غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحۡلَلۡنَا لَكَ أَزۡوَٰجَكَ ٱلَّـٰتِيٓ ءَاتَيۡتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـٰتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَٰلَٰتِكَ ٱلَّـٰتِي هَاجَرۡنَ مَعَكَ وَٱمۡرَأَةٗ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنۡ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسۡتَنكِحَهَا خَالِصَةٗ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۗ قَدۡ عَلِمۡنَا مَا فَرَضۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ لِكَيۡلَا يَكُونَ عَلَيۡكَ حَرَجٞۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (50)

41

ثم عاد إلى تعليم النبي صلى الله عليه وسلم . وفائدة قوله { اللاتي آتيت أجورهن } وقوله { مما أفاء الله عليك } وقوله { اللاتي هاجرن معك } هي أن الله تعالى اختار لرسوله الأفضل الأولى ، وذلك أن سوق المهر إليها عاجلاً أفضل من أن تمسيه وتؤجله . وكان التعجيل ديدن السلف ومن الناس من قال : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجب عليه إعطاء المهر لأن المرأة لها الامتناع إلى أن تأخذ مهرها ، والنبي عليه السلام لم يكن يستوفي مالا يجب له كيف وإنه إذا طلب شيئاً حرم الامتناع على المطلوب منه . والظاهر أن طالب الوطء ولا سيما في المرة الأولى يكون هو الرجل لحياء المرأة ، ولو طلب النبيّ صلى الله عليه وسلم من المرأة التمكين قبل المهر لزم أن يجب وأن لا جيب ، ولا كذلك أحدنا . ومما يؤكد هذا قوله { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبيّ } صلى الله عليه وسلم يعني حينئذ لا يبقى لها صداق فتصير كالمستوفية مهرها . والجارية إذا كانت سبية مالكها ومخطوبة سيفه ورمحه فإنها أحل وأطيب من المشتراة لكونها غير معلومة الحال . قال جار الله : السبي على ضربين : سبي طيبة وهي ما سبي من أهل الحرب ، وسبي خبيثة وهي ما سبي ممن له عهد ، فلا جرم قال سبحانه { مما أفاء الله عليك } لأن فيء الله لا يطلق إلا على الطيب دون الخبيث ، وكذلك اللاتي هاجرن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقاربه غير المحارم أفضل من غير المهاجرات معه . وإنما لم يجمع العم والخال اكتفاء بجنسيتها مع أن لجمع البنات دلالة على ذلك لامتناع اجتماع أختين تحت واحد ، ولم يحسن الاقتصار في العمة والخالة لإمكان سبق الوهم إلى أن التاء فيهما للوحدة وشرط في استحلال الواهبة نفسها إرادة استنكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه قال : أحللناها لك إن وهبت لك نفسها وأنت تريد أن تستنكحها . وفيه أنه لا بد من قبول الهبة حتى يتم النكاح ، وبه استدل أبو حنيفة على جواز عقد النكاح بلفظ الهبة ، وحملها الشافعي على خصائص النبي صلى الله عليه وسلم . وعن أبي الحسن الكرخي أن عقد النكاح بلفظ الإجارة جائز لقوله { اللاتي آتيت أجورهن } قال أبو بكر الرازي : لا يصح لأن الإجارة عقد مؤقت وعقد النكاح مؤبد . والظاهر أن { خالصة } حال من { امرأة } وقال جار الله : هي مصدر مؤكد كوعد الله أي خلص لك الإحلال خلوصاً . وفائدة هذا الحال على مذهب الشافعي ظاهرة . وقال أبو حنيفة : أراد بها أنها زوجته وهي من أمهات المؤمنين فأورد عليه أن أزواجه كلهن خالصات له فلا يبقى لتخصيص الواهبة فائدة . وقوله { قد علمنا ما فرضنا عليهم } جملة اعتراضية معناها أن الله قد علم ما يجب على المؤمنين في حق الأزواج وفي الإماء على أي حدّ وصفة ينبغي أن يكون . ثم بين غاية الإحلال بقوله { لكيلا يكون عليك حرج } أي لئلا يكون عليك ضيق في دينك ولا في دنياك حيث أحللنا لك أصناف المنكوحات { وكان الله غفوراً } للذي وقع في الحرج { رحيماً } بالتوسعة والتيسير على عباده .

/خ73