البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِذۡ قَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ يَـٰٓأَهۡلَ يَثۡرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمۡ فَٱرۡجِعُواْۚ وَيَسۡتَـٔۡذِنُ فَرِيقٞ مِّنۡهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوۡرَةٞ وَمَا هِيَ بِعَوۡرَةٍۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارٗا} (13)

يثرب : مدينة الرسول ، عليه السلام ، وقيل : أرض المدينة في ناحية منها .

{ وإذ قالت طائفة منهم } : أي من المنافقين ، { لا مقام لكم } في حومة القتال والممانعة ، { فارجعوا } إلى بيوتكم ومنازلكم ، أمروهم بالهرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقيل : فارجعوا كفاراً إلى دينكم الأول وأسلموه إلى أعدائه .

قال السدي : والقائل لذلك عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه .

وقال مقاتل : بنو مسلمة .

وقال أوس بن رومان : أوس بن قبطي وأصحابه .

وقال الكلبي : بنو حارثة .

ويمكن صحة هذه الأقوال ، فإن فيهم من كان منافقاً .

{ لا مقام لكم } ، وقرأ السلمي والأعرج واليماني وحفص : بضم الميم ، فاحتمل أن يكون مكاناً ، أي لا مكان إقامة ؛ واحتمل أن يكون مصدراً ، أي لا إقامة .

وقرأ أبو جعفر ، وشيبة ، وأبو رجاء ، والحسن ، وقتادة ، والنخعي ، وعبد الله بن مسلم ، وطلحة ، وباقي السبعة : بفتحها ، واحتمل أيضاً المكان ، أي لا مكان قيام ، واحتمل المصدر ، أي لا قيام لكم .

{ ويستأذن فريق منهم النبي } : هو أوس بن قبطي ، استأذن في الدخول إلى المدينة عن اتفاق من عشيرته .

{ يقولون } : حال ، أي قائلين : { إن بيوتنا عورة } : أي منكشفة للعدو ، وقيل : خالية للسراق ، يقال : أعور المنزل : انكشف .

وقال الشاعر :

له الشدة الأولى إذا القرن أعوراً . . .

وقال ابن عباس : الفريق بنو حارثة ، وهم كانوا عاهدوا الله لا يولون الأدبار ، اعتذروا بأن بيوتهم معرضة للعدو ، ممكنة للسراق ، لأنها غير محرزة ولا محصنة ، فاستأذنوه ليحصنوها ثم يرجعوا إليه ، فأكذبهم الله بأنهم لا يخافون ذلك ، وإنما يريدون الفرار .

وقرأ ابن عباس ، وابن يعمر ، وقتادة ، وأبو رجاء ، وأبو حيوة ، وابن أبي عبلة ، وأبو طالوت ، وابن مقسم ، وإسماعيل بن سليمان عن ابن كثير : عورة وبعوزة ، بكسر الواو فيهما ؛ والجمهور : بإسكانها .

قال الزمخشري : ويجوز أن يكون تخفيف عورة وبالكسر هو اسم فاعل .

وقال ابن جني : صحة الواو في هذا إشارة لأنها متحركة قبلها فتحة . انتهى .

فيعني أنها تنقلب ألفاً ، فيقال : عارة ، كما يقول : رجل مال ، أي ممول .

وإذا كان عورة اسم فاعل ، فهو من عور الذي صحت عينه ، فاسم الفاعل كذلك تصح عينه ، فلا تكون صحة العين على هذا شذوذاً .

وقيل : السكون على أنه مصدر وصف به ، والبيت العور : هو المنفرد المعرض لمن أراد سوءاً .

وقال الزجاج : عور المكان يعور عوراً وعورة فهو عور ، وبيوت عورة .

وقال الفراء : أعور المنزل : بدا منه عورة ، وأعور الفارس : كان فيه موضع خلل للضرب والطعن .

قال الشاعر :

متى تلقهم لم تلق في البيت معوراً *** ولا الضيف مسحوراً ولا الجار مرسلاً

قال الكلبي : { عورة } : خالية من الرجال ضائعة .

وقال قتادة : قاصية ، يخشى عليها العدو .

وقال السدي : قصيرة الحيطان ، يخاف عليها السراق .

وقال الليث : العورة : سوءة الإنسان ، وكل أمر يستحيا منه فهو عورة ، يقال : عورة في التذكير والتأنيث ، والجمع كالمصدر .

وقال ابن عباس : قالت اليهود لعبد الله ابن أبي ابن سلول وأصحابه من المنافقين : ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان وأصحابه ؟ فارجعوا إلى المدينة فأنتم آمنون .

{ إن يريدون إلا فراراً } : من الدين ، وقيل : من القتل .

وقال الضحاك : ورجع ثمانون رجلاً من غير إذن للنبي صلى الله عليه وسلم .