قوله عز وجل :{ وإذ قالت طائفة منهم } أي : من المنافقين ، وهم أوس بني قيظي وأصحابه ، { يا أهل يثرب } يعني المدينة ، قال أبو عبيدة : يثرب : اسم أرض ، ومدينة الرسول صلى الله عليه وسلم في ناحية منها . وفي بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسمى المدينة يثرب ، وقال : هي طابة ، كأنه كره هذه اللفظة . { لا مقام لكم } قرأ العامة بفتح الميم ، أي : لا مكان لكم تنزلون وتقيمون فيه ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، وحفص : بضم الميم ، أي : لا إقامة لكم ، { فارجعوا } إلى منازلكم عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : عن القتال إلى مساكنكم . { ويستأذن فريق منهم النبي } وهم بنو حارثة وبنو سلمة ، { يقولون إن بيوتنا عورة } أي : خالية ضائعة ، وهو مما يلي العدو ونخشى عليها السراق . وقرأ أبو رجاء العطاردي عورة بكسر الواو ، أي : قصيرة الجدران يسهل دخول السراق عليها ، فكذبهم الله فقال : { وما هي بعورة إن يريدون إلا فراراً } أي : ما يريدون إلا الفرار .
{ وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ ياأهل يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فارجعوا . . . } .
أى : واذكروا - كذلك - أيها المؤمنون - وقت أن قالت لكم طائفة من هؤلاء المنافقين : { ياأهل يَثْرِبَ } أى : يا أهل المدينة ، لا مقام لكم فى هذا المكان الذى تقيمون فيه بجوار الخندق لحماية بيوتكم ومدينتكم ، فارجعوا إلى مساكنكم ، واستسلموا لأعدائكم .
قال الشوكانى : وذلك أن المسلمين خرجوا فى غزوة الخندق ، فجعلوا ظهورهم إلى جبل سلع ، وجعلوا وجوههم إلى العدو ، وجعلوا الخندق بينهم وبين القوم . فقال هؤلاء المنافقون : ليس ها هنا موضع إقامة وأمروا الناس بالرجوع إلى منازلهم بالمدينة .
ثم بين - سبحانه - أن هؤلاء المنافقين لم يكتفوا بهذا القول الذميم ، بل كانوا يهربون من الوقوف إلى جانب المؤمنين ، فقال - تعالى - : { وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النبي يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } .
أى : أنهم كانوا يحرضون غيرهم على ترك مكانه فى الجهاد ، ولا يكتفون بذلك ، بل كان كل فريق منهم يذهب إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فيستأذنه فى الرجوع إلى بيوتهم ، قائلين له : يا رسول الله : { إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ } أى : خالية ممن يحرسها .
يقال : دار ذات عورة إذا سهل دخولها لقلة حصانتها .
وهنا يكشف القرآن عن حقيقتهم ويكذبهم فى دعواهم فيقول { وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ } أى : والحال أن بيوتهم كما يزعمون ، وإنما الحق أنهم يريدون الفرار من ميدان القتال ، لضعف إيمانهم ، وجب نفوسهم .
روى " أن بنى حارثة بعثوا أحدهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقول له : إن بيوتنا عورة ، وليست دار من دور الأنصار مثل دورنا ، وليس بيننا وبين غطفان أحد يردهم عنا ، فأذن لنا كى نرجع إلى دورنا ، فمنع ذرارينا ونساءنا . فأذن لهم صلى الله عليه وسلم .
فبلغ سعد بن معاذ ذلك فقال : يا رسول الله ، لا تأذن لهم ، إنا والله ما أصابنا وإياهم شدة إلا فعلوا ذلك . . فردهم " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.