الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِذۡ قَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ يَـٰٓأَهۡلَ يَثۡرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمۡ فَٱرۡجِعُواْۚ وَيَسۡتَـٔۡذِنُ فَرِيقٞ مِّنۡهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوۡرَةٞ وَمَا هِيَ بِعَوۡرَةٍۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارٗا} (13)

قوله : { يأَهْلَ يَثْرِبَ } : يثرب اسمُ المدينةِ . وامتناعُ صَرْفها إمَّا : للعلميةِ والوزنِ ، أو للعلميَّةِ والتأنيثِ ، وأمَّا " يَتْرَب " بالتاء المثناة وفتح الراء فموضعٌ آخرُ قال :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** مواعيدَ عُرْقوبٍ أخاه بيَتْرَبِ

قوله : { لاَ مُقَامَ لَكُمْ } قرأ حفصٌ بضم الميم ، ونافع وابن عامر بضم ميمِه أيضاً في الدخان في قوله : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ [ الدخان : 26 ] والباقون بفتح الميم في الموضعين . والضمُّ والفتح مفهومان من سورة مريم عند قوله : { خَيْرٌ مَّقَاماً } [ مريم : 73 ] قوله : " عَوْرَةٌ " أي : ذاتُ عَوْرة . وقيل : منكشِفةٌ للسارقِ . قال الشاعر :

له الشَّدَّةُ الأُوْلى إذا القِرْنُ أَعْورا ***

وقرأ ابن عباس وابن يعمر وقتادة وأبو رجاء وأبو حيوة وآخرون " عَوِرة " بكسرِ الواو ، وكذلك { وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ } وهي اسمُ فاعلٍ يُقال : عَوِر المنزلُ يَعْوَر عَوْراً وعَوْرَة فهو عَوِر وبيوتٌ عَوْرَةٌ . قال ابن جني : " تصحيحُ الواوِ شاذٌ " يعني حيث تحرَّكَتْ وانفتح ما قبلها ، ولم تُقْلَبْ ألفاً . وفيه نظرٌ لأنَّ شرطَ ذاك في الاسم الجاري على الفعلِ أَنْ يَعْتَلَّ فِعْلُه نحو : مَقام ومَقال . وأمَّا هذا ففعلُه صحيحٌ نحوَ : عَوِر . وإنما صَحَّ الفعلُ وإنْ كان فيه مُقْتضى الإِعلال لِمَدْرَكٍ آخرَ : وهو أنه في معنى ما لا يُعَلُّ وهو أَعْوَر ولذلك لم يُتَعَجَّبْ مِنْ عَوِر وبابه . وأَعْوَرَ المنزلُ : بَدَتْ عَوْرَتُه ، وأَعْوَرَ الفارسُ : بدا منه خَلَلٌ للضربِ . قال الشاعر :

متى تَلْقَهم لم تَلْقَ في البيتِ مُعْوِراً *** ولاَ الضيفَ مَسْجوراً ولا الجارَ مُرْسَلاً