معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي  
{۞جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلۡكَعۡبَةَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ قِيَٰمٗا لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَٱلۡهَدۡيَ وَٱلۡقَلَـٰٓئِدَۚ ذَٰلِكَ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (97)

قوله تعالى : { جعل الله الكعبة البيت الحرام } ، قال مجاهد : سميت كعبة لتربيعها ، والعرب تسمي كل بيت مربع كعبةً ، قال مقاتل : سميت كعبة لانفرادها من البناء ، وقيل : سميت كعبة لارتفاعها من الأرض ، وأصلها من الخروج والارتفاع ، وسمي الكعب كعباً لنتوه ، وخروجه من جانبي القدم ، ومنه قيل للجارية إذا قاربت البلوغ ، وخرج ثديها تكعبت . وسمي البيت الحرام : لأن الله تعالى حرمه ، وعظم حرمته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ) . قوله تعالى : { قياماً للناس } ، قرأ ابن عامر { قيماً } بلا ألف ، والآخرون : ( قياما ) بالألف ، أي قواماً لهم في أمر دينهم ودنياهم . أما الدين لأن به يقوم الحج والمناسك ، وأما الدنيا فيما يجبى إليه من الثمرات ، وكانوا يأمنون فيه من النهب والغارة ، فلا يتعرض لهم أحد في الحرم .

قال الله تعالى : { أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم } [ العنكبوت :67 ]

قوله تعالى : { والشهر الحرام } . أراد به الأشهر الحرم وهي : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب ، أراد أنه جعل الأشهر الحرم قياماً للناس ، يأمنون فيها القتال .

قوله تعالى : { والهدي والقلائد } . أراد أنهم كانوا يأمنون بتقليد الهدي ، فذلك القوام فيه .

قوله تعالى : { ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم } ، فإن قيل : أي اتصال لهذا الكلام بما قبله ؟ قيل : أراد الله عز وجل جعل الكعبة قياماً للناس لأن الله تعالى يعلم صلاح العباد ، كما يعلم ما في السماوات وما في الأرض . وقال الزجاج : قد سبق في هذه السورة الإخبار عن الغيوب ، والكشف عن الأسرار ، مثل قوله { سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين } ، ومثل إخباره بتحريفهم الكتب ، ونحو ذلك فقوله : { ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض } راجع إليه .