{ واذكر عبدنا أيوب } هو ابن عيص بن إسحاق وامرأته ليا بنت يعقوب صلوات الله عليه . { إذ نادى ربه } بدل من { عبدنا } و { أيوب } عطف بيان له . { أني مسني } بأن مسني ، وقرأ حمزة بإسكان الياء وإسقاطها في الوصل . { الشيطان بنصب } بتعب . { وعذاب } ألم وهي حكاية لكلامه الذي ناداه به ولولا هي لقال إنه مسه ، والإسناد إلى { الشيطان } إما لأن الله مسه بذلك لما فعل بوسوسته كما قيل إنه أعجب بكثرة ماله أو استغاثة مظلوم فلم يغثه ، أو كانت مواشيه في ناحية ملك كافر فداهنه ولم يغزه ، أو لسؤاله امتحانا لصبره فيكون اعترافا بالذنب أو مراعاة للأدب ، أو لأنه وسوس إلى أتباعه حتى رفضوه وأخرجوه من ديارهم ، أو لأن المراد بالنصب والعذاب ما كان يوسوس إليه في مرضه من عظم البلاء والقنوط من الرحمة ويغريه على الجزع ، وقرأ يعقوب بفتح النون على المصدر ، وقرئ بفتحتين وهو لغة كالرشد والرشد وبضمتين للتثقيل .
هذا مَثَل ثانٍ ذُكّر به النبي صلى الله عليه وسلم إسوة به في الصبر على أذى قومه والالتجاء إلى الله في كشف الضر ، وهو معطوف على { واذكر عبدنا داود ذا الأيد } [ ص : 17 ] ولكونه مقصوداً بالمَثل أعيد معه فعل { اذْكُر } كما نبهنا عليه في قوله : { واذكر عبدنا داود } [ ص : 17 ] ، وقد تقدم الكلام على نظير صدر هذه الآية في سورة الأنبياء . وترجمة أيوب عليه السلام تقدمت في سورة الأنعام .
وإذ كانت تعدية فعل { اذكر } إلى اسم أيوب على تقدير مضاف لأن المقصود تذكّر الحالة الخاصة به كان قوله : { إذ نادى ربّه } بدل اشتمال من أيوب لأن زمن ندائه ربَّه مما تشتمل عليه أحوال أيّوب . وخص هذا الحال بالذكر من بين أحواله لأنه مظهر توكّله على الله واستجابة الله دعاءه بكشف الضر عنه .
والنداء : نداء دُعاء لأن الدعاء يفتتح ب : يا رب ، ونحوه .
و { أنِّي مسَّنِي الشيطانُ } متعلق ب { نادى } بحذف الباء المحذوفة مع ( أن ) ، أي نادى : بأنّي مسني الشيطان ، وهو في الأصل جملة مبيّنة لجملة { نادى ربَّهُ } ولولا وجود ( أن ) المفتوحة التي تصيِّر الجملة في موقع المفرد لكانت جملة مبينة لجملة { نادى } ، ولما احتاجت إلى تقدير حرف الجر ليتعدّى إليها فعل { نادى } وخاصة حيث خَلَت الجملة من حرف نداء . فقولهم : إنها مجرورة بباء مقدرة جرى على اعتبارات الإِعراب تفرقة بين موقع ( أنَّ ) المفتوحة وموقع ( إنَّ ) المكسورة ولهذا الفرق بين الفتححِ والكسرِ اطّرد وجهَا فتححِ الهمزة وكسرِها في نحو « خيرُ القَول أني أحمد » .
وقد ذكرنا في قوله تعالى : { فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين في سورة } [ الأنفال : 9 ] رأينا في كون ( أن ) المفتوحة الهمزة المشددة النون مركبة من ( أَنْ ) التفسيرية ( وأنَّ ) الناسخة . والخبر مستعمل في الدعاء والشكاية ، كقوله : { رب إني وضعتها أنثى } [ آل عمران : 36 ] ، وقد قال في آية سورة [ الأنبياء : 83 ] { أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين } والنُصْب ، بضم النون وسكون الصاد : المشقة والتعب ، وهي لغة في نَصَب بفتحتين ، وتقدم النَصَب في سورة الكهف . وقرأ أبو جعفر { بِنُصُبٍ } بضم الصاد وهو ضم إتباع لضمّ النون .
والعذاب : الألم . والمراد به المرض يعني : أصابني الشيطان بتعَب وألم . وذلك من ضرّ حل بجسده وحاجة أصابته في ماله كما في الآية الأخرى { أني مسني الضر } [ الأنبياء : 83 ] .
وظاهر إسناد المسّ بالنُّصب والعذاب إلى الشيطان أن الشيطان مسّ أيوب بهما ، أي أصابه بهما حقيقة مع أن النصب والعذاب هما الماسان أيوب ، ففي سورةَ [ الأنبياء : 83 ] { أني مسني الضر } فأسند المسّ إلى الضر ، والضرّ هو النصب والعذاب . وتردّدت أفهام المفسرين في معنى إسناد المسّ بالنُّصب والعذاب إلى الشيطان ، فإن الشيطان لا تأثير له في بني آدم بغير الوسوسة كما هو مقرر من مُكرر آيات القرآن وليس النُّصب والعذاب من الوسوسة ولا من آثارها .
وتأولوا ذلك على أقوال تتجاوز العشرة وفي أكثرها سماجة وكلها مبني على حملهم الباء في قوله : { بِنُصبٍ } على أنها باء التعدية لتعدية فعل { مَسَّنِي } ، أو باء الآلة مثل : ضربه بالعصا ، أو يؤول النُّصب والعذاب إلى معنى المفعول الثاني من باب أعطى .
والوجه عندي : أن تحمل الباء على معنى السببية بجعل النُّصْب والعذاب مسببين لمسّ الشيطان إياه ، أي مسنّي بوسواس سببه نُصْب وعذاب ، فجعل الشيطان يوسوس إلى أيوب بتعظيم النُّصْب والعذاب عنده ويلقي إليه أنه لم يكن مستحقاً لذلك العذاب ليلقي في نفس أيوب سوء الظن بالله أو السخط من ذلك . أو تحمل البَاء على المصاحبة ، أي مسّني بوسوسة مصاحبة لضرّ وعذاب ، ففي قول أيوب { أني مسَّني الشيطانُ بنُصبٍ وعذابٍ } كناية لطيفة عن طلب لطف الله به ورفع النُّصب والعذاب عنه بأنهما صارا مدخلاً للشيطان إلى نفسه فطلب العصمة من ذلك على نحو قول يوسف عليه السّلام : { وإلاَّ تصرف عنّي كيدَهن أَصْبُ إليهن وأكنْ من الجاهلين } [ يوسف : 33 ] .
وتنوين « نصب وعذاب » للتعظيم أو للنوعية ، وعدل عن تعريفهما لأنهما معلومان لله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.