقابلوا ذلك بالشكر لخالقكم . وقوله : { واتقوا الله } معطوف على قوله : { اذكروا } وقوله : { وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون } أمر لهم بالاعتماد على الله وحده .

أي : داوموا على شكر نعم الله عليكم ، وصونوا أنفسكم عن كل ما نهاكم عنه ، وعليه وحده اعتمدوا وتوكلوا فإنه - سبحانه - هو الفعال لما يريد ، وهو الذي يدفع الشر عمن توكل عليه ، ويعطي الخير لمن شكره وأطاعه .

فالجملة الكريمة تذييل مقرر لما قبله ، من وجوب المداومة على طاعة الله وشكره على نعمه .

وإلى هنا نرى أن السورة الكريمة قد وجهت إلى المؤمنين خمس نداءات ، أمرتهم في أول نداء منها بالوفاء بالعقود . ونهتهم في الثاني عن إحلال شعائر الله ، وأرشدتهم في النداء الثالث إلى ما يجب عليهم أن يفعلوه إذا أرادوا الدخول في الصلاة ، وأمرتهم في النداء الرابع بالمداومة على القيام بالتكاليف التي كلفهم - سبحانه - بها وبالتزام العدل في أقوالهم وأحكامهم ، ثم أمرتهم في النداء الخامس بالتنبيه إلى نعم الله ومداومة شكره عليها حيث نجاهم - سبحانه - مما أراده لهم أعداؤهم من شرور واستئصال .

وبعد هذه النداءات والتكليفات التي كلف الله - تعالى - بها المؤمنين ، شرعت السورة الكريمة في الحديث عن أحوال أهل الكتاب من اليهود ، فذكرت ما أخذه الله عليهم من عهود موثقة ، وموقفهم منها ، وعقوبتهم على نقضهم لها . فقال - تعالى - :

{ وَلَقَدْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ بني إِسْرَآئِيلَ . . . }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ هَمَّ قَوۡمٌ أَن يَبۡسُطُوٓاْ إِلَيۡكُمۡ أَيۡدِيَهُمۡ فَكَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (11)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ يَا أَيّهَآ الّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا : أقرّوا بتوحيد الله ورسالة رسوله صلى الله عليه وسلم وما جارهم به من عند ربهم . اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ : اذكروا النعمة التي أنعم الله بها عليكم ، فاشكروه عليها بالوفاء له بميثاقه الذي واثقكم به ، والعقود التي عاقدتم نبيكم صلى الله عليه وسلم عليها . ثم وصف نعمته التي أمرهم جلّ ثناؤه بالشكر عليها مع سائر نعمه ، فقال : هي كفه عنكم أيدي القوم الذين هموا بالبطش بكم ، فصرفهم عنكم ، وحال بينهم وبين ما أرادوه بكم .

ثم اختلف أهل التأويل في صفة هذه النعمة التي ذكّر الله جلّ ثناؤه أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم بها وأمرهم بالشكر له عليها . فقال بعضهم : هو استنقاذ الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه مما كانت اليهود من بني النضير هموا به يوم أتوهم يستحملونهم دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ، قالا : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير ليستعينهم على دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري فلما جاءهم خلا بعضهم ببعض ، فقالوا : إنكم لن تجدوا محمدا أقرب منه الاَن ، فمُروا رجلاً يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه فقام عمرو بن جحاش بن كعب . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر ، وانصرف عنهم ، فأنزل الله عزّ ذكره فيهم وفيما أراد هو وقومه : يا أيها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نَعْمَتَ اللّه عَلَيْكُمْ إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أيْدِيَهُمْ . . . الاَية .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أيْدِيَهُمْ قال اليهود : دخل عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم حائطا لهم ، وأصحابه من وراء جداره ، فاستعانهم في مَغرم دية غرمها ، ثم قام من عندهم ، فائتمروا بينهم بقتله ، فخرج يمشي القهقري ينظر إليهم ، ثم دعا أصحابه رجلاً رجلاً حتى تتامّوا إليه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : اذْكُرُوا نَعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أيْدِيَهُمْ فَكَفّ أيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ يهود حين دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم حائطا لهم ، وأصحابه من وراء جدار لهم ، فاستعانهم في مغرم في دية غرمها ، ثم قام من عندهم ، فائتمروا بينهم بقتله ، فخرج يمشي معترضا ينظر إليهم خيفتهم ، ثم دعا أصحابه رجلاً رجلاً حتى تتاموا إليه . قال الله جلّ وعزّ : فَكَفّ أيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتّقُوا اللّهَ وَعلى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ المُؤْمِنُونَ .

حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : ثني أبو معشر ، عن يزيد بن أبي زياد ، قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير يستعينهم في عَقْل أصابه ومعه أبو بكر وعمر وعليّ فقال : «أعِينُوني في عَقْلٍ أصَابَني » فقالوا : نعم يا أبا القاسم ، قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجة ، اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ينتظرونه ، وجاء حيي ابن أخطب وهو رأس القوم ، وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال ، فقال حيي لأصحابه : لا ترونه أقرب منه الاَن ، اطرحوا عليه حجارة فاقتلوه ولا ترون شرّا أبدا فجاءوا إلى رجي لهم عظيمة ليطرحوها عليه ، فأمسك الله عنها أيديهم ، حتى جاءه جبريل صلى الله عليه وسلم فأقامه من ثم ، فأنزل الله جلّ وعزّ : يا أيّها الّذِيَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أيْدِيَهُمْ فَكَفّ أيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتّقُوا اللّهَ وَعلى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ المُؤْمِنُونَ ، فأخبر الله عز ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم ما أرادوا به .

حدثني القام ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أيْدِيَهُمْ . . . الاَية ، قال : يهود دخل عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم حائطا ، فاستعانهم في مغرم غرمه ، فائتمروا بينهم بقتله ، فقام من عندهم ، فخرج معترضا ينظر إليهم خيفتهم ، ثم دعا أصحابه رجلاً رجلاً حتى تتاموا إليه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو الأنصاري أحد بني النجار وهو أحد النقباء ليلة العقبة ، فبعثه في ثلاثين راكبا من المهاجرين والأنصار . فخرجوا ، فلقوا عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر على بئر معونة ، وهي من مياه بني عامر ، فاقتتلوا ، فقتل المنذر وأصحابه إلا ثلاثة نفر كانوا في طلب ضالّة لهم ، فلم يَرُعْهُم إلا والطير تحوم في السماء ، يسقط من بين خراطيمها عَلَقُ الدم ، فقال أحد النفر : قتل أصحابنا والرحمن ثم تولى يشتدّ حتى لقي رجلاً ، فاختلفا ضربتين ، فلما خالطته الضربة ، رفع رأسه إلى السماء ففتح عينيه ، ثم قال : الله أكبر ، الجنة وربّ العالمين فكان يدعى «أعْنَق ليموتَ » . ورجع صاحباه ، فلقيا زجلين من بني سليم ، وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم وبين قومهما موادعة ، فانتسبا لهما إلى بني عامر ، فقتلاهما . وقدم قومهما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يطلبون الدية ، فخرج ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وطلحة وعبد الرحمن بن عوف ، حتى دخلو على كعب بن الأشرف ويهود بني النّضير ، فاستعانهم في عقلهما . قال : فاجتمعت اليهود لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، واعتلوا بصنيعة الطعام ، فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم بالذي اجتمعت عليه يهود من الغدر ، فخرج ثم دعا عليّا ، فقال : «لا تَبْرَحْ مَقَامَكَ ، فَمَنْ خَرَجَ عَلَيْكَ مِنْ أصْحَابي فَسَألَكَ عَنّي فَقُلْ وَجّه إلى المدينة فأَدْرِكُوه » قال : فجعلوا يمرّون على عليّ ، فيأمرهم بالذي أمره حتى أتى عليه آخرُهم ، ثم تبعهم فذلك قوله : وَلا تَزَالُ تَطّلِعُ عَلى خاِئنَةٍ مِنْهُمْ .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن السديّ ، عن أي مالك في قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أيْدِيَهُمْ فَكَفّ أيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ . قال : نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه ، حين أرادوا أن يغدروا برسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال آخرون : بل النعمة التي ذكرها الله في هذه الاَية ، فأمر المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشكر له عليها ، أن اليهود كانت همت بقتل النبيّ صلى الله عليه وسلم في طعام دعوه إليه ، فأعلم الله عزّ وجلّ نبيه صلى الله عليه وسلم ما هموا به ، فانتهى هو وأصحابه عن إجابتهم إليه . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ . . . إلى قوله : فَكَفّ أيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وذلك أن قوما من اليهود صنعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه طعاما ليقتلوه إذا أتى الطعام ، فأوحى الله إليه بشأنهم ، فلم يأت الطعام وأمر أصحابه فأبوه .

وقال آخرون : عنى الله جلّ ثناؤه بذلك النعمة التي أنعمها على المؤمنين باطلاع نبيه صلى الله عليه وسلم على ما همّ به عدوّه وعدوّهم من المشركين يوم بطن نخل من اغترارهم إياهم ، والإيقاع بهم إذا هم اشتغلوا عنهم بصلاتهم ، فسجدوا فيها ، وتعريفه نبيه صلى الله عليه وسلم الحذار من عدوّه في صلاته بتعليمه إياه صلاة الخوف . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أيْدِيَهُمْ . . . الاَية ، ذكر لنا أنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببطن نخل في الغزوة السابعة ، فأراد بنو ثعلبة وبنو محارب أن يفتكوا به ، فأطلعه الله على ذلك . ذكر لنا أن رجلاً انتدب لقتله ، فأتى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وسيفه موضوع ، فقال : آخذه يا نبيّ الله ؟ قال : «خُذْهُ » قال : أستلّه ؟ قال : «نَعَمْ » فسلّه ، فقال : من يمنعك مني ؟ قال : «الله يَمْنَعُنِي مِنْكَ » . فهدّده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأغلظوا له القول ، فشام السيف ، وأمر نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالرحيل ، فأنزل عليه صلاة الخوف عند ذلك .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، ذكره عن ابن أبي سلمة ، عن جابر : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نزل منزلاً ، وتفرّق الناس في العِضَاه يستظلون تحتها ، فعلق النبيّ صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة ، فجاء أعرابيّ إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه فسلّه ، ثم أقبل على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : من يمنعك مني ؟ والنبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «اللّهُ » ، فشام الأعرابيّ السيف ، فدعا النبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه ، فأخبرهم خبر الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه . قال معمر : وكان قتادة يذكر نحو هذا ، وذكر أن قوما من العرب أرادوا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسلوا هذا الأعرابيّ . وتأوّل : اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أيْدِيَهُمْ . . . الاَية .

وأولى الأقوال بالصحة في تأويل ذلك ، قول من قال : عنى الله بالنعمة التي ذكر في هذه الاَية نعمته على المؤمنين به وبرسوله ، التي أنعم بها عليهم في استنقاذه نبيهم محمدا صلى الله عليه وسلم ، مما كانت يهود بني النضير همت به من قتله وقتل من معه يوم سار إليهم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم في الدية التي كان تحملها عن قتيلي عمرو بن أمية .

وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة في تأويل ذلك ، لأن الله عقب ذكر ذلك برمي اليهود بصنائعها وقبيح أفعالها وخيانتها ربها وأنبياءها . ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالعفو عنهم والصفح عن عظيم جهلهم ، فكان معلوما بذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يؤمر بالعفو عنهم والصفح عقيب قوله : إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أيْدِيَهُمْ ومن غيره كان يبسط الأيدي إليهم ، لأنه لو كان الذين هموا ببسط الأيدي إليهم غيرهم لكان حريّا أن يكون الأمر بالعفو والصفح عنهم لا عمن لم يجر لهم بذلك ذكر ، ولكان الوصف بالخيانة في وصفهم في هذا الموضع لا في وصف من لم يَجْر لخيانته ذكر ، ففي ذلك ما ينبيء عن صحة ما قضينا له بالصحة من التأويلات في ذلك دون ما خالفه .

القول في تأويل قوله تعالى : واتّقُوا اللّهِ وَعَلى اللّهِ فَلْيَتَوَكَلّ المُؤْمِنُونَ .

يعني جلّ ثناؤه : واحذروا الله أيها المؤمنون أن تخالفوه فيما أمركم ونهاكم أن تنقضوا الميثاق الذي واثقكم به فتستوجبوا منه العقاب الذي لا قِبَل لكم به . وَعَلى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ المُؤْمِنُونَ يقول : وإلى الله فليلق أزمة أمورهم ، ويستسلم لقضائه ، ويثق بنصرته وعونه ، المقرّون بوحدانية الله ورسالة رسوله ، العاملون بأمره ونهيه ، فإن ذلك من كمال دينهم وتمام إيمانهم ، وأنهم إذا فعلوا ذلك كلأهم ورعاهم وحفظهم ممن أرادهم بسوء ، كما حفظكم ودافع عنكم أيها المؤمنون اليهود الذين هموا بما هموا به من بسط أيديهم إليكم ، كلاءة منه لكم ، إذ كنتم من أهل الإيمان به وبرسوله دون غيره ، فإن غيره لا يطيق دفع سوء أراد بكم ربكم ولا اجتلاب نفع لكم لم يقضه لكم .