محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحۡلَلۡنَا لَكَ أَزۡوَٰجَكَ ٱلَّـٰتِيٓ ءَاتَيۡتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـٰتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَٰلَٰتِكَ ٱلَّـٰتِي هَاجَرۡنَ مَعَكَ وَٱمۡرَأَةٗ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنۡ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسۡتَنكِحَهَا خَالِصَةٗ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۗ قَدۡ عَلِمۡنَا مَا فَرَضۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ لِكَيۡلَا يَكُونَ عَلَيۡكَ حَرَجٞۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (50)

{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } أي مهورهن فإنها أجور الأبضاع . وإيتاؤها ، إما إعطاؤها معجلة ، أو تسميتها في العقد . وكان التعجيل ديدن السلف وسنتهم ، وما لا يعرف بينهم غيره .

قال ابن كثير : كان مهر النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه اثني عشرة أوقية ونشا . وهو نصف أوقية . فالجميع خمسمائة درهم . إلا أم حبيبة بنت أبي سفيان فإنه أمهرها عنه النجاشي رحمه الله تعالى أربعمائة دينار . وإلا صفية بنت حي فإنه اصطفاها من سبي خيبر ثم أعتقها وجعل عتقها صداقها . وكذلك جويرية بنت الحارث المصطلقية أدى عنها كتابتها إلى ثابت بن قيس وتزوجها . رضي الله عنهن . انتهى .

وتقييد الإحلال له عليه الصلاة والسلام بإعطاء المهور ، ليس لتوقف الحل عليه . ضرورة أنه يصح العقد بلا تسمية . ويجب مهر المثل أو المتعة على تقديري الدخول وعدمه . بل لإيثار الأفضل والأولى له عليه الصلاة والسلام . كتقييد إحلال المملوكة بكونها مسبية ، في قوله تعالى : { وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ } فإن المشتراة لا يتحقق بدء أمرها وما جرى عليها .

قال ابن كثير : أي وأباح لك التسري مما أخذت من المغانم . وقد ملك صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما . وملك ريحانة بنت شمعون النضرية ومارية القبطية أم ابنه إبراهيم عليه السلام ، وكانتا من السراري ، رضي الله عنهما { وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ } أي من مكة ، إلى المدينة . والتقييد لبيان الأفضل كما تقدم . ولهم في إفراد العم والخال وجمع العمة والخالة ، عدة أوجه . فيها اللطيف والضعيف . وعندي أن الإفراد والجمع تابع لمقتضى السبك والنظم ورقة التعبير ورشاقة التأدية . كما يدريه من يذوق طعم بلاغة القول ، ويشرب من عين فصاحته . فالإفراد فيهما هنا أرق وأعذب من الجمع . كما أن في آية {[6203]} : { بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم } أمتن وأبلغ من الإفراد ولكل مقام مقال . ولكل مجال حال { وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا } . أي يتزوجها ويرغب في قبول هبة نفسها بدون مهر . وقد سمي من الواهبات ميمونة بنت الحارث وزينب بنت خزيمة أم المساكين الأنصارية وام شريك بنت جابر وخولة بنت حكيم رضي الله عنهن . وفي البخاري {[6204]} : عن عائشة قالت : ( كنت أغار من اللائي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم وأقول : أتهب المرأة نفسها ؟ فلما أنزل الله تعالى {[6205]} : { تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء } الآية – قلت ما أرى ربك إلا يسارع في هواك ) .

وعن ابن عباس ، ( أنه لم يكن عنده صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له ) . أي أنه لم يقبل ذلك وإن كان مباحا له . لأنه مردود إلى إرادته . والله أعلم .

قال ابن القيم : وأما من خطبها صلى الله عليه وسلم ولم يتزوجها ، ومن وهبت نفسها له ولم يتزوجها ، فنحو أربع أو خمس . وقال بعضهم : هن ثلاثون امرأة . وأهل العلم بالسيرة وأحواله صلى الله عليه وسلم ، لا يعرفون هذا بل ينكرونه .

قال أبو السعود : وإيراده عليه الصلاة والسلام في الموضعين بعنوان النبوة بطريق الالتفات ، للتكرمة والإيذان بأنها المناط لثبوت الحكم فيختص به عليه السلام حسب اختصاصها به كما ينطبق به قوله تعالى { خَالِصَةً لَّكَ } أي خلص لك إحلالها خالصة أي خلوصا ، فهي مصدر مؤكد ، أو صفته أي هبة خالصة { مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } أي فإنهم لا تحل لهم الموهوبة إلا بولي ومهر ، خوف أن يستسري النساء وينتشر الفحش بدعوى ذلك . قال قتادة : ( ليس لامرأة تهب نفسها لرجل ، بغير ولي ولا مهر إلا للنبي صلى الله عليه وسلم ) { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ } أي على المؤمنين { فِي أَزْوَاجِهِمْ } أي في حلها من الولي والشهود والمسمى { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } أي في حلها من توسيع الأمر فيها . وقال السيوطي في ( الإكليل ) : فسر بالاستبراء . وليس له في القرآن ذكر إلا ها هنا . { لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ } أي ضيق . واللام متعلقة ب { خالصة } أو بفعل يفهم مما قبله . أي قد علمنا ما فرضنا عليهم ، وأسقطناه عنك لرفع الحرج عنك والضيق ، فيما اقتضته الحكمة والعناية بك { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } أي يغفر ما يعسر التحرر عنه ، ويرحم فيما يوسع في مواقع الحرج .


[6203]:(24 / النور / 61).
[6204]:أخرجه البخاري في: 65 – كتاب التفسير، 33 – سورة الأحزاب، 7 – باب قوله: {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء}، حديث 2033.
[6205]:(33 / الأحزاب / 51).