اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذۡ قَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ يَـٰٓأَهۡلَ يَثۡرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمۡ فَٱرۡجِعُواْۚ وَيَسۡتَـٔۡذِنُ فَرِيقٞ مِّنۡهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوۡرَةٞ وَمَا هِيَ بِعَوۡرَةٍۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارٗا} (13)

قوله : { وَإِذْ قَالَت طَائِفَةٌ مِنْهُمْ } أي من المنافقين «وهم أوس بن قيظي وأصحابه »{[43209]} { يا أهل يَثْرِبَ } يعني المدينة ، قال أبو عبيد( ة ){[43210]} : يَثْرِبُ : اسم أرض ومدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم{[43211]} - في ناحية منها ، وفي بعض الأخبار : «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تسمى المدينةُ يَثْرِبَ{[43212]} ، وقال : هي طابة » كأنه كره هذه اللفظة ، وقال أهل اللغة{[43213]} : يثرب اسم المدينة ، وقيل : اسم البقعة التي فيها المدينة ، وامتناع صرفها إما للعلمية والوزن{[43214]} أو للعلمية والتأنيث ، وأما يَتْرَب - بالتاء المثناة وفتح الراء فموضع ضع آخر باليمن{[43215]} ، قال الشاعر :

4072 - وَعَدْتَ وَكَانَ الخُلْفُ مِنْكَ سَجِيَّةً *** مَواعِيدَ عُرْقُوب أَخَاء بِيَتْرَبِ{[43216]}

وقال :

4073 - وَقَدْ وَعَدْتُكَ مَوْعِداً لوقت *** مواعيد عرقوب أخاه بيترب{[43217]}

{ لاَ مُقَامَ لَكُمْ } قرأ حفصٌ ، وأبو عبد الرحمن السُّلَمِيّ بضم الميم ، ونافعٌ وابنُ عامر بضم ميمه أيضاً في الدخان{[43218]} في قوله : { إِنَّ المتقين فِي مُقَامٍ }{[43219]} ولم يختلف في الأولى أنه بالفتح وهو «مقام كريم » والباقون بفتح الميم في الموضعين{[43220]} ، والضم والفتح مفهومان من سورة مريم عند قوله : { خَيْرٌ مَقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } [ مريم : 73 ] فمعنى الفتح لا مكان لكم تنزلون به وتقيمون فيه . ومعنى الضم لا إقامة لكم فارجعوا إلى منازلكم عن اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم {[43221]}- . وقيل : عن القتال إلى منازلكم{[43222]} . { وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النبي } هم بنو حارثة وبنو سلمة { يقولون إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ } أي خالية ضائعة{[43223]} ، وهي مما يلي العدو ويخشى عليها السُّراق{[43224]} .

قوله : «عَورةٌ » أي ذاتُ عورة ، وقيل : منكشفة أي قصيرة{[43225]} الجُدْرَان للسارق وقال الشاعر :

4074 - لَهُ الشِّدَّةُ الأُولَى إِذَا القَرْنُ أَعْوَرَا{[43226]} *** . . .

وقرأ ابن عباس وابنَ يَعْمُرَ وقتادةُ وأبو رجاء وأبو حَيْوَة وآخرون : عَورة بكسر الواو وكذلك { وَمَا هِيَ بِعَورَةٍ }{[43227]} ، وهما اسم فاعل{[43228]} ، يقال : عَوِرَ المنزلُ : يَعْوِرُ عَوَراً وعَوِرَة فهو عَوِرٌ ، وبيوتٌ عَوِرَةٌ ، قال ابن جني : تصحيح الواو شاذ ، يعني حيث تحركت وانفتح ما قبلها ولم تقلب ألفاً{[43229]} ، وفيه نظر لأن شرط ذاك في الاسم الجاري على الفعل أن يعتل فعله نحو مَقَامٍ ومَقَالٍ ، وأما هذا ففعله صحيح نحو عَوِرَ{[43230]} ، وإنما صح الفعل وإن كان فيه مقتضى الإعلال لِمَدْرَكٍ آخر وهو أنه في معنى ما لا يعل{[43231]} وهو «أعور » ولذلك لم نتعجب من «عور » وبابه ، وأعْوَرَّ المَنْزِلُ : بدت عَوْرَتُهُ ، واعورَّ الفارس بدا منه خلله{[43232]} للضَّرْبِ قال الشاعر :

4075 - مَتَى تَلْقَهُمْ لَمْ تَلْقَ فِي البَيْتِ مُعْوَراً *** وَلاَ الصَّيْفَ مَسْجُوراً ولاَ الجَارَ مُرْسَلاً{[43233]}

ثم كذبهم الله تعالى فقال : { وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } .


[43209]:المرجعان السابقان.
[43210]:زيادة وتصحيح عن النسختين فهو أبو عبيدة: صاحب مجاز القرآن معمر بن المثنى وقد عرفت به.
[43211]:انظر: مجاز القرآن 2/134 والقرطبي 14/148.
[43212]:ذكره اللسان:" ث ر ب" 475 قال: وروي أن النبي- صلى الله عليه وسلم- نهى أن يقال للمدينة يثرب، وسماها طيبة كأنه كره الثرب لأنه فساد في كلام العرب.
[43213]:المرجع السابق.
[43214]:الدر المصون 4/369.
[43215]:يقال: إنه موضع قريب من اليمامة اللسان:" ت ر ب" 425.
[43216]:من الطويل وهو لجَبْهَاء الأشجعي والبيت هذا له عجز مشترك لبيت آخر للشماخ وموضع الشاهد: "بيترب" حيث إنها بالتاء لا بالثاء وهو موضع قريب من اليمن. انظر: ملحقات ديوان الشماح 430 و 432 وابن يعيش 430 و 432 والخصائص 2/307 واللسان مكرراً وعد 4871 و"ترب" 425 والكتاب 1/272 والهمع 2/92 ومجمع الأمثال للميداني 2/311 والسراج المنير 3/229 والدر المصون 4/369.
[43217]:قيل: إنه للشماخ وصدره: أوعدتني ما لا أحاول نفعه *** .................... كما في ملحق ديوانه (430) وعجزه مشترك مع صدر البيت السابق وانظر المراجع السابقة.
[43218]:السبعة 520 والإتحاف 353 ومعاني الفراء 2/337.
[43219]:الدخان الآية 51.
[43220]:الإتحاف 353 والسبعة 52. والمعاني 3/337 والنشر 2/348 وحجة ابن خالويه 289.
[43221]:ذكره الفراء في معانيه 2/337 والقرطبي في 14/148.
[43222]:وهذا رأى الكلبي والسابق رأي الحسن ذكرهما ابن الجوزي في زاد المسير 6/360.
[43223]:انظر: غريب القرآن لابن قتيبة 348.
[43224]:وهذا رأي الحسن ومجاهد انظر: زاد المسير 6/261.
[43225]:ذكره السمين في الدر 4/370.
[43226]:هذا شطر بيت من الطويل لم أعثر على تتمة له سابقةً كانت أو لاحقة. وقال الفراء في معانيه 2/337: "وأنشدني أبو ثروان: البيت يعني الأسد" ولم ينسبه كذلك في اللسان "ع و ر" وشاهده: "القرن أعورا" بمعنى انكشف وظهر للعدو للمنال. وانظر: اللسان "ع و ر" 3167 والبحر 7/218.
[43227]:من القراءات الشاذة غير المتواترة انظر: المحتسب 2/176 ومختصر ابن خالويه 118.
[43228]:ذكره في التبيان 1053 والدر المصون 4/270.
[43229]:ذكره في المحتسب 2/176 ووجهة نظره أنها من المواضع التي تقلب فيها الواو ياء.
[43230]:ذكره السمين أيضاً في الدر المصون 4/370.
[43231]:نقله في الدر المصون 4/370.
[43232]:في "ب" خلل الضرب.
[43233]:هو من بحر الطويل ورواه القرطبي: "مفجوعاً" بدلاً من "مسجوراً" وانظر البحر المحيط 7/218 والقرطبي 14/48 والدر المصون 4/370.