تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{۞جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلۡكَعۡبَةَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ قِيَٰمٗا لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَٱلۡهَدۡيَ وَٱلۡقَلَـٰٓئِدَۚ ذَٰلِكَ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (97)

الكعبة : هي البيت الحرام بمكة .

قياما : ما يقوم به أمر الناس .

الشهر الحرام : ذو الحجة .

الهَدي : ما يُهدى إلى الحرم من الأنعام .

القلائد : الأنعام التي كانوا يزينونها بقلائد إذا ساقوها هَديا ، وخصها بالذكر لعظم شأنها .

جاءت هذه الآية استكمالاً للسياق السابق ، فلقد حرّم الله في الآية المتقدمة الصيد على المحرِم ، باعتبار الحرم موطن أمنٍ للوحش والطير ، فالأَولى إذن أن يكون موطن أمن للناس من الآفات والمخاوف ، وسبباً لحصول الخير والسعادة للناس في الدنيا الآخرة .

إن الله جعل الكعبة التي هي البيت الحرام مانعاً وحاجزاً تؤمّن الناس ، أرواحَهم ومصالحهم ومنافعهم في معاشهم ، بها يلوذ الخائف ، ويأمن فيه الضعيف ، ويربح التاجر ، ويتوجه إليها الحجاج والمعتمرون .

فمعنى «قياما » المانع الذي به يكون صلاح الناس ، كالحكومة التي بها قوام الرعية ، ترعاهم وتحجز ظالمهم ، وتدفع عنهم المكروه . كذلك هي الكعبة والشهر الحرام والهَدي والقلائد قوام العرب الذي كان به صلاحهم في الجاهلية .

فقد كان الرجل لو فعل أكبر جريمة ثم لجأ إلى الحرم لم يُتناول ، ولو لقي قاتل أبيه في الشهر الحرام لم يَعرِض له أو يقربه ، ولو لقي الهديَ مقلَّدا ، وهو يأكل العصَب من الجوع لم يقربْه . كان الرجل إذا أراد البيت تقلّد قلادة من شَعر فَحَمَتْه من الناس ، وإذا عاد من الحج تقلد قلادة من الأُذْخر أو السَمُر فمنعته من الناس حتى يأتيَ أهله .

الأذخِر : نبات طيب الريح : السَّمُر : مفردها سَمُرة ، شجر الطَّلح .

وهي في الإسلام معالم حجَ الناس ، ومناسكهم ، فهم في ضيافة الله إذ ذاك ، فليعملوا على جمع شملهم ، ويتجهوا إليه في صلاتهم .

أما الهدي فقد جعله تعالى سبباً لقيام الناس ، لأنه يُهدى إلى البيت ويُذبح ويفرَّق لحمه على الفقراء . . بذلك يكون نسكا للمُهدي ، وقياماً لمعيشة الفقراء .

{ ذلك لتعلموا أَنَّ الله يَعْلَمُ . . . . وَأَنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

إن ذلك التدبير اللطيف من الله تعالى إنما جعله كي توقنوا أن علمه محيط بما في السماوات وما في الأرض ، فهو يشرّع لمن فيهما بما يحفظهم ويقوم بمصالحهم . فإذا أحست قلوب الناس رحمةَ الله في شريعته ، وتذوقت جمال هذا التطابق بينها وبين فطرتهم ، أدركوا يقيناً أن الله بكل شيء عليم .

قراءات :

قرأ ابن عامر «قِيَما » وقرأ الباقون «قياما » كما هو هنا في المصحف .