تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحۡلَلۡنَا لَكَ أَزۡوَٰجَكَ ٱلَّـٰتِيٓ ءَاتَيۡتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـٰتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَٰلَٰتِكَ ٱلَّـٰتِي هَاجَرۡنَ مَعَكَ وَٱمۡرَأَةٗ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنۡ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسۡتَنكِحَهَا خَالِصَةٗ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۗ قَدۡ عَلِمۡنَا مَا فَرَضۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ لِكَيۡلَا يَكُونَ عَلَيۡكَ حَرَجٞۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (50)

الآية 50 وقوله تعالى : { يا أيها النبي إذا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن } يحتمل هذا وجهين :

أحدهما : { إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن } أي ضمنت أجورهن ، وقبلت . ويكون الإيتاء عبارة عن القبول والضمان .

وذلك جائز نحو قوله : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } [ التوبة : 5 ] هو على القبول [ والضمان ]( {[16736]} ) : تأويله : { فإن تابوا } وقبلوا [ إقامة الصلاة وإيتاء ]( {[16737]} ) الزكاة : { فخلوا سبيلهم } ليس على فعل الإيتاء بنفسه ، إذ لا يجب إلا بعد حولان الحول .

وكذلك قوله : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } إلى قوله : { حتى يعطوا الجزية } [ التوبة : 29 ] ليس على نفس الإعطاء ولكن حتى يقبلوا الجزية ؛ إذ الإعطاء إنما يجب إذا حال الحول .

فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : { اللاتي آتيت أجورهن } أي قبلت أجورهن ، وضمنت .

والثاني : { إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي } هن لك إذا { آتيت أجورهن } أي قبلت .

معناه : إنا أحللنا لك إبقاءهن إذا آتيت أجورهن .

وفيه دلالة أن المهر قد يسمى أجرا ، فيكون قوله : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } [ النساء : 24 ] أي مهورهن . فيكون الاستمتاع بهن استمتاعا في النكاح .

فعلى ذلك يجوز أن يكون قوله : { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين } فيكون الخلوص له بلا أجر لا بلفظة الهبة ، لأنه ذكر على إثر ذكر حل أزواجه بالأجر . كأنه قال : { إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن } وأحللنا لك أيضا امرأة { مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين } بغير أجر ، لأن خلوص الشيء إنما يكون إذا خلص له بلا بدل ولا مؤنة .

فأما أن يكون الخلوص بلفظة دون لفظة فلا .

وبعد فإنه قد ذكر في آخر الآية ما يدل على [ ما ]( {[16738]} ) ذكرنا . وهو قوله : { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم } دل هذا أن خلوص تلك المرأة بعد ما( {[16739]} ) ذكر هذا له خرج مخرج الامتنان عليه . فلا منة له عليه في لفظة الهبة ، إذ ليست المنة( {[16740]} ) في لفظة التزويج ، فيقول( {[16741]} ) : وهبت( {[16742]} ) مكان قوله : زوجت .

دل أن المنة له عليه في ما صارت له بلا مهر لا في لفظة الهبة .

[ ويحتمل ]( {[16743]} ) أن يكون قوله : { خالصة لك من دون المؤمنين } في الآخرة ، أي لا تحل لأحد سواك إذا تزوجتها ، وصارت من أزواجك .

فأما أن يفهم من قوله : { خالصة لك من دون المؤمنين } بلفظة الهبة فلا ؛ إذ لا فرق بين أن يقول : وهبت وبين أن يقول : زوجت .

وبعد فإن كثيرا من الصحابة وأهل التأويل من نحو عبد الله بن مسعود وابن عباس وغيرهما رضي الله عنهما ، لم يفهموا من قوله : { خالصة لك } بلفظة دون لفظة حتى روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في قوله : { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } هم الموهوبات . فما بال الشافعي في فهم ذلك ما ذكر ؟

وبعد فإنه ليس من عقد إلا وهو يحتمل الانعقاد بلفظة الهبة من البياعات والإجارات وغيرها . فعلى ذلك النكاح ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وما ملكت يمينك } أي قد أحللنا لك مما ملكت يمينك ، وأحللنا لك أيضا { وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك } ثم جائز أن يكون حل بنات من ذكر من الأعمام والأخوال للناس بهذه الآية ، لأنهن لم يذكرن في المحرمات في سورة النساء ، فيكون ذكر حلهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرا للناس كافة كما كان ذكر حل نكاح حليلة زيد بن حارثة له حلا للناس في أزواج حلائل [ أدعيائهم حين ]( {[16744]} ) قال : { لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم } [ الأحزاب : 37 ] فعلى ذلك الأول ، أو أن تكون معرفة حل نكاح( {[16745]} ) بنات الأعمام والعمات ومن ذكر بقوله : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } [ النساء : 24 ] إذ ذكر المحرمات في الآية [ السابقة ]( {[16746]} ) على إبلاغ ما كان بنسب وما كان بسبب . ثم قال : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } فيكون ما وراء المذكورات محللات بظاهر الآية إلا ما كان في معنى المذكورات في الحرمة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { اللاتي هاجرن معك } لم يفهم أحد من قوله : { هاجرن معك } الهجرة معه حتى لا يتقدمن ، ولا يتأخرن . بل دخل في قوله { معك } من هاجر منهن من قبل ومن بعد ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ما فرضنا عليهم في أزواجهم } قال بعضهم : ما فرضنا على الناس في أزواجهم ، وهن أربعة نسوة ، لا تحل الزيادة على الأربع { وما ملكت أيمانهم } وهن الجواري والخدم ، يجوز الزيادة على ذلك ، وإن كثرن .

وقال بعضهم : كان مما فرض الله ألا يتزوج الرجل إلا بولي ومهر وشهود . إلا النبي خاصة فإنه يجوز له أن تهب المرأة نفسها بغير ولي ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم } فرضنا أي بينا ما يجوز وما لا يجوز ، أي بين ذلك في الأزواج ، أو فرضنا أوجبنا عليهم في أزواجهم من الأحكام والحقوق ونحوها ، والله أعلم .


[16736]:ساقطة من الأصل وم.
[16737]:في الأصل وم: وإيتاء.
[16738]:من م، ساقطة من الأصل.
[16739]:في الأصل وم: فإن.
[16740]:في الأصل وم: تلك.
[16741]:الفاء ساقطة من الأصل وم.
[16742]:أدرجت في الأصل وم بعد: قوله.
[16743]:في الأصل وم: أو.
[16744]:في الأصل وم: النبي حيث.
[16745]:من م، في الأصل: النكاح.
[16746]:ساقطة من الأصل وم.