فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ غُرُوبِهَاۖ وَمِنۡ ءَانَآيِٕ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡ وَأَطۡرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرۡضَىٰ} (130)

{ فاصبر على ما يقولون } من أنك ساحر كذاب شاعر كاهن ونحو ذلك من مطاعنهم الباطلة ، والمعنى لا تحتفل بهم فإن لعذابهم وقتا مضروبا بألا يتقدم ولا يتأخر ، وأنهم معذبون لا محالة فتسلّ واصبر . وقيل هذا منسوخ بآية القتال . وقيل إنها محكمة . قال الشهاب : الفاء سببية ، والمراد بالصبر عدم الاضطراب لما صدر عنهم لا ترك القتال حتى تكون الآية منسوخة .

{ وسبح بحمد ربك } أي متلبسا بحمده ، قال أكثر المفسرين : والمراد الصلوات الخمس كما يفيده قوله : { قبل طلوع الشمس } فإنه إشارة إلى صلاة الفجر { وقبل غروبها } فإنه إشارة إلى صلاة العصر . وفي صحيح مسلم وسنن أبي داوود والنسائي عن عمارة بن روبية سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ( لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) {[1196]} .

{ ومن آناء الليل } العتمة والمراد بالآناء الساعات ، وهي جمع إناء بالكسر والقصر وهو الساعة ، ومعنى { فسبح } فصلّ المغرب والعشاء ، والفاء إما عاطفة على مقدر ، أو واقعة في جواب شرط مقدر أو زائدة . قال ابن عباس : وهي الصلاة المكتوبة .

وفي الصحيحين وغيرهما من حديث جرير قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ) ، وقرأ هذه الآية{[1197]} .

{ وأطراف النهار } أي في طرفي نصفيه أي في الوقت الذي يجمع الطرفين وهو وقت الزوال فهو نهاية للنصف الأول وبداية للنصف الثاني ، والمراد صلاة الظهر لأن الظهر في آخر طرف النهار الأول وأول طرف النهار الآخر . وقيل إن الإشارة إلى صلاة الظهر هي بقوله : { وقبل غروبها } لأنها هي وصلاة العصر قبل غروبها . وقيل المراد بالآية صلاة التطوع .

ولو قيل ليس في الآية إشارة إلى الصلاة بل المراد التسبيح في هذه الأوقات أي قول القائل سبحان الله لم يكن ذلك بعيدا من الصواب ، والتسبيح وإن كان يطلق على الصلاة لكنه مجاز ، والحقيقة أولى إلا لقرينة تصرف ذلك إلى المعنى المجازي ، وجمع الأطراف وهما طرفان لأمن الالتباس .

{ لعلك ترضى } أي سبح في هذه الأوقات رجاء أن تنال عند الله سبحانه ما ترضي به نفسك من الثواب ، هذا على قراءة الجمهور ، وقرئ ترضي بضم التاء أي يرضيك ربك وتعطى ما يرضيك .


[1196]:مسلم 634.
[1197]:مسلم 633-البخاري358.