تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ هَمَّ قَوۡمٌ أَن يَبۡسُطُوٓاْ إِلَيۡكُمۡ أَيۡدِيَهُمۡ فَكَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (11)

قوله سبحانه : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم . . . } الآية ، نزلت هذه الآية ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد بعث المنذر بن عمرو الأنصاري في أناس من أصحابه إلى بئر معوتة ، وهو ماء بني عامر ، فساروا حتى أشرفوا على الأرض ، فأدركهم الماء فنزلوا ، فلما كان المساء ، أضل أربعة منهم بعيرا لهم ، فاستأذنوا أن يقيموا ، فأذن لهم المنذر ، ثم سار المنذر بمن معه ، وأصبح القوم وقد جمعوا لهم على الماء ، وكانت بنو سليم هم الذين آذنوا بني عامر بهم ، فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل المنذر بن عمرو ومن معه ، وأصاب الأربعة بعيرهم من الغد ، فأقبلوا في طلب أصحابهم ، فلقيتهم وليدة لبني عامر في غنيمة ترعاها ، فقالت لهم : أمن أصحاب محمد أنتم ؟ قالوا : نعم ، رجاء أن تسلم ، فقالت : النجاء ، فإن إخوانكم قد قتلوا حول الماء ، قتلهم عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر .

فقال أحد الأربعة : ما ترون ؟ قالوا : نرى أن نرحل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنخبره بالذي كان ، قال : لكني والله لا أرجع حتى انتقم من أعداء أصحابي اليوم ، فامضوا راشدين واقرأوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام كثيرا ، فأشرف على الخيل ، فنظر إلى أصحابه مقتلين عند الماء ، فأخذ سيفه ، فضرب به حتى قتل ، رحمه الله ، ورجع الثلاثة إلى المدينة ، فأتوها حين أمسوا ، فلقوا رجلين من بني سليم وهما خارجان من المدينة ، فقالوا لهما : من أنتما ؟ قالا : نحن من بني عامر ، فقالوا : أنتما ممن قتل إخواننا ، فأقبلوا عليهما فقتلوهما .

ثم دخلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبروه الخبر فوجدوا الخبر قد سبق إليه ، فقالوا : يا رسول الله ، غشينا المدينة ممسين ، فوجدنا رجلين من بني عامر ، فقتلناهما وهذا سلبهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بئس ما صنعتما ، فإنهما كانا من بني سليم" ، قال : وكان بين بني سليم وبين النبي صلى الله عليه وسلم موادعة وعهد ، فنزلت : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } ، يقول : لا تعجلوا بأمر ولا بفعل حتى يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { واتقوا الله } ولا تخالفوا على نبيكم ، { إن الله سميع } لما تقولون ، { عليم } ( الحجرات : 1 ) بما تفعلون .

وجاء أهل السليميين ، فقالوا : يا محمد ، إن صاحبينا أتياك فقتلا عندك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن صاحبيكما اعتزيا إلى عدونا حتى قتلا ، ولكنا سنعقل صاحبيكم" ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل عهده ، فبدأ ببني النضير ، فقال : "أنتم جيراننا وحلفاؤنا ، والأيام دول ، وقد رأيتم الذي أصابنا ، فاتخذوا عندنا يدا نجزكم بها غدا إن شاء الله" ، فقالوا : مرحبا بك وأهلا ، إخواننا بنو قريظة لا نحب أن نسبقهم بأمر ، ولكن ائتنا يوم كذا وكذا ، وقد جمعنا لك الذي تريد أن نعطيك .

فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم ، فأرسلوا إلى بني قريظة : أن محمدا مغرور ، يأتينا في الرجل والرجلين ، فاجتمعوا له فاقتلوه ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لميعادهم ، ومعه ثلاثة نفر :

أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، رضي الله عنهم ، وهو صلى الله عليه وسلم رابعهم ، فأجلسوه في صفة لهم ، ثم خرجوا يجمعون السلاح له ، وكان كعب بن الأشرف عند ذلك بالمدينة ، فهم ينتظرونه حتى يأتيهم ، فأوحى الله عز وجل إلى نبيه ، فأتاه جبريل ، عليه السلام ، فأخبره بما يراد به وبأصحابه ، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يؤذن أصحابه مخافة أن يثوروا بهم ، فأتى باب الدار ، فقام به .

فلما أبطأ على أصحابه ، خرج على لينظر ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو على الباب ، فقال : يا رسول الله ، احتبست علينا ، حتى خفنا عليك أن يكون قد اغتالك أحد ، قال : "فإن أعداء الله قد أرادوا ذلك ، فقم مكانك بالباب حتى يخرج إليه بعض أصحابك ، فأقمه مكانك وأخبره بالذي أخبرتك ، ثم الحقني" ، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام الآخر بالباب ، حتى خرج إليه صاحبه ، فقال : احتبست أنت ورسول الله ، حتى خفنا عليكما ، فأخبره الخبر ، فمكث مكانه ولحق الآخر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أبطأوا على صاحبهم خرج ، فاتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذلك قوله سبحانه : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم } ، وهم اليهود ، { أن يبسطوا إليكم أيديهم } بالسوء ، { فكف أيديهم عنكم } { واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون } .