فتسبب عن العلم بأنه لا بد من استيفاء الأجل وإن زاد العاصي في العصيان تسليم الأمور إلى الله وعدم القلق في انتظار الفرج فقال : { فاصبر على ما يقولون } لك من الاستهزاء وغيره .
ولما كان الصبر شديداً على النفس منافراً للطبع ، لأن النفس مجبولة على النقائص ، مشحونة بالوساوس ، أمر منه لأجل من يحتاج إلى الكمال بما ينهض بها من حضيض الجسم إلى أوج الروح بمقامي التحلي بالكمالات والتخلي عن الرعونات ، وبدأ بالأول لأنه العون على الثاني ، وذكر أشرف الحلي{[50223]} فقال : { وسبح بحمد ربك } أي اشتغل بما ينجيك من عذابه ، ويقربك من {[50224]}جنابه ، بأن{[50225]} تنزه من أحسن إليك عن كل نفص ، حال كونك حامداً له بإثبات كل كمال ، وذلك بأن تصلي له خاصة {[50226]}وتذكره بالذاكرين{[50227]} ، غير ملتفت إلى شيء سواه { قبل طلوع الشمس } صلاة الصبح { وقبل غروبها } صلاة {[50228]}العصر والظهر{[50229]} ؛ وغير السياق في قوله : { ومن آناء الّيل } أي ساعاته{[50230]} ، جمع إنو - بكسر ثم سكون ، أي ساعة{[50231]} ، لأن العبادة حينئذ أفضل لاجتماع القلب وهدوء الرجل والخلو بالرب ، لأن العبادة إذ ذاك أشق وأدخل في التكليف فكانت أفضل عند الله{[50232]} { فسبح } أي بصلاة{[50233]} المغرب والعشاء ، إيذاناً بعظمة صلاة الليل ، وكرر الأمر بصلاتي الصبح والعصر إعلاماً بمزيد فضلهما ، لأن ساعتيهما أثناء الطي والبعث فقال : { وأطراف النهار } ويؤيد ما فهمته من أن ذلك تكرير لهما ما في الصحيحين{[50234]} عن جرير ابن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال :
" إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون{[50235]} في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا{[50236]} " ، ثم قرأ هذه الاية . وإلا لم يكن في الآية مزيد حث عليهما خاصة ، على أن لفظ " آناء وأطراف " صالح لصلاة التطوع من الرواتب وغيرها ليلاً ونهاراً ، وأفاد بذكر الجارّ في الآناء التبعيض ، لأن الليل محل الراحة ، ونزعه من الأطراف لتيسر استغراقها بالذكر ، لأن النهار موضع النشاط واليقظة ، ويجوز - وهو أحسن - أن يكون المراد بما قبل الطلوع{[50237]} الصبح ، وما قبل الغروب العصر فقط ، وببعض الآناء المغرب والعشاء ، وأدخل الجار لكونهما وقتين ، وبجميع الأطراف الصبح والظهر والعصر ، لأن النهار له أربعة أطراف : أوله ، وآخره وآخر{[50238]} نصفه الأول ، وأول{[50239]} نصفه الثاني ، والكل مستغرق بالتسبيح ، ولذلك نزع الجار ، أما الأول والآخر فبالصبح والعصر ، وأما الآخران فبالتهيؤ للصلاة ثم الصلاة نفسها ، وحينئذ تكون الدلالة على فضيلة الصبح والعصر من وجهين{[50240]} : التقديم{[50241]} والتكرير ، وإلى ذلك الإشارة بالحديث ، وإذا أريد إدخال النوافل حملت الأطراف على الساعات - والله الهادي .
ولما كان الغالب على الإنسان النسيان فكان{[50242]} الرجاء عنده أغلب ، ذكر الجزاء بكلمة الإطماع لئلا يأمن فقال : { لعلك ترضى * } أي افعل هذا لتكون على رجاء {[50243]}من أن{[50244]} يرضاك ربك فيرضيك في الدنيا والآخرة{[50245]} ، بإظهار دينك وإعلاء أمرك ، ولا يجعلك في عيش ضنك في الدنيا ولا في الآخرة - {[50246]}هذا على قراءة الكسائي وأبي بكر عن عاصم بالبناء للمفعول ، والمعنى على قراءة الجماعة بالبناء للفاعل : لتكون على رجاء من أن تكون راضياً دائماً في الدنيا والآخرة ، ولا تكون كذلك إلا وقد أعطاك ربك جميع ما تؤمل{[50247]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.