نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ غُرُوبِهَاۖ وَمِنۡ ءَانَآيِٕ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡ وَأَطۡرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرۡضَىٰ} (130)

فتسبب عن العلم بأنه لا بد من استيفاء الأجل وإن زاد العاصي في العصيان تسليم الأمور إلى الله وعدم القلق في انتظار الفرج فقال : { فاصبر على ما يقولون } لك من الاستهزاء وغيره .

ولما كان الصبر شديداً على النفس منافراً للطبع ، لأن النفس مجبولة على النقائص ، مشحونة بالوساوس ، أمر منه لأجل من يحتاج إلى الكمال بما ينهض بها من حضيض الجسم إلى أوج الروح بمقامي التحلي بالكمالات والتخلي عن الرعونات ، وبدأ بالأول لأنه العون على الثاني ، وذكر أشرف الحلي{[50223]} فقال : { وسبح بحمد ربك } أي اشتغل بما ينجيك من عذابه ، ويقربك من {[50224]}جنابه ، بأن{[50225]} تنزه من أحسن إليك عن كل نفص ، حال كونك حامداً له بإثبات كل كمال ، وذلك بأن تصلي له خاصة {[50226]}وتذكره بالذاكرين{[50227]} ، غير ملتفت إلى شيء سواه { قبل طلوع الشمس } صلاة الصبح { وقبل غروبها } صلاة {[50228]}العصر والظهر{[50229]} ؛ وغير السياق في قوله : { ومن آناء الّيل } أي ساعاته{[50230]} ، جمع إنو - بكسر ثم سكون ، أي ساعة{[50231]} ، لأن العبادة حينئذ أفضل لاجتماع القلب وهدوء الرجل والخلو بالرب ، لأن العبادة إذ ذاك أشق وأدخل في التكليف فكانت أفضل عند الله{[50232]} { فسبح } أي بصلاة{[50233]} المغرب والعشاء ، إيذاناً بعظمة صلاة الليل ، وكرر الأمر بصلاتي الصبح والعصر إعلاماً بمزيد فضلهما ، لأن ساعتيهما أثناء الطي والبعث فقال : { وأطراف النهار } ويؤيد ما فهمته من أن ذلك تكرير لهما ما في الصحيحين{[50234]} عن جرير ابن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال :

" إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون{[50235]} في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا{[50236]} " ، ثم قرأ هذه الاية . وإلا لم يكن في الآية مزيد حث عليهما خاصة ، على أن لفظ " آناء وأطراف " صالح لصلاة التطوع من الرواتب وغيرها ليلاً ونهاراً ، وأفاد بذكر الجارّ في الآناء التبعيض ، لأن الليل محل الراحة ، ونزعه من الأطراف لتيسر استغراقها بالذكر ، لأن النهار موضع النشاط واليقظة ، ويجوز - وهو أحسن - أن يكون المراد بما قبل الطلوع{[50237]} الصبح ، وما قبل الغروب العصر فقط ، وببعض الآناء المغرب والعشاء ، وأدخل الجار لكونهما وقتين ، وبجميع الأطراف الصبح والظهر والعصر ، لأن النهار له أربعة أطراف : أوله ، وآخره وآخر{[50238]} نصفه الأول ، وأول{[50239]} نصفه الثاني ، والكل مستغرق بالتسبيح ، ولذلك نزع الجار ، أما الأول والآخر فبالصبح والعصر ، وأما الآخران فبالتهيؤ للصلاة ثم الصلاة نفسها ، وحينئذ تكون الدلالة على فضيلة الصبح والعصر من وجهين{[50240]} : التقديم{[50241]} والتكرير ، وإلى ذلك الإشارة بالحديث ، وإذا أريد إدخال النوافل حملت الأطراف على الساعات - والله الهادي .

ولما كان الغالب على الإنسان النسيان فكان{[50242]} الرجاء عنده أغلب ، ذكر الجزاء بكلمة الإطماع لئلا يأمن فقال : { لعلك ترضى * } أي افعل هذا لتكون على رجاء {[50243]}من أن{[50244]} يرضاك ربك فيرضيك في الدنيا والآخرة{[50245]} ، بإظهار دينك وإعلاء أمرك ، ولا يجعلك في عيش ضنك في الدنيا ولا في الآخرة - {[50246]}هذا على قراءة الكسائي وأبي بكر عن عاصم بالبناء للمفعول ، والمعنى على قراءة الجماعة بالبناء للفاعل : لتكون على رجاء من أن تكون راضياً دائماً في الدنيا والآخرة ، ولا تكون كذلك إلا وقد أعطاك ربك جميع ما تؤمل{[50247]} .


[50223]:زيد ما بين الحاجزين من ظ ومد.
[50224]:من ظ ومد وفي الأصل: جنانه بل.
[50225]:من ظ ومد وفي الأصل: جنانه بل.
[50226]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[50227]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[50228]:من ظ ومد وفي الأصل: الظهر والعصر.
[50229]:من ظ ومد وفي الأصل: الظهر والعصر.
[50230]:من ظ ومد وفي الأصل ساعته.
[50231]:زيد ما بين الحاجزين من ظ ومد.
[50232]:زيد من مد.
[50233]:من مد وفي الأصل وظ: صلاة.
[50234]:البخاري في عدة مناسبات بما فيها المواقيت، وإليها يرجع السياق، ومسلم في باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس – كتاب المساجد.
[50235]:بهامش ظ: روى تضامون – بفتح التاء وتخفيف الضاد مع تشديد الميم من التضامم وبضم التاء وتخفيف الضاد مع تخفيف الميم من الضيم.
[50236]:تكرر في الأصل فقط.
[50237]:زيد من ظ ومد.
[50238]:زيد من ظ ومد.
[50239]:زيد من ظ ومد.
[50240]:من ظ ومد وفي الأصل: وجهى .
[50241]:زيد في الأصل: والتأخير ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[50242]:من ظ ومد وفي الأصل: وكان.
[50243]:من ظ ومد وفي الأصل: بان.
[50244]:من ظ ومد وفي الأصل: بان.
[50245]:في مد: الأخرى.
[50246]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[50247]:سقط ما بين الرقمين من ظ