فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ هَمَّ قَوۡمٌ أَن يَبۡسُطُوٓاْ إِلَيۡكُمۡ أَيۡدِيَهُمۡ فَكَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (11)

{ يبسطوا } يمدوا . { فكف } فرد وحجز .

{ فليتوكل } فليتخذوا وكيلا

{ يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم } تذكير بنعمة أنعمها عليهم بعد النعمة العامة التامة التي عاهدوا فيها على الإيمان والسمع والطاعة ؛ والمؤمنون إذا ذكروا ذَكروا وشكروا ، وهذه تجلت في أن الله تعالى صرف عنهم كيد عدوه وعدوهم إذ هَم الكفرة الفجار( {[1696]} ) أن يبطشوا بالصفوة الأبرار ، فحال ربنا بينهم وبين ما أرادوا ؛ { واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون }- واحذروا الله أيها المؤمنون أن تخالفوه فيما أمركم ونهاكم ، وأن تنقضوا الميثاق الذي واثقكم به ، فتستوجبوا منه العقاب الذي لا قبل لكم به ، { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } يقول : وإلى الله فليلق أزمة أمورهم ، ويستسلم لقضائه ، ويثق بنصره وعونه ، المقرون بوحدانية الله ، ورسالة رسوله ، العاملون بأمره ونهيه ، فإن ذلك من كمال دينهم . وتمام إيمانهم ، وإنهم إذا فعلوا ذلك كلأهم ، ورعاهم وحفظهم ممن أرادهم بسوء ، كما حفظكم ودافع عنكم أيها المؤمنون اليهود الذين هموا بما هموا به من بسط أيديهم إليكم كلاءة منه لكم ، إذ كنتم من أهل الإيمان به وبرسوله دون غيره ، فإن غيره لا يطيق دفع سوء أراد بكم ربكم ، ولا اجتناب نفع لكم لم يقضه لكم-( {[1697]} ) .


[1696]:عن قتادة: ذكر أنها نزلت على رسول الله عليه وسلم وهو يبطن في الغزوة السابعة، فأراد بنو ثعلبة وبنو محارب أن يفتكوا به فأطلعه الله على ذلك؛ وعن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلا وتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها، فعلق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه فسأله ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يمنعك مني؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" الله" فشام الأعرابي السيف، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه؛ وعن عكرمة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر ابن عمرو الأنصاري أحد بني النجار، وهو أحد النقباء ليلة العقبة، فبعثه في ثلاثين راكبا من المهاجرين والأنصار، فخرجوا فلقوا عامر بن الطفيل..على بئر معونة، وهي من مياه بني عامر فاقتتلوا فقتل المنذر وأصحابه إلا ثلاثة نفر كانوا في طلب ضالة لهم، فلم يرعهم إلا والطير تحوم في السماء يسقط من بين خراطيمها علق الدم، فقال أحد النفر: قتل أصحابنا والرحمن، ثم تولى يشتد حتى لقي رجلا فاختلفا ضربتين، فلما خالطته الضربة رفع رأسه إلى السماء ففتح عينيه ثم قال: الله أكبر، الجنة ورب العالمين، فكان يدعى: أعنق ليموت- أي: لمنية أسرعت به وساقته إلى مصرعه، وذلك الرجل: هو حرام بن ملحان- ورجع صاحباه فلقيا رجلين من بني سليم- وبين قومهما وبين النبي مواعده- فانتسيا لهما إلى بني عامر فقتلاهما، وقدم قومهما إلى النبي يطلبون الدية، فخرج ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف حتى دخلوا على كعب بن الأشرف ويهود النضير، فاستعانهم في عقلهما، قال: فاجتمعت اليهود لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واعتلوا بصنيعة الطعام، فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم بالذي اجتمعت عليه يهود من الغدر، فخرج ثم دعا عليا فقال:" لا تبرح مقامك فمن خرج عليك من أصحابي فسألك عني فقل وجه إلى المدينة فأدركوه" قال: فجعلوا يمرون على علي فيأمرهم بالذي أمره حتى أتى عليه آخرهم ثم تبعهم، فذلك قوله:{ ولا تزال تطلع على خائنة منهم}. مما أورد ابن جرير: وأولى الأقوال بالصحة في تأويل ذلك قول من قال: عني الله بالنعمة التي ذكر في هذه الآية نعمته على المؤمنين به وبرسله، التي أنعم بها عليهم في استنقاذه نبيهم محمدا صلى الله عليه وسلم مما كانت يهود بني النضير همت به من قتله وقتل من معه يوم سار إليهم نبي الله صلى الله عليه وسلم في ذكر برمي اليهود بصنائعها وقبيح أفعالها، وخيانتها ربها وأنبيائها.ا هـ.
[1697]:من جامع البيان.