قوله : ( يَأَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمُ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ ) الآية [ 13 ] .
معنى( {[15062]} ) الآية : أن الله جل ذكره أمر نبيه صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالشكر( {[15063]} ) على نعمه( {[15064]} ) ( إذ دفع )( {[15065]} ) عنهم كيد اليهود عليهم اللعنة( {[15066]} ) . وكان/ سبب نزول هذه الآية أن النبي عليه السلام أمّن( {[15067]} ) رجلين مشركين من بني كلاب( {[15068]} ) وأعطاهما سهمين من سهامه أماناً لهما ، فلقيهما عمرو بن أمية الضَّمْري وهو مقبل من بئر معونة فقتلهما ولم يعلم أن معهما أماناً( {[15069]} ) من النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قدم عمرو( {[15070]} ) على النبي عليه السلام قال له : قَتَلْتَهُما ( و )( {[15071]} ) معهما أماني ؟ ! قال : لم أعلم ، فَوداهُما( {[15072]} ) النبي عليه السلام ومضى إلى بني النضير( {[15073]} ) من اليهود ومعه أبو بكر( {[15074]} ) وعمر وعلي وعثمان( {[15075]} ) رضي الله عنهم ، يَسْتعينهم على دية الكلابِيَيْن اللّذَيْن( {[15076]} ) قتلهما( {[15077]} ) عمرو( {[15078]} ) فلما قَرُبَ من مدينتهم ، خرجوا إليه فتلقَّوه وقالوا : مرحباً بك يا أبا القاسم ، ماذا جِئْتَ له ؟ ، فقال : رجل من أصحابي أصاب( {[15079]} ) رجلين من بني كلاب –معهما أمانٌ منّي- فقتلهما( {[15080]} ) فَلَزِمَني دِيَتُهما ، فأريد أن تُعينوني( {[15081]} ) قالوا : نعم والحُبُّ لَك والكَرامةُ يا أبا القاسم ، اقْعُد( {[15082]} ) حتى نجمع( {[15083]} ) لك ، فقعد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تحت الحصن ، فلما خلا بنو النضير –بعضهم ( إلى بعض )( {[15084]} )- قالوا : لن نجد محمداً أقربَ منه الآن ، فَمَن رَجُلٌ يَظهَر على هذا الجدار فَيَطْرح عليه رحىً( {[15085]} ) أو حجراً فيريحنا منه ؟ ، فقال رجل منهم : أنا ، وهو عمرو( {[15086]} ) بن جحاش( {[15087]} ) ، فأتى جبريل( {[15088]} ) النبي صلى الله عليهما فأعلمه( {[15089]} ) الخبر ، فقام وتبعه أصحابه ، فأنزل الله جل ذكره ( يَأَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمُ ) الآية( {[15090]} ) ، وفي ذلك نزل ( وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمُ ( إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ )( {[15091]} ) ، فعند ذلك بعث ( إليْهم النبيُّ )( {[15092]} ) محمد بن مَسْلَمَة الأُوسي( {[15093]} ) ، وأمره( {[15094]} ) أن يأمرهم بالرحيل والخروج من جواره( {[15095]} ) ، فلما أتاهم( {[15096]} ) محمد بن مسلمة ، تلقوه وسلموا عليه ، فقال [ لهم ]( {[15097]} ) : إني أُرسِلْتُ إليكم برسالة ، ولَسْتُ( {[15098]} ) أَبَلِّغكُمُوها حتّى أَسْأَلَكُم عن شيء قلتموه( {[15099]} ) لي قبل اليوم ، قالوا : ( سَلْنا عمّا بدا لَكَ )( {[15100]} ) ، فقال لهم محمد بن مسلمة : أليس قد أتَيْتُكم سَنَة كذا وكذا فقلتم( {[15101]} ) لي : يا ابن مَسلمةٍ ، إن ( شِئت هَدَيْناك وإن شئت غدّيناك )( {[15102]} ) ، فقلت : والله ما( {[15103]} ) لي حاجة بهداكم ، فقَرَّبْتُم( {[15104]} ) إليّ طعاماً في صَيحْفة( {[15105]} ) جَزْع( {[15106]} ) –كأني انظر : إليها( {[15107]} )- فلما فَرَغْتُ من [ غذائي ]( {[15108]} ) ، قلتم لي : ما الذي أرغبك عن التوراة ؟ ، فقلت : ما لي بها حَاجة ، فقلتم( {[15109]} ) كأنك تريد الحنيفية ؟ ، فقلت( {[15110]} ) : إيهاً( {[15111]} ) والله أريدها ، فقلتم لي : أما إنَّ صاحبها قد [ رهنك ]( {[15112]} ) خروجه ، وأشرتم نحو مكةَ وقلتم( {[15113]} ) لي : ذلك الضّحوك القتّال يركب البعير ويَلبَس الشملة و[ يجتزئ ]( {[15114]} ) بالكسوة ، سيفه على عاتقه ، ( لتكونن –على يديه- في هذه البلاد )( {[15115]} ) ملاحم وملاحم وملاحم ، قالوا : قد قلنا لك ذلك ، ولكن ليس هو هذا . قال : أشهد ( أن لا( {[15116]} ) ) إله إلا الله وحده لا شريك( {[15117]} ) له وأن محمداً عبده( {[15118]} ) ورسوله ، هو –والله- هذا ، وقد بعَثَني إليكم وقال : قد غدرتم مرةً ومرةً ومرةً ، فارْتحِلوا من بَلَدي( {[15119]} ) وارتحلوا من جواري ، فقالوا : أخِّرنا عشرة أيام نتجهز ونخرج ، ففعل ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرَه ، فَصَوَّبَ أمرَه ، وأمرَ النّبي صلى الله عليه وسلم( {[15120]} ) بحراسة المدينة( {[15121]} ) ، فدبّ إليهم المنافقون( {[15122]} ) وقالوا : لِمَ ترتحلون ، وإنّما أنتم أهل الثمار والأموال ، وقد( {[15123]} ) نَزَلَ بكم محمد ولم تَنزِلوا به ؟ ، فبعثوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم : اصْنَع ما أنت صانع فلسنا بمُرتَحلين( {[15124]} ) ، فكبّر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث تكبيرات ثم قال : خابَتْ يَهودُ ، لا تُصَلُّوا الظُّهرَ إلاّ( {[15125]} ) عندهم ، فغزاهم( {[15126]} ) النبي صلى الله عليه وسلم ، فصالحوه/ على ما حمل ( الحافر( {[15127]} ) والخُفَّ( {[15128]} ) )( {[15129]} ) :
الجمل( {[15130]} ) بين رجلين ، والحافر لرجل( {[15131]} ) واحد ، وَارْتَحَلوا( {[15132]} ) .
قال قتادة : هذه الآية نزلت على النبي عليه السلام وهو بنَخْل( {[15133]} ) في الغزوة السابعة( {[15134]} ) ، أراد بنو ثعلبة( {[15135]} ) أن يفتكوا( {[15136]} ) بالنبي عليه السلام فأطلعه الله على ذلك( {[15137]} ) .
وقيل : النعمة التي أمر الله بالشكر عليها –هنا- هي أن اليهود كانت همت بقتل النبي صلى الله عليه وسلم في طعام دَعَوْهُ( {[15138]} ) إليه ، فأعلم اللهُ نَبيَّه بما همُّوا به ، فلم يأتهم( {[15139]} ) .
وقيل : هي ما أطلع( {[15140]} ) الله نيه من أمر المشركين إذ هموا أن يميلوا على المسلمين –وهم في صلاتهم- ميلة واحدة ، وذلك يوم بطن [ نخل ]( {[15141]} ) ، فعلَّم الله نبيَّه صلاة الخوف( {[15142]} ) والحذر منهم ، وهي الغزوة السابعة( {[15143]} ) .
وقيل : هي ما فعل الأعرابي ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مستظلاً تحت شجرة –وأصحابه متفرقون( {[15144]} )- إذ جاء أعرابي إلى سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو معلق في شجرة( {[15145]} )- فأخذ السيف وسله ، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : مَن يمنعك مني ؟ ، قال : الله ، قال الأعرابي –مرتين أو ثلاثاً( {[15146]} )- : من يمنعك مني ؟ ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : الله ، فشام( {[15147]} ) الأعرابي السيف ، فدعا النبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه ، قال قتادة : كان قوم أرادوا أن يفتكوا برسول الله صلى عليه السلام ، فأرسلوا هذا الأعرابي( {[15148]} ) .
وقيل : هم قريش بعثت( {[15149]} ) رجلاً ليفتك( {[15150]} ) برسول الله ، فأتى وسَلَّ سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : من يمنعك مني يا محمد ؟ ، [ قال : الله ]( {[15151]} ) ، ثم رد السيف في غمده( {[15152]} ) .