بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ هَمَّ قَوۡمٌ أَن يَبۡسُطُوٓاْ إِلَيۡكُمۡ أَيۡدِيَهُمۡ فَكَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (11)

وقوله تعالى : { الجحيم يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ } وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وصالح بني قريظة وبني النضير ، وهما قبيلتان بقرب المدينة ، وأخذ منهم الميثاق بأن لا يكون بينهم القتال ، وأن يتعاونوا فيما بينهم على الديات ، فدخل مستأمنان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجا من عنده فقتلهما «عمرو بن أمية الضمري » ، ولم يعلم بأنهما مستأمنان ، فوداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية حُرَّين مسلمين ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر وعلي إلى بني النضير ليستعين بهم في ديتهما ، فقالوا : مرحباً حتى نستأذن إخواننا من بني قريظة . وقال في رواية الكلبي : خرج إلى بني قريظة فقالوا : حتى نستأذن إخواننا من بني النضير ، وأدخلوهم داراً وأجلسوهم في صفّة ، وجعلوا يجمعون السلاح ، وهموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وكانوا ينتظرون كعب بن الأشرف وكان غائباً ، فنزل جبريل وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالقصة وخرج ، فلما أبطأ الرجوع قام أبو بكر فخرج ، ثم خرج عمر ، ثم خرج علي رضي الله عنهم فنزلت هذه الآية : { الجحيم يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ } { إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ } يقول : أرادوا وتمنوا أن يمدوا أيديهم إليكم بالقتل { فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } بالمنع .

قال الفقيه أبو الليث : حدّثنا أبو جعفر ، قال : حدّثنا علي بن أحمد ، قال : حدّثنا نصير بن يحيى ، قال : حدّثنا أبو سليمان ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن عبد الله ، عن الزهري ، عن عبد الله بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى بني النضير ليستعين بهم في دية الكافرَيْن اللذيْن قتلهما «عمرو بن أمية الضمري » ، فهمّ بنو النضير بقتل النبي صلى الله عليه وسلم ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فسار إليهم فحاصرهم ، وأمر بقطع النخيل وحاصرهم حتى قالوا : أتؤمننا على دمائنا وذرارينا وعلى ما حملت الإبل إلا الحلقة يعني السلاح ؟ قال : «نعم » ففتحوا الحصون ، وأجلاهم إلى الشام . فهذا الخبر موافق رواية مقاتل أنه خرج إلى بني النضير . وقال الضحاك : كان سبب نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة إلى البقيع إلى قبور الشهداء وحده ، فأتاه رجل من اليهود شديد محارب ، فقال : إن كنت نبياً كما تزعم فأعطني سيفك هذا ، فإن الأنبياء لا يبخلون ، فأعطاه سيفه فشهر اليهودي السيف وهزه ليضربه به . فلم يجترىء للرعب الذي قذفه الله تعالى في قلبه ، ثم ردّ عليه السيف فنزل : { الجحيم يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ } ثم قال : { واتقوا الله وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون } ففي الآية مضمر ، فكأنه قال : فاتقوا الله وتوكلوا على الله ، { وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون } يعني على المؤمنين أن يتوكلوا على الله ويثقوا بالنصر لهم .