ذكَّر سبحانه بأمر الحَشْر والقيامةِ ، مبالغةً في التحذير ، ولما بان في هذه الآيات تعظيمُ الحَرَمِ والحُرْمة بالإحرام من أجْل الكعبة ، وأنَّها بيْتُ اللَّه تعالى ، وعنصر هذه الفَضَائلَ ، ذَكَرَ سبحانه في قوله : { جَعَلَ الله الكعبة البيت }[ المائدة :97 ] تنبيهاً سَنَّهُ في الناس ، وهداهم إلَيْهِ ، وحَمَلَ عليه الجاهليَّة الجهلاَءَ من التزامهم أنَّ الكعبة قِوَامٌ ، والهَدْي قِوَامٌ ، والقلائد قِوَام ، أي : أمر يقوم للناس بالتَّأمين ، ووَضْعِ الحربِ أوزارها ، وأعلَمَ تعالى أنَّ التزامَ النَّاس لذلك هو ممَّا شرعه وارتضاه ، و{ جَعَلَ } ، في هذه الآيةِ : بمعنى «صَيَّر » ، والكَعْبَة بيْتُ مكة ، وسمي كعبةً لتربيعه ، قال أهْل اللُّغَة : كلُّ بَيْتٍ مربَّع ، فهو مكعَّب ، وكَعْبة ، وذهب بعض المتأوِّلين إلى أنَّ معنى قوله تعالى : { قِيَاماً لِّلنَّاسِ } أي : موضع وُجُوب قيامٍ بالمناسك والتعبُّدات ، وضَبْطِ النفوسِ في الشهر الحرام ، ومع الهَدْيِ والقلائدِ ، قال مَكِّيٌّ : معنى { قِيَاماً لِّلنَّاسِ } أي : جعلها بمنزلة الرئيس الَّذي يقُومُ به أمر أتباعه ، فهي تحجزهم عَنْ ظُلْم بعضهم بعضاً ، وكذلك الهَدْيُ والقلائد جُعِلَ ذلك أيضاً قياماً للناس ، فكان الرجُلُ إذا دَخَل الحَرَمِ أَمِنَ مِنْ عدوه ، وإذا ساق الهَدْي كذلك ، لم يعرض لَهُ ، وكان الرجُلُ إذا أراد الحجَّ ، تقلَّد بقلادة مِنْ شعر ، وإذا رجع تقلَّد بقلادة من لِحَاءِ شَجَر الحَرَمِ ، فلا يعرض له ، ولا يؤذى حتى يَصِلَ إلى أَهله ، قال ابنُ زيد : كان الناسُ كلُّهم فيهم ملوكٌ تدفع بعضُهُم عن بعض ، ولم يكُنْ في العرب ملوكٌ تدفع عن بعضهم ظُلْمَ بعضٍ ، فجعل اللَّه لهم البَيْتَ الحرامَ قياماً ، يدفَعُ بعضَهُمْ عن بعض ، انتهى . من «الهداية » .
و( الشهرُ ) هنا : اسمُ جنسٍ ، والمراد الأشهر الثلاثةُ بإجماع من العرب ، وشَهْرُ مُضَرَ ، وهو رَجَبٌ ، وأما ( الهَدْيُ ) فكان أماناً لمن يسوقه ، لأنه يعلم أنه في عبادةٍ لم يأت لحَرْبٍ ، وأما ( القلائد ) فكذلك كان الرجُلُ إذا خَرَج يريدُ الحَجِّ ، تقلَّد مِنْ لحاء السَّمُرِ أو غيره شيئاً ، فكان ذلك أماناً له ، وكذلك إذا انصرفوا ، تقلَّدوا من شجر الحَرَمِ ، وقوله { ذلك } : إشارةٌ إلى أنَّ جعل اللَّه هذه الأمور قياماً .
وقوله سبحانه : { بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } عامٌّ عموماً تامًّا في الجزئيَّات ودَقائِقِ الموجودات ، والقولُ بغير هذا إلحادٌ في الدِّين وكُفْر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.