ثم ذكر ما أعده لمن اتقاه وخافه فقال :{ ولمن خاف مقام ربه } أي : مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية والشهوة . وقيل : قيام ربه عليه ، بيانه قوله : { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت }( الرعد-33 ) ، وقال إبراهيم النخعي ومجاهد : هو الذي يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من مخافة الله . وقوله :{ جنتان } قال مقاتل : جنة عدن وجنة نعيم . قال محمد بن علي الترمذي : جنة لخوفه ربه وجنة لتركه شهوته . قال الضحاك : هذا لمن راقب الله في السر والعلانية بعلمه ما عرض له من محرم تركه من خشية الله ، وما عمل من خير أفضى به إلى الله ، لا يحب أن يطلع عليه أحد . وقال قتادة : إن المؤمنين خافوا ذلك المقام فعملوا لله ودأبوا بالليل والنهار .
أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين القرشي ، أنبأنا أبو مسلم غالب بن علي الرازي ، حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن يونس ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن موسى بن عيسى الحلواني ، وأنبأنا محمد بن حميد الهمداني ، أنبأنا هاشم بن القاسم عن أبي عقيل هو الثقفي عن يزيد بن شيبان سمعت بكير بن فيروز قال سمعت أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة " .
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أنبأنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني ، أنبأنا عبد الله بن عمر الجوهري ، أنبأنا أحمد بن علي الكشمهيني ، أنبأنا علي بن حجر ، أنبأنا إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة مولى حويطب بن عبد العزي . عن عطاء بن يسار ، عن أبي الدرداء " أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقص على المنبر وهو يقول : ولمن خاف مقام ربه جنتان ، قلت : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } فقلت الثانية : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } فقلت الثالثة : وإن زنى وإن سرق يا رسول يا رسول الله ؟ قال : وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء " . { فبأي آلاء ربكما تكذبان } .
وكعادة القرآن الكريم فى قرن أحوال الأخيار ، بأحوال الأشرار ، أو العكس : جاء الحديث عما أعده - سبحانه - للمتقين من جزيل الثواب ، بعد الحديث عما سينزل بالمجرمين من عقاب فقال - تعالى - : { وَلِمَنْ خَافَ . . . } .
قال الآلوسى : قوله - تعالى - : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ . . } شروع فى تعديد الآلاء التى تفاض فى الآخرة على المتقين ، بعد بيان سوء عاقبة المكذبين .
و { مَقَامَ } مصدر ميمى بمعنى القيام مضاف إلى الفاعل . أى : ولمن خاف قيام ربه عليه وكونه مراقبا له ، ومهيمنا عليه فالقيام هنا مثله فى قوله - تعالى - : { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ . . } أو هو اسم مكان . والمراد به مكان وقوف الخلق فى يوم القيامة للحساب . . إذ الخلق جميعا قائمون له - تعالى - كما فى قوله - سبحانه - : { يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبِّ العالمين } والمعنى : ولكل من خاف القيام بين يدى ربه للحساب ، وخشى هيمنته - سبحانه - عليه ، ومجازاته له . . . لك من خاف ذلك وقدم فى دنياه العمل الصالح ، { جَنَّتَانِ } يتنقل بينهما ، ليزداد سروره ، وحبوره .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم قال : { جَنَّتَانِ } ؟ قلت الخطاب للثقلين ، فكأنه قيل لكل حائفين منكما جنتان . جنة للخائف الإنسى ، وجنة للخائف الجنى .
ويجوز أن يقال : جنة لفعل الطاعات ، وجنة لترك المعاصة ، لأن التكليف دائر عليها ، وأن يقال : جنة يثاب بها وأخرى تضم إليها على وجه التفضل ، كقوله - تعالى - : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.