ثم ذكر سبب حرمة الصيد في الحرم وفي الإحرام فقال { جعل الله } أي حكم وبين بالخطاب والتعريف ، أو صير بخلق دواعي التعظيم في القلوب { قياماً للناس } وهم العرب ووجه المجاز أن أهل بلدة إذا قالوا «الناس فعلوا كذا » أرادوا أهل بلدتهم فنطق القرآن على مجرى عادتهم . وبيان القيام أن قوام المعيشه إما بكثرة المنافع وقد جعله بحيث يجبى إليه ثمرات كل شيء ، وإما بدفع المضار وقد صيره حرماً آمناً ، وإما بحصول الجاه والرياسة وتوفر الدواعي والرغبات وذلك بدعاء إبراهيم عليه السلام . { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } [ إبراهيم :37 ] ثم المنافع الدينية الحاصلة من مناسكها وشعائرها أكثر من أن تحصى وأظهر من أن تخفى . وانتصب { البيت الحرام } على أنه عطف بيان على جهة المدح لا على جهة التوضيح إذ الكعبة أوضح من أن توضح ، ويحتمل أن يراد بالناس عامة الناس لما يتم لهم من أمر حجهم وعمرتهم وتجارتهم وأنواع منافعهم الدينية والدنيوية . وعن عطاء بن أبي رباح : لو تركوه عاماً واحداً لم ينظروا ولم يؤخروا . وتفسير الشهر الحرام والهدي والقلائد تقدم في أوّل السورة . وإنما كان الشهر الحرام سبباً لقيام الناس وقوامهم لأنه إذا دخل الشهر الحرام كان يزول خوفهم ويقدرون على الأسفار وتحصيل الأقوات قدر ما يكفيهم طول السنة ، فلولا حرمة ذلك لهلكوا من الجوع . وأيضاً هو سبب لاكتساب الثواب من قبل مناسك الحج وإقامتها . وأما الهدي فإنه نسك للمهدي وقوام لمعايش الفقراء ، وكذا القلائد فكان من قلد الهدي أو قلد نفسه من لحاء شجر الحرم لم يتعرض له أحد ، وكل ذلك لأن الله تعالى أوقع في قلوبهم تعظيم الكعبة وما يتعلق بها ذلك الذي ذكر من جعل الكعبة قياماً للناس أو من حفظ حرمة الإحرام والحرم مشروع { لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض } وذلك أنه علم في الأزل أن مقتضى طباع العرب الحرص على القتل والغارة وكان ذلك مما يفضي إلى الفناء وانقطاع النسل ، فدبر هذا التدبير المحكم والفعل المتقن كي يصير سبباً للأمان في بعض الأمكنة وفي بعض الأزمان فتستقيم مصالح الإنسان . ولا ريب أن مثل هذا التقدير والتدبير لا يصح إلا ممن يعلم الكائنات وأسبابها وغاياتها بل يعلم المعلومات بأسرها كلياتها وجزئياتها قديمها وحديثها ، عللها ومعلولها ، موجودها ومعدومها ، وذلك قوله { وأن الله بكل شيء عليم } فما أحسن هذا الترتيب ! .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.