السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ هَمَّ قَوۡمٌ أَن يَبۡسُطُوٓاْ إِلَيۡكُمۡ أَيۡدِيَهُمۡ فَكَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (11)

{ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم } رسمت نعمت هنا بالتاء فوق فوقف عليها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي والهاء والباقون بالتاء وفي الوصل الجميع بالتاء .

روي أنّ المشركين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا إلى صلاة الظهر يصلون معاً وذلك بعسفان وهو وادٍ بينه وبين مكة مرحلتان في غزوة ذي أنمار فلما صلّوا ندموا أن لا كانوا أكبوا عليهم فقالوا : إن لهم بعدها صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم يعنون صلاة العصر وهموا بأن يوقعوا بهم إذا قاموا إليها فنزل جبريل عليه السلام بصلاة الخوف ، رواه مسلم وغيره والآية إشارة إلى ذلك .

وروي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني قريظة ومعه الخلفاء الأربعة يستقرضهم أي : يطلب منهم مالاً قرضاً لدية مسلمين قتلهما عمرو بن أمية الضمري خطأ يحسبهما مشركين ، لكن في رواية البيهقي أنّ المقتولين كانا معاهدين لا مسلمين وأن الخروج كان لبني النضير لا إلى قريظة فقالوا : نعم يا أبا القاسم وكانوا قد عاهدوا النبيّ صلى الله عليه وسلم على ترك القتال وعلى أن يعينوه في الديات فقالوا : قد آن لك أن تأتينا أو تسألنا حاجة اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخلا بعضهم ببعض وقالوا : إنكم لن تجدوا محمداً أقرب منه الآن فمن يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه ؟ فقال عمرو بن جحش : أنا ، فجاء إلى رحا عظيمة ليطرحها عليه فأمسك الله تعالى يده فنزل جبريل عليه السلام فأخبره فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً إلى المدينة ثم دعا علياً وقال : ( لا تبرح مقامك فمن خرج عليك من أصحابي فسأل عني فقل : توجه إلى المدينة ) ففعل ذلك حتى تناهوا إليه ثم تبعوه ، وقيل : نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً وتفرق الناس في العضاه يستظلون بها فعلق رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة فجاء أعرابي فسل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل عليه فقال : من يمنعك مني ؟ قال : «الله » فأسقطه جبريل من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : «من منعك مني ؟ » فقال : لا أحد أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله فنزلت .

{ إذ همّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم } ليفتكوا بكم يقال : بسط إليه لسانه إذا شتمه وبسط إليه يده إذا بطش به قال تعالى : { ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء } ( الممتحنة ، 2 ) ومعنى بسط اليد مدّها إلى المبطوش به ، ألا ترى إلى قولهم : فلان بسيط الباع ومديد الباع بمعنى { فكف أيديهم عنكم } أي : منعها أن تمد إليكم ورد مضرتها عنكم { واتقوا الله } في جميع أموركم { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } فإنه الكافي لإيصال الخير ودفع الشر .