الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلۡكَعۡبَةَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ قِيَٰمٗا لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَٱلۡهَدۡيَ وَٱلۡقَلَـٰٓئِدَۚ ذَٰلِكَ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (97)

قوله : { جعل الله الكعبة البيت الحرام } الآية [ 99 ] .

إنما سميت الكعبة كعبة لتربيعها{[18130]} ، قاله عكرمة ومجاهد{[18131]} . وقيل : لتربيع أعلاها{[18132]} .

ومعنى { قياما }{[18133]} أي : جعلها بمنزلة الرئيس الذي يقوم به أمر أتباعه ، فهي تحجزهم{[18134]} عن ظلم بعضهم بعضا ، وقيل : جعلها مصالح لأمورهم{[18135]} ، كالرئيس الذي يصلح أمر من يتبعه ، وكذلك { الهدي والقلائد } جعل ذلك أيضا قياما للناس{[18136]} .

والناس – هنا - : من كان في الجاهلية ، كان الرجل لا يخاف إذا دخل في الحرم ولو لقي من قتل أباه أو أخاه ، لم يخف الفاعل في الحرم ، وإذا لقي الهدي لم يعرض له القاطع ولا الجائع ، وكان الرجل إذا أراد الحج تقلد بقلادة من شعر ، وإذا رجع تقلد بقلادة من لحاء شجر الحرم ، فلا يعرض له ولا يؤذى حتى يصل ( إلى ){[18137]} أهله{[18138]} .

وقيل : الناس هنا : جميع الناس{[18139]} .

قال ابن عباس : قياما لدينهم ومعلما لحجهم{[18140]} . قال ابن زيد : كان الناس كلهم فيهم ملوك يدفع بعضهم عن بعض ، ولم يكن في العرب ملوك يدفع عن بعضهم ( ظلم بعض ){[18141]} ، فجعل الله لهم البيت{[18142]} الحرام قياما ، يدفع بعضهم عن بعض ، وكذلك الشهر الحرام لا يؤذى أحد في الحرم ، ولا في الشهر الحرام وإن كان ذا جناية ، وهذا ( كله منسوخ ){[18143]} بالحدود ( و ){[18144]} بقوله : { فاقتلوا{[18145]} المشركين حيث وجدتموهم }{[18146]} ، لا يمنع الحرم من الاقتصاص من جان{[18147]} ، ولا من إقامة حد على من وجب عليه الحد ، وهذا إجماع{[18148]} .

وقيل { قياما } يأتمون بها ويقومون بشرائعها{[18149]} . وقيل : ( معنى ){[18150]} { قياما للناس } أي : بالحج يسلمون من استعجال{[18151]} العقوبات{[18152]} .

قال بعض العلماء لو ترك الناس الحج عاما واحدا ما أنظروا{[18153]} .

/ قوله : { ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض } الآية [ 99 ] .

( ذلك ) إشارة إلى ما تقدم من قوله : { جعل الله الكعبة البيت الحرام } الآية ، فالمعنى : ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما تحدثون وما تصنعون ، كما يعلم ما في السموات و{ ما في الأرض }{[18154]} ، ولتعلموا أن الله بكل شيء عليم لا يخفى عليه شيء من أموركم{[18155]} .

قال المبرد : كانت الجاهلية تعظم البيت الحرام و{ الأشهر الحرم }{[18156]} ، كانوا{[18157]} يُسَمُّون رجبا : الاصم ، لأنه ( لا ){[18158]} يسمع فيه وقع السلاح{[18159]} ، فأعلم{[18160]} الله ما يكون منهم من إغارة بعضهم على بعض ، فألهمهم ( الله ){[18161]} ألا يقاتلوا في الأشهر الحرم ، ولا عند البيت الحرام ولا من كان معه القلائد ، ثم أعلمهم أن الذي ألهمهم هذا{[18162]} يعلم ما في السماوات وما في الأرض{[18163]} .

وفي تكرير الاسم في قوله : { وأن الله } ، ولم يقل : ( وأنه ) ، معنى التعظيم{[18164]} .


[18130]:د: لتربعها.
[18131]:انظر: تفسير الطبري 11/90.
[18132]:انظر: معاني الزجاج 2/210، وإعراب النحاس 1/520.
[18133]:قرأ (ابن عامر وحده (قِيَماً) بغير ألف): السبعة 248.
[18134]:ج: تعجزهم.
[18135]:ج: نامورهم. وانظر: غريب ابن قتيبة 147، وحجة ابن زنجلة 237.
[18136]:انظر: تفسير الطبري 11/89 وما بعدها، وانظر: الكشف 1/419.
[18137]:ساقطة من د.
[18138]:هو قول قتادة وابن زيد وابن عباس في تفسير الطبري 11/93 و94.
[18139]:هو قول مجاهد وابن جبير وابن عباس والسدي في تفسير الطبري 11/91 و92.
[18140]:انظر: تفسير الطبري 11/92.
[18141]:ساقطة من ب.
[18142]:ج: الكعبة البيت.
[18143]:ب ج د: منسوخ كله.
[18144]:ساقطة من ب ج د.
[18145]:في جميع النسخ: اقتلوا.
[18146]:التوبة: 5. وانظر: تفسير الطبري 9/469، 476، 11/93.
[18147]:ب ج د: جاني.
[18148]:انظر: تفسير الطبري 9/479، والحديث عن نسخ الآية 3 من (المائدة) في تفسيرها.
[18149]:انظر: معاني الزجاج 2/210.
[18150]:ساقطة من ب ج د.
[18151]:ب ج د: استعجل.
[18152]:انظر: تفسير البحر 4/25.
[18153]:ب: إن نظروا غير منقوطة. وهو قول عطا في تفسير البحر 4/25 و26.
[18154]:ساقطة من ب ج د.
[18155]:انظر: تفسير الطبري 11/94.
[18156]:ب: الأشهر الحرام. لا الشهر الحرام.
[18157]:ب ج د: حتى كانوا.
[18158]:ساقطة من ب.
[18159]:د: السلام.
[18160]:ب ج د: فعلم.
[18161]:ساقطة من ب ج د.
[18162]:ج د: ذلك.
[18163]:هو أحد قولين لتفسير الآية في معاني الزجاج 2/210 من غير ذكر قائله.
[18164]:انظر: القطع والإئتناف 294.