معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحۡلَلۡنَا لَكَ أَزۡوَٰجَكَ ٱلَّـٰتِيٓ ءَاتَيۡتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـٰتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَٰلَٰتِكَ ٱلَّـٰتِي هَاجَرۡنَ مَعَكَ وَٱمۡرَأَةٗ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنۡ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسۡتَنكِحَهَا خَالِصَةٗ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۗ قَدۡ عَلِمۡنَا مَا فَرَضۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ لِكَيۡلَا يَكُونَ عَلَيۡكَ حَرَجٞۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (50)

قوله تعالى :{ يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن } أي : مهورهن ، { وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك } رد عليك من الكفار بأن تسبي فتملك مثل صفية وجويرية ، وقد كانت مارية مما ملكت يمينه فولدت له { وبنات عمك وبنات عماتك } يعني : نساء قريش ، { وبنات خالك وبنات خالاتك } يعني : نساء بني زهرة ، { اللاتي هاجرن معك } إلى المدينة فمن لم تهاجر منهن معه لم يجز له نكاحها . وروى أبو صالح عن أم هانئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة خطبني فأنزل الله هذه الآية فلم أحل له ، لأني لم أكن من المهاجرات وكنت من الطلقاء ، ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل . { وامرأةً مؤمنةً إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصةً لك من دون المؤمنين } أي . أحللنا لك امرأة مؤمنة وهبت نفسها لك بغير صداق ، فأما غير المؤمنة فلا تحل له إذا وهبت نفسها منه . واختلفوا في أنه هل كان يحل للنبي صلى الله عليه وسلم نكاح اليهودية والنصرانية بالمهر ؟ فذهب جماعة إلى أنه كان لا يحل له ذلك ، لقوله : { وامرأة مؤمنة } وأول بعضهم الهجرة في قوله : { اللاتي هاجرن معك } على الإسلام ، أي : أسلمن معك . فيدل ذلك على أنه لا يحل له نكاح غير المسلمة ، وكان النكاح ينعقد في حقه بمعنى الهبة من غير ولي ولا شهود ولا مهر ، وكان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم في النكاح لقوله تعالى : { خالصة لك من دون المؤمنين } كالزيادة على الأربع ، ووجوب تخيير النساء كان من خصائصه ولا مشاركة لأحد معه فيه . واختلف أهل العلم في انعقاد النكاح بلفظ الهبة في حق الأمة ؟ فذهب أكثرهم إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج ، وهو قول سعيد بن المسيب ، والزهري ، ومجاهد ، وعطاء ، وبه قال ربيعة ومالك والشافعي . وذهب قوم إلى أنه ينعقد بلفظ الهبة والتمليك ، وهو قول إبراهيم النخعي ، وأهل الكوفة . ومن قال لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج اختلفوا في نكاح النبي صلى الله عليه وسلم : فذهب قوم إلى أنه كان ينعقد في حقه بلفظ الهبة ، لقوله تعالى : { خالصة لك من دون المؤمنين } . وذهب آخرون إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج كما في حق الأمة لقوله عز وجل : { إن أراد النبي أن يستنكحها } وكان اختصاصه صلى الله عليه وسلم في ترك المهر لا في لفظ النكاح . واختلفوا في التي وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهل كانت عنده امرأة منهن ؟ . فقال عبد الله بن عباس ، ومجاهد : لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها منه ، ولم يكن عنده امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين ، وقوله : { إن وهبت نفسه } على طريق الشرط والجزاء . وقال آخرون : بل كانت عنده موهوبة ، واختلفوا فيها ، فقال الشعبي : هي زينب بنت خزيمة الهلالية ، يقال لها : أم المساكين . وقال قتادة : هي ميمونة بنت الحارث . وقال علي بن الحسين ، والضحاك ومقاتل : هي أم شريك بنت جابر من بني أسد . وقال عروة بن الزبير : هي خولة بنت حكيم من بني سليم . قوله عز وجل : { قد علمنا ما فرضنا عليهم } أي : أوجبنا على المؤمنين ، { في أزواجهم } من الأحكام أن لا يتزوجوا أكثر من أربع ولا يتزوجوا إلا بولي وشهود ومهر ، { وما ملكت أيمانهم } أي : ما أوجبنا من الأحكام في ملك اليمين ، { لكيلا يكون عليك حرج } وهذا يرجع إلى أول الآية أي : أحللنا لك أزواجك وما ملكت يمينك والموهوبة لك لكي لا يكون عليك حرج وضيق . { وكان الله غفوراً رحيما* }

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحۡلَلۡنَا لَكَ أَزۡوَٰجَكَ ٱلَّـٰتِيٓ ءَاتَيۡتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـٰتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَٰلَٰتِكَ ٱلَّـٰتِي هَاجَرۡنَ مَعَكَ وَٱمۡرَأَةٗ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنۡ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسۡتَنكِحَهَا خَالِصَةٗ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۗ قَدۡ عَلِمۡنَا مَا فَرَضۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ لِكَيۡلَا يَكُونَ عَلَيۡكَ حَرَجٞۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (50)

ثم ذكر ما يحل من النساء للنبي ص فقال { يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن } مهورهن { وما ملكت يمينك } من الإماء { مما أفاء الله عليك } جعلهن غنيمة تسبى وتسترق بحكم الشرع { وبنات عمك وبنات عماتك } أن يتزوجهن يعني نساء بني عبد المطلب { وبنات خالك وبنات خالاتك } يعني نساء بني زهرة { اللاتي هاجرن معك } فمن لم يهاجر منهن لم يحل له نكاحها { وامرأة } وأحللنا لك امرأة { مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها } فله ذلك { خالصة لك من دون المؤمنين } فليس لغير النبي صلى الله عليه وسلم أن يستبيح وطء امرأة بلفظ الهبة من غير ولي ولا مهر ولا شاهد { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم } وهو أن لا نكاح إلا بولي وشاهدين { وما ملكت أيمانهم } يريد أنه لا يحل لغير النبي صلى الله عليه وسلم إلا أربع بولي وشاهدين وإلا ملك اليمين والنبي صلى الله عليه وسلم يحل له ما ذكر في هذه الآية { لكيلا يكون عليك حرج } في النكاح { ترجي من تشاء منهن } تؤخر { وتؤوي } وتضم { إليك من تشاء } أباح الله سبحانه له أن يترك القسمة والتسوية بين أزواجه حتى إنه ليؤخر من شاء منهن عن وقت نوبتها ويطأ من يشاء من غير نوبتها ويكون الاختيار في ذلك إليه يفعل فيه ما يشاء وهذا من خصائصه { ومن ابتغيت } طلبت وأردت إصابتها { ممن عزلت } هجرت وأخرت نوبتها { فلا جناح عليك } في ذلك كله { ذلك أدنى أن تقر أعينهن } الآية إذا كانت هذه الرخصة منزلة من الله سبحانه عليك كان أقرب إلى أن يرضين بما آتيتهن كلهن { والله يعلم ما في قلوبكم } من أمر النساء والميل إلى بعضهن ولما خير النبي صلى الله عليه وسلم نساءه فاخترنه ورضين به قصره الله سبحانه عليهن وحرم عليه طلاقهن والتزوج بسواهن وجعلهن أمهات المؤمنين وهو قوله { لا يحل لك النساء من بعد . . . }

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحۡلَلۡنَا لَكَ أَزۡوَٰجَكَ ٱلَّـٰتِيٓ ءَاتَيۡتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـٰتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَٰلَٰتِكَ ٱلَّـٰتِي هَاجَرۡنَ مَعَكَ وَٱمۡرَأَةٗ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنۡ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسۡتَنكِحَهَا خَالِصَةٗ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۗ قَدۡ عَلِمۡنَا مَا فَرَضۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ لِكَيۡلَا يَكُونَ عَلَيۡكَ حَرَجٞۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (50)

{ يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن } في معناها قولان :

أحدهما : أن المراد أزواجه اللاتي في عصمته حينئذ كعائشة وغيرها ، وكان قد أعطاهن مهورهن .

والآخر : أن المراد جميع النساء ، فأباح الله له أن يتزوج كل امرأة يعطى مهرها وهذا أوسع من الأول .

{ وما ملكت يمينك } أباح الله له مع الأزواج السراري بملك اليمين ويعني بقوله : { أفاء الله عليك } : الغنائم .

{ وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك } : يعني قرابته من جهة أبيه ومن جهة أمه ، وكان له عليه الصلاة والسلام أعمام وعمات إخوة لأبيه ، ولم يكن لأمه عليه الصلاة والسلام أخ ولا أخت ، وإنما يعني بخاله وخالاته عشيرة أمه وهم بنو زهرة ، ولذلك كانوا يقولون نحن أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن قال : إن المراد بقوله : { أحللنا لك أزواجك } : من كانت في عصمته : فهو عطف عليهن ، وإباحة لأن يتزوج قرابته زيادة على من كان في عصمته ، ومن قال إن المراد جميع النساء فهو تجريد منهن على وجه التشريف بعد دخول هؤلاء في العموم .

{ اللاتي هاجرن معك } تخصيص تحرز به ممن لم يهاجر كالطلقاء الذين أسلموا يوم فتح مكة .

{ وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي } أباح الله له صلى الله عليه وسلم من وهبت له نفسها من النساء ، واختلف هل وقع ذلك أم لا ؟ فقال ابن عباس : لم تكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة إلا بنكاح أو ملك يمين ، لا بهبة نفسها ، ويؤيد هذا قراءة الجمهور إن وهبت بكسر الهمزة أي : إن وقع ، وقيل : قد وقع ذلك ، وهو على هذا القول قرئ أن وهبت بفتح الهمزة ، واختلف على هذا القول فيمن هي التي وهبت نفسها فقيل : ميمونة بنت الحارث ، وقيل : زينب بنت خزيمة أم المساكين ، وقيل : أم شريك الأنصارية ، وقيل : أم شريك العامرية .

{ خالصة لك من دون المؤمنين } أي : هبة المرأة نفسها مزية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره ، وانظر كيف رجع من الغيبة إلى الخطاب ليخص المخاطب وحده ، وقيل : إن خالصة يرجع إلى كل ما تقدم من النساء المباحات له صلى الله عليه وسلم لأن سائر المؤمنين قصروا على أربع نسوة ، وأبيح له عليه الصلاة والسلام أكثر من ذلك ، ومذهب مالك : أن النكاح بلفظ الهبة لا ينعقد بخلاف أبي حنيفة ، وإعراب خالصة مصدر أو حال أو صفة لامرأة .

{ قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم } : يعني أحكام النكاح من الصداق والولي والاقتصار على أربع وغير ذلك { لكيلا يكون عليك حرج } يتعلق بالآية التي قبله أي : بينا أحكام النكاح لئلا يكون عليك حرج أو لئلا يظن بك أنك فعلت ما لا يجوز ، وقال الزمخشري : يتعلق بقوله : { خالصة لك } .