{ فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك } وصل وأنت حامد لربك على هدايته وتوفيقه ، أو نزهة عن الشرك وسائر ما يضيفون إليه من النقائص حامدا له على ما ميزك بالهدى معترفا بأنه المولى للنعم كلها . { قبل طلوع الشمس } يعني الفجر . { وقبل غروبها } يعني الظهر والعصر لأنهما في آخر النهار أو العصر وحده . { ومن آناء الليل } ومن ساعاته جمع أنا بالكسر والقصر ، أو أناء بالفتح والمد . { فسبح } يعني المغرب والعشاء وإنما قدم زمان الليل لاختصاصه بمزيد الفضل فإن القلب فيه أجمع والنفس أميل إلى الاستراحة فكانت العبادة فيه أحمس ولذلك قال سبحانه وتعالى : { إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا } { وأطراف النهار } تكرير لصلاتي الصبح والمغرب إرادة الاختصاص ، ومجيئه بلفظ الجمع لأمن الإلباس كقوله :
*** ظهراهما مثل ظهور الترسين ***
أو أمر بصلاة الظهر فإنه نهاية النصف الأول من النهار وبداية النصف الآخر وجمعه باعتبار النصفين أو لأن النهار جنس ، أو بالتطوع في أجزاء النهار . { لعلك ترضى } متعلق ب { سبح } أي سبح في هذه الأوقات طمعا أن تنال عند الله ما به ترضي نفسك : وقرأ الكسائي وأبو بكر بالبناء للمفعول أي يرضيك ربك .
ثم أمره تعالى بالصبر على أقوالهم إنه ساحر وإنه كاهن وإنه كذاب إلى غير ذلك ، والمعنى لا تحفل بهم فإنهم مدركة الهلكة وكون اللزام يوم بدر أبلغ في آيات نبينا عليه السلام وقوله تعالى : { وسبح بحمد ربك } قال أكثر المتأولين هذه إشارة إلى الصلوات الخمس { قبل طلوع الشمس } صلاة الصبح { وقبل غروبها } صلاة العصر و { من آناء الليل } العتمة{[8177]} { وأطراف النهار } المغرب والظهر .
وقالت فرقة { آناء الليل } المغرب والعشاء ، { وأطراف النهار } الظهر وحدها{[8178]} ، ويحتمل اللفظ أن يراد قول سبحان الله وبحمده من بعد صلاة الصبح إلى ركعتي الضحى وقبل غروب الشمس فقد قال صلى الله عليه وسلم : «من سبح قبل غروب الشمس سبعين تسبيحة غربت بذنوبه »{[8179]} ع وسمى الطرفين أطرافاً على أحد وجهين إما على نحو فقد صغت قلوبكما{[8180]} : وإما على أن يجعل النهار للجنس ، فلكل يوم طرف وهي التي جمع ، وأما من قال { أطراف النهار } لصلاة الظهر وحدها فلا بد له من أن يتمسك بأن يكون النهار للجنس كما قلنا أو نقول إن النهار ينقسم قسمين فصلهما الزوال ولكل قسم طرفان فعند الزوال طرفان الآخر من القسم الأول والأول من القسم الآخر فقال عن الطرفين أطرافاً على نحو فقد صغت قلوبكما ، وأشار إلى هذا النظر ابن فورك . في المشكل والآناء جمع أنى وهي الساعة من الليل ومنه قول الهذلي :
حلو ومر كعطف القدح مر به . . . في كل أنى حداة الليل تنتقل{[8181]}
وقالت فرقة في الآية إشارة إلى نوافل ، فمنها { آناء الليل } ومنها { قبل طلوع الشمس } وركعتا الفجر والمغرب { أطراف النهار } ، وقرأ الجمهور «لعلك تَرضى » بفتح التاء أي لعلك تثاب على هذه الأعمال بما ترضى به ، وقرأ الكسائي وأبو بكر عن عاصم «لعلك تُرضى » أي لعلك تُعطى ما يرضيك{[8182]} .
فرع على ذلك أمر رسول الله بالصبر على ما يقولون من التكذيب وبالوعيد لتأخير نزوله بهم . والمعنى : فلا تستعجل لهم العذاب واصبر على تكذيبهم ونحوه الشامل له الموصول في قوله { ما يقولون } .
وأمره بأن يقبل على مزاولة تزكية نفسه وتزكية أهله بالصلاة ، والإعراض عما متع الله الكفّار برفاهية العيش ، ووعده بأن العاقبة للمتقين .
فالتسبيح هنا مستعمل في الصلاة لاشتمالها على تسبيح الله وتنزيهه .
والباء في قوله { بحمد ربك } للملابسة ، وهي ملابسة الفاعل لفعله ، أي سبّحْ حامداً ربّك ، فموقع المجرور موقع الحال .
والأوقات المذكورة هي أوقات الصلوات ، وهي وقت الصبح قبل طلوع الشمس ، ووقتان قبل غروبها وهما الظهر والعصر ، وقيل المراد صلاة العصر . وأما الظهر فهي قوله : { وأطراف النهار } كما سيأتي .
و { منْ } في قوله { من آناء الليل } ابتدائية متعلّقة بفعل ( فسبح ) . وذلك وقتا المغرب والعشاء . وهذا كله من المجمل الذي بيّنته السنّة المتواترة .
وأدخلت الفاء على { فسبح } لأنه لما قدم عليه الجار والمجرور للاهتمام شابه تقديم أسماء الشرط المفيدة معنى الزمان ، فعومل الفعل معاملة جواب الشرط كقوله صلى الله عليه وسلم « ففيهما فجاهد » ، أي الأبوين ، وقوله تعالى : { ومن الليل فتهجد به نافلة لك } وقد تقدم في سورة الإسراء ( 79 ) .
ووجه الاهتمام بآناء الليل أن الليل وقت تميل فيه النفوس إلى الدعة فيخشى أن تتساهل في أداء الصلاة فيه .
وآناء الليل : ساعاته . وهو جمع إنْي بكسر الهمزة وسكون النون وياء في آخره . ويقال : إنو بواو في آخره . ويقال : إنىً بألف في آخره مقصوراً ويقال : أناء بفتح الهمزة في أوله وبمد في آخره وجَمْع ذلك على آناء بوزن أفْعال .
وقوله { وأطراف النهار } بالنصب عطف على قوله { قبل طلوع الشمس } ، وطرف الشيء منتهاه . قيل : المراد أول النهار وآخره ، وهما وقتا الصبح والمغرب ، فيكون من عطف البعض على الكل للاهتمام بالبعض ، كقوله { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } [ البقرة : 238 ] . وقيل : المراد طرف سير الشمس في قوس الأفق ، وهو بلوغ سيرها وسْط الأفق المعبر عنه بالزوال ، وهما طرفان طرفُ النهاية وطرف الزوال ، وهو انتهاء النصف الأول وابتداء النصف الثاني من القوس ، كما قال تعالى : { وأقم الصلاة طرفي النهار } [ هود : 114 ] . وعلى هذا التفسير يتجه أن يكون ذكر الطرفين معاً لوقت صلاة واحدة أن وقتها ما بين الخروج من أحد الطرفين والدخول في الطرف الآخر وتلك حصة دقيقة .
وعلى التفسيرين فللنهار طرفان لا أطراف ، كما قال تعالى : { وأقم الصلاة طرفي النهار فالجمع في قوله { وأطراف النهار } من إطلاق اسم الجمع على المثنى ، وهو متسع فيه في العربية عند أمن اللبس ، كقوله تعالى : { فقد صغت قلوبكما } [ التحريم : 4 ] .
والذي حسّنه هنا مشاكلة الجمع للجمع في قوله { ومن آناء الليل فسبح } .
وقرأ الجمهور { لعلّك تَرضى } بفتح التاء بصيغة البناء للفاعل ، أي رجاءً لك أن تنال من الثواب عند الله ما ترضَى به نفسُك .
ويجوز أن يكون المعنى : لعل في ذلك المقدار الواجب من الصلوات ما ترضى به نفسك دون زيادة في الواجب رفقاً بك وبأمتك . ويبيّنه قوله : وجعلت قرّة عيني في الصلاة .
وقرأ الكسائي ، وأبو بكر عن عاصم تُرضى بضم التاء أي يرضيك ربّك ، وهو محتمل للمعنيين .