{ يا أيّها الذين آمنوا اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ } تذكيرٌ لنعمة الإنجاءِ من الشرِّ إثرَ تذكيرِ نعمةِ إيصالِ الخير الذي هو نعمةُ الإسلام وما يتبَعُها من الميثاق ، وعليكم متعلِّقٌ بنعمة الله ، أو بمحذوفٍ وقع حالاً منها وقوله تعالى : { إِذْ هَمَّ قَوْمٌ } على الأول ظرفٌ لنفس النعمة ، وعلى الثاني لِما تعلَّق به عليكم ، ولا سبيلَ إلى كونه ظرفاً لاذْكُروا لتنافي زمانَيْهما ، أي اذكروا إنعامه تعالى عليكم ، أو اذكروا نعمته كائنةً عليكم في وقت همِّهم { أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ } أي بأن يبطِشوا بكم بالقتل والإهلاك ، يقال : بسَطَ إليه يدَه ، وبسط إليه لسانَه إذا شتمه ، وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح للمسارعة إلى بيان رجوعِ ضررِ البسطِ وغائلتِه إليهم ، حملاً لهم من أول الأمرِ على الاعتداد بنعمةِ دفعِه ، كما أن تقديم ( لكم ) في قوله عز وجل : { هُوَ الذي خَلَقَ لَكُم ما في الأرض } [ البقرة ، الآية 29 ] للمبادرة إلى بيان كونِ المخلوق من منافعِهم تعجيلاً للمَسَرّة { فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } عطفٌ على هم ، وهو النعمة التي أُريد تذكيرُها ، وذكراً لهم للإيذان بوقوعها عند مزيد الحاجةِ إليها ، والفاءُ للتعقيب المفيدِ لتمام النعمة وكمالِها ، وإظهارُ ( أيديهم ) في موقع الإضمار لزيادة التقرير ، أي منَعَ أيديَهم أن تُمدَّ إليكم عقيب همِّهم بذلك ، لا أنه كفها عنكم بعد ما مدُّوها إليكم ، وفيه من الدلالة على كمالِ النعمة من حيثُ إنها لم تكن مشوبةً بضَرَر الخوف والانزعاجِ الذي قلما يعْرَى عنه الكفُّ بعد المد ما لا يخفي مكانُه ، وذلك ( ما رُوي أن المشركين لما رأوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابَه بعُسْفانَ{[161]} في غزوة ذي أنمار ، وهي غزوةُ ذاتِ الرَّقاع{[162]} وهي السابعةُ من مغازيه عليه الصلاة والسلام ، قاموا إلى الظهر معاً فلما صلَّوْا ندِمَ المشركون ألا كانوا قد أكبُّوا عليهم ، فقالوا إن لهم بعدها صلاةً هي أحبُّ إليهم من آبائهم وأبنائِهم يعنون صلاةَ العصر ، وهمُّوا أن يوقعوا بهم إذا قاموا إليها ، فرد الله تعالى كيدَهم بأن أنزلَ صلاةَ الخوف ) ، وقيل : ( هو ما رُوي أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أتى بني قُرَيْظَةَ ومعه الشيخانِ وعليٌّ رضي الله تعالى عنهم ، يستقرِضُهم لدِيَةِ مسلمَيْن قتلهما عمْرُو بنُ أميةَ الضَّمُريُّ خطأً يحسَبُهما مشرِكَيْن ، فقالوا : نعم يا أبا القاسم ، اجلِسْ حتى نُطعِمَك ونعطِيك ما سألت ، فأجلسوه في صُفَّةٍ وهمّوا بالفتك به ، وعمَد عمرُو بنُ جِحاش إلى رَحا عظيمةٍ يطرَحُها عليه فأمسك الله تعالى يده ، ونزل جبريلُ عليه السلام فأخبره ، فخرج عليه الصلاة والسلام ) . وقيل : ( هو ما رُوي أنه عليه الصلاة والسلام ، نزل منزِلاً وتفرّق أصحابُه في العِضاة يستظلون بها ، فعلّق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سيفَه بشجرة ، فجاء أعرابيٌّ فأخذه وسله فقال : مَنْ يمنعُك منيِّ ، فقال صلى الله عليه وسلم : «الله تعالى » فأسقطه جبريلُ عليه السلام من يده ، فأخذه الرسول عليه الصلاة والسلام فقال : «من يمنعك مني » فقال : لا أحدَ ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسولُ الله ) { واتقوا الله } عطفٌ على ( اذكُروا ) أي اتقوه في رعاية حقوقِ نعمتِه ولا تُخِلُّوا بشكرِها أو في كلِّ ما تأتون وما تذرون ، فيدخُل فيه ما ذُكر دخولاً أولياً { وَعلَى الله } أي عليه تعالى خاصةً دون غيرِه استقلالاً واشتركاً { فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون } فإنه يكفيهم في إيصال كلِّ خيرٍ ودفع كل شر ، والجملة تذييلٌ مقرِّرٌ لما قبله ، وإيثارُ صيغة أمْرِ الغائبِ وإسنادُها إلى المؤمنين لإيجابِ التوكل على المخاطَبين بالطريق البرهاني ، وللإيذان بأن ما وُصفوا به عند الخطابِ من وصف الإيمان داعٍ إلى ما أُمروا به من التوكل والتقوى ، وازعٌ عن الإخلال بهما ، وإظهارُ الاسم الجليل في موقع الإضمار لتعليل الحُكْمِ وتقوية استقلالِ الجملة التذييلية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.