بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلۡكَعۡبَةَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ قِيَٰمٗا لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَٱلۡهَدۡيَ وَٱلۡقَلَـٰٓئِدَۚ ذَٰلِكَ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (97)

قوله تعالى :

{ جَعَلَ الله الكعبة البيت الحرام قِيَاماً لّلنَّاسِ }

يعني : لجأ إلى الحرم آمناً للناس . كان الرجل إذا أصاب ذنباً أو قتل قتيلاً ثم لجأ إلى الحرم آمناً بذلك . ويقال :{ قياماً للناس } يعني قواماً لمعايشهم . قرأ ابن عامر : { قَيِّماً } على جهة المصدر وقرأ الباقون : { قِيَاماً } على جهة الاسم والمصدر . وإنما سميت الكعبة كعبة لارتفاعها . ولهذا سمي الكعبان . ويقال للجارية : إذا نهدت ثدياها قد كعبت ثدياها وهي كاعب كما قال : { وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً } [ النبأ : 33 ] .

ثم قال : { والشهر الحرام والهدي والقلائد } يعني : جعل الشهر الحرام والهديَ والقلائد آمناً للناس وقواماً لمعايشهم ، لأنهم كانوا إذا توجهوا إلى مكة ، وقلّدوا الهدي ، أمنوا . ويقال : { جَعَلَ الله الكعبة البيت الحرام قِيَاماً لّلنَّاسِ } يعني : معالم للناس . وقال مقاتل بن حيان : يعني : علماً لقبلتهم يصلون إليها . وقال سعيد بن جبير : صلاحاً لدينهم . وحرم عليهم الغارة في الشهر الحرام ، وأخذ الهدي والقلائد في الشهر الحرام . { ذلك } الذي جعل الله من الأمن { لِتَعْلَمُواْ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } يعني : لتعلموا أن الله يعلم صلاح ما في السموات وما في الأرض .

{ وَأَنَّ الله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ } يقول : عليم بكل شيء من صلاح الخلق ، ويقال : هو مردود إلى ما أنبأ الله تعالى على لسان نبيه في هذه السورة من أخبار المنافقين ، وإظهار أسرارهم . فقال : ذلك الذي ذكر الله تعالى لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم من السر والعلانية .