أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا لَقِيَا غُلَٰمٗا فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلۡتَ نَفۡسٗا زَكِيَّةَۢ بِغَيۡرِ نَفۡسٖ لَّقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـٔٗا نُّكۡرٗا} (74)

{ فانطلقا } أي بعد ما خرجا من السفينة . { حتى إذا لقيا غلاما فقتله } قيل فتل عنقه ، وقيل ضرب برأسه الحائط ، وقيل أضجعه فذبحه والفاء للدلالة على أنه كما لقيه قتله من غير ترو واستكشاف حال ولذلك : { قال أقتلت نفسا زكيّة بغير نفس } أي طاهرة من الذنوب ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ورويس عن يعقوب " زاكية " والأول أبلغ ، وقال أبو عمرو الزاكية التي لم تذنب قط والزكية التي أذنبت ثم غفرت ، ولعله اختار الأول لذلك فإنها كانت صغيرة ولم تبلغ الحلم أو أنه لم يرها قد أذنبت ذنبا يقتضي قتلها ، أو قتلت نفسا فتقاد بها ، نبه به على أن القتل إنما يباح حدا أو قصاصا وكلا الأمرين منتف ، ولعل تغيير النظم بأن جعل خرقها جزاء ، واعتراض موسى عليه الصلاة والسلام مستأنفا في الأولى في الثانية قتله من جملة الشرط واعتراضه جزاء ، لأن القتل أقبح والاعتراض عليه أدخل فكان جديرا بأن يجعل عمدة الكلام ولذلك فصله بقوله : { لقد جئت شيئا نُكراً } أي منكرا ، وقرأ نافع في رواية قالون وورش وابن عامر ويعقوب وأبو بكر { نُكراً } بضمتين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا لَقِيَا غُلَٰمٗا فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلۡتَ نَفۡسٗا زَكِيَّةَۢ بِغَيۡرِ نَفۡسٖ لَّقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـٔٗا نُّكۡرٗا} (74)

يدل تفريع قوله : { فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً } عن اعتذار موسى ، على أن الخضر قبل عذره وانطلقا مصطحبين .

والقول في نظم قوله : { حتى إذا لقيا غلاماً } كالقول في قوله : { حتى إذا ركبا في السفينة } [ الكهف : 71 ] .

وقوله : { فقتله } تعقيب لفعل { لقيا } تأكيداً للمبادرة المفهومة من تقديم الظرف ، فكانت المبادرة بقتل الغلام عند لقائه أسرع من المبادرة بخرق السفينة حين ركوبها .

وكلام موسى في إنكار ذلك جرى على نسق كلامه في إنكار خرق السفينة سوى أنه وصف هذا الفعل بأنه نكُر ، وهو بضمتين : الذي تنكره العقول وتستقبحه ، فهو أشد من الشيء الإمْر ، لأن هذا فساد حاصل والآخر ذريعة فساد كما تقدم . ووصف النفس بالزاكية لأنها نفس غلام لم يبلغ الحلم فلم يقترف ذنباً فكان زكياً طَاهراً . والزكاء : الزيادة في الخير .

وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر ، ورويس عن يعقوب { زَاكية } بألف بعد الزاي اسم فاعل من زكا . وقرأ الباقون { زكية } ، وهما بمعنى واحد .

قال ابن عطية : النون من قوله : { نكراً } هي نصف القرآن ، أي نصف حروفه . وقد تقدم أن ذلك مخالف لقول الجمهور : إن نصف القرآن هو حرف التاء من قوله تعالى : { وليتلطف } في هذه السورة ( 19 ) .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا لَقِيَا غُلَٰمٗا فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلۡتَ نَفۡسٗا زَكِيَّةَۢ بِغَيۡرِ نَفۡسٖ لَّقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـٔٗا نُّكۡرٗا} (74)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله العالم، فقال له موسى: أقتلت نفسا زكية.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والبصرة: «أقَتَلْتَ نَفْسا زَاكِيَةً» وقالوا معنى ذلك: المطهرة التي لا ذنب لها، ولم تذنب قطّ لصغرها. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة:"نَفْسا زَكِيّةً" بمعنى: التائبة المغفور لها ذنوبها... وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل الكوفة يقول: معنى الزكية والزاكية واحد... ويقول: هي التي لم تجن شيئا، وذلك هو الصواب عندي لأني لم أجد فرقا بينهما في شيء من كلام العرب...

وقوله: "بِغَيْرِ نَفْسٍ "يقول: بغير قصاص بنفس قتلت، فلزمها القتل قودا بها. وقوله: "لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا نُكْرا" يقول: لقد جئت بشيء منكر، وفعلت فعلاً غير معروف... عن قتادة "لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا نُكْرا" والنّكْرُ أشدّ من الإمر.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{قال أقتلت نَفْساً زَكيةً بغير نفْسٍ} فاختلف هل قاله استخباراً أو إنكاراً على قولين:

أحدهما: أنه قال ذلك استخباراً عنه لعلمه بأنه لا يتعدى في حقوق الله تعالى.

الثاني: أنه قاله إنكاراً عليه لأنه قال: {لقد جئت شيئاً نُكراً}...

{لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً} فيه أربعة أوجه:

أحدها: شيئاً منكراً، قاله الكلبي.

الثاني: أمراً فظيعاً قبيحاً، وهذا معنى قول مقاتل.

الثالث: أنه الذي يجب أن ينكر ولا يفعل.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

اختَلف الناسُ أيّهما أبلَغ قولُه {إمراً} أو قولُه {نُكُراً}... وعندي أنهما لِمَعنيَيْن؛ قوله {إِمْراً} أفظَعُ وأهْوَلُ من حيث هو مُتوقَّع عظيم، و {نُكْراً} أبْيَنُ في الفساد لأن مَكروهه قد وَقع...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وليس في القرآن كيف لقياه هل كان يلعب مع جمع من الغلمان الصبيان أو كان منفردا؟ وهل كان مسلما أو كان كافرا؟ وهل كان منعزلا؟ وهل كان بالغا أو كان صغيرا؟ وكان اسم الغلام بالصغير أليق وإن احتمل الكبير إلا أن قوله: {بغير نفس} أليق بالبالغ منه بالصبي لأن الصبي لا يقتل وإن قتل،... ظاهر الآية يدل على أن موسى عليه السلام استبعد أن يقتل النفس إلا لأجل القصاص بالنفس...

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

وفي الصحيحين وصحيح الترمذي: (ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، قال له موسى: "أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فانطلقا} بعد نزولهما من السفينة وسلامتها من الغرق والغصب {حتى إذا لقيا غلاماً} لم يبلغ الحلم وهو في غاية القوة {فقتله} حين لقيه -كما دلت عليه الفاء العاطفة على الشرط. ثم أجاب الشرط بقوله مشعراً بأن شروعه في الإنكار في هذه أسرع: {قال} أي موسى عليه السلام: {أقتلت} يا خضر {نفساً زكية} بكونها على الفطرة الأولى من غير أن تدنس بخطيئة توجب القتل {بغير نفس} قتلتها ليكون قتلك لها قوداً؛ وهذا يدل على أنه كان بالغاً حتى إذا قتل قتيلاً أمكن قتله به إلا أن يكون شرعهم لا يشترط البلوغ؛ ثم استأنف قوله: {لقد جئت} في قتلك إياها {شيئاً} وصرح بالإنكار في قوله: {نكراً} لأنه مباشرة. والخرق تسبب لا يلزم منه الغرق.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ويقبل الرجل اعتذاره، فنجدنا أمام المشهد الثاني: (فانطلقا. حتى إذا لقيا غلاما فقتله..). وإذا كانت الأولى خرق السفينة واحتمال غرق من فيها؛ فهذه قتل نفس. قتل عمد لا مجرد احتمال. وهي فظيعة كبيرة لم يستطع موسى أن يصبر عليها على الرغم من تذكره لوعده: (قال: أقتلت نفسا زكية بغير نفس؟ لقد جئت شيئا نكرا). فليس ناسيا في هذه المرة ولا غافلا؛ ولكنه قاصد. قاصد أن ينكر هذا النكر الذي لا يصبر على وقوعه ولا يتأول له أسبابا؛ والغلام في نظره بريء. لم يرتكب ما يوجب القتل، بل لم يبلغ الحلم حتى يكون مؤاخذا على ما يصدر منه...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

يدل تفريع قوله: {فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً} عن اعتذار موسى، على أن الخضر قبل عذره وانطلقا مصطحبين.

والقول في نظم قوله: {حتى إذا لقيا غلاماً} كالقول في قوله: {حتى إذا ركبا في السفينة}.

وقوله: {فقتله} تعقيب لفعل {لقيا} تأكيداً للمبادرة المفهومة من تقديم الظرف، فكانت المبادرة بقتل الغلام عند لقائه أسرع من المبادرة بخرق السفينة حين ركوبها.

وكلام موسى في إنكار ذلك جرى على نسق كلامه في إنكار خرق السفينة سوى أنه وصف هذا الفعل بأنه نكُر، وهو بضمتين: الذي تنكره العقول وتستقبحه، فهو أشد من الشيء الإمْر، لأن هذا فساد حاصل والآخر ذريعة فساد كما تقدم. ووصف النفس بالزاكية لأنها نفس غلام لم يبلغ الحلم فلم يقترف ذنباً فكان زكياً طَاهراً. والزكاء: الزيادة في الخير...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

وبدأ الدرس الثاني، ولكن الموقف كان أكثر إثارة للدهشة والإنكار، لأنه كان يجسّد الجريمة بطريقةٍ طبيعيةٍ...

. وبذلك كانت المسألة لا تحمل أيّ تبريرٍ من أيّة جهةٍ كانت، لأن مبررات القتل واضحةٌ في مواردها الشرعية التي ليست موجودة في هذه الحادثة، ولذلك وقف موسى ليحتج بشدّةٍ على هذه الجريمة البشعة، {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} أي طاهرةً {بِغَيْرِ نَفْسٍ} أي من دون أن يقتل نفساً محترمة؟ {لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً} ينكره الشرع والناس والوجدان...