الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ هَمَّ قَوۡمٌ أَن يَبۡسُطُوٓاْ إِلَيۡكُمۡ أَيۡدِيَهُمۡ فَكَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (11)

أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله « أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلاً فتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها ، فعلق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة ، فجاء أعرابي إلى سيفه فأخذه فَسَلَّهُ ، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من يمنعك مني ؟ قال : الله . . . قال الأعرابي : مرتين أو ثلاثاً من يمنعك مني ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : الله . . . فشام الأعرابي السيف ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ، فأخبرهم بصنيع الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه « قال معمر : وكان قتادة يذكر نحو هذا ، ويذكر أن قوماً من العرب أرادوا أن يفتكوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فأرسلوا هذا الأعرابي ويتألوا { اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم . . } الآية .

وأخرج الحاكم وصححه عن جابر قال : قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب خصفة بنخل ، فرأوا من المسلمين غرة ، فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث ، قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : من يمنعك ؟ قال : الله فوقع السيف من يده ، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : من يمنعك ؟ قال : كن خير آخذ . قال : تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ قال : أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى سبيله ، فجاء إلى قومه فقال : جئتكم من عند خير الناس ، فلما حضرت الصلاة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف ، فكان الناس طائفتين : طائفة بإزاء العدو ، وطائفة تصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانصرفوا فكانوا موضع أولئك الذين بإزاء عدوهم ، وجاء أولئك فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ، فكان للناس ركعتين ركعتين وللنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات » .

وأخرج ابن إسحاق وأبو نعيم في الدلائل من طريق الحسن . أن رجلاً من محارب يقال له غورث بن الحارث قال لقومه : أقتل لكم محمداً ؟ قالوا له : كيف تقتله ؟ ! فقال : أفتك به ، فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه في حجره فقال : يا محمد ، أنظر إلى سيفك هذا ، قال : نعم ، فأخذه فاستله وجعل يهزه ويهم فيكبته الله فقال : يا محمد ، ما تخافني وفي يدي السيف ؟ ورده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ همَّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفَّ أيديهم عنكم . . . } الآية .

وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس قال « إن عمرو بن أمية الضمري حين انصرف من بئر معونة ، لقي رجلين كلابيين معهما أمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقتلهما ولم يعلم أن معهما أماناً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير ومعه أبو بكر وعمر وعلي ، فتلقاه بنو النضير فقالوا : مرحبا . يا أبا القاسم ، لماذا جئت ؟ قال : رجل من أصحابي قتل رجلين من بني كلاب معهما أمان مني ، طلب مني ديتهما ، فأريد أن تعينوني . قالوا : نعم ، أقعد حتى نجمع لك . فقعد تحت الحصن وأبو بكر وعمر وعلي ، وقد تآمر بنو النضير أن يطرحوا عليه حجراً ، فجاء جبريل فأخبره بما هموا به ، فقام بمن معه ، وأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم . . . } الآية » .

وأخرج أبو نعيم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس . نحوه .

وأخرج أيضاً عن عروة ، وزاد بعد نزول الآية « وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجلائهم لما أرادوا ، فأمرهم أن يخرجوا من ديارهم . قالوا : إلى أين ؟ قال : إلى الحشر » .

وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله ابن أبي بكر قالا : « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم على دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري ، فلما جاءهم خلا بعضهم ببعض فقالوا : إنكم لن تجدوا محمداً أقرب منه الآن ، فمروا رجلاً يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه . فقال عمر بن جحاش بن كعب : أنا ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم الخبر فانصرف ، فأنزل الله فيهم ، وفيما أراد هو وقومه { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم . . . } » .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم } قال : هم يهود . دخل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حائطاً لهم وأصحابه من وراء جداره ، فاستعانهم في مغرم في دية غرمها ، ثم قام من عندهم فائتمروا بينهم بقتله ، فخرج يمشي القهقرى معترضاً ينظر إليهم ، ثم دعا أصحابه رجلاً رجلاً حتى تقاوموا إليه .

وأخرج ابن جرير عن يزيد بن زياد قال : " جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير يستعينهم في عقل أصابه ومعه أبو بكر وعمر وعلي ، فقال « أعينوني في عقل أصابني . فقالوا : نعم يا أبا القاسم ، قد آن لك تأتينا وتسألنا حاجة ، اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ينتظرونه ، وجاء حيي بن أخطب فقال حيي لأصحابه : لا ترونه أقرب منه الآن ، اطرحوا عليه حجارة فاقتلوه ولا ترون شراً أبداً ، فجاؤوا إلى رحى لهم عظيمة ليطرحوها عليه ، فأمسك الله عنها أيديهم حتى جاءه جبريل فأقامه من بينهم ، فأنزل الله { يا أيها الذين أمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم . . . } الآية . فأخبر الله نبيه ما أرادوا » .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق السدي عن أبي مالك في الآية قال : نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه حين أرادوا أن يغروا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال « بعث النبي صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو أحد النقباء ليلة العقبة في ثلاثين راكباً من المهاجرين والأنصار إلى غطفان ، فالتقوا على ماء من مياه عامر فاقتتلوا ، فقتل المنذر ابن عمرو وأصحابه إلا ثلاثة نفر كانوا في طلب ضالة لهم ، فلم يرعهم إلا والطير تجول في جوّ السماء يسقط من خراطيمها علق الدم ، فقالوا قتل أصحابنا والرحمن . فانطلق رجل منهم فلقي رجلاً ، فاختلفا ضربتين فلما خالطه الضربة رفع طرفه إلى السماء ، ثم رفع عينيه ، فقال : الله أكبر ! . . . الجنة ورب العالمين ، وكان يرعى أعنق ليموت ، فانطلق صاحباه فلقيا رجلين من بني سليم فانتسبا لهما إلى بني عامر فقتلاهما ، وكان بينهما وبين النبي صلى الله عليه وسلم موادعة ، فقدم قومهما على النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون عقلهما ، فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف ، حتى دخلوا على بني النضير يستعينونهم في عقلهما ، فقالوا : نعم . فاجتمعت يهود على أن يقتلوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فاعتلوا له بصنعة الطعام ، فلما أتاه جبريل بالذي أجمع له يهود من الغدر خرج ، ثم أعاد علياً فقال : لا تبرح من مكانك هذا ، فمن مر بك من أصحابي فسألك عني فقل : وجه إلى المدينة فأدركوه ، فجعلوا يمرون على علي فيقول لهم الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى عليه آخرهم ، ثم تبعهم ففي ذلك أنزلت { إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم } حتى { ولا تزال تطلع على خائنة منهم } » .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في هذه الآية قال « إن قوماً من اليهود صنعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه طعاماً ليقتلوه ، فأوحى الله إليه بشأنهم فلم يأت الطعام ، وأمر أصحابه فلم يأتوه » .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال « ذكر لنا أنها أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببطن نخل في الغزوة الثانية ، فأراد بنو ثعلبة وبنو محارب أن يفتكوا به ، فأطلعه الله على ذلك ، ذكر لنا أن رجلاً انتدب لقتله ، فأتى نبي الله صلى الله عليه وسلم وسيفه موضوع ، فقال : آخذه يا رسول الله ؟ قال : خذه . قال : استله ؟ قال : نعم . فاستله فقال : من يمنعك مني ؟ قال : الله يمنعني منك ، فهدده أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأغلظوا له القول فشام السيف ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالرحيل ، فأنزلت عليه صلاة الخوف عند ذلك » .