فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ غُرُوبِهَاۖ وَمِنۡ ءَانَآيِٕ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡ وَأَطۡرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرۡضَىٰ} (130)

ثم لما بين الله سبحانه أنه لا يهلكهم بعذاب الاستئصال أمره بالصبر ، فقال : { فاصبر على مَا يَقُولُونَ } من أنك ساحر كذاب ، ونحو ذلك أن مطاعنهم الباطلة ، والمعنى : لا تحتفل بهم ، فإن لعذابهم وقتاً مضروباً لا يتقدّم ولا يتأخر . وقيل : هذا منسوخ بآية القتال { وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ } أي متلبساً بحمده . قال أكثر المفسرين : والمراد : الصلوات الخمس كما يفيد قوله : { قَبْلَ طُلُوعِ الشمس } فإنه إشارة إلى صلاة الفجر { وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } فإنه إشارة إلى صلاة العصر { وَمِنْ آنَاء الليل } العتمة ، والمراد بالآناء : الساعات ، وهي جمع إني بالكسر والقصر ، وهو الساعة ، ومعنى { فَسَبّحْ } أي فصلّ { وَأَطْرَافَ النهار } أي المغرب والظهر لأن الظهر في آخر طرف النهار الأول ، وأوّل طرف النهار الآخر . وقيل : إن الإشارة إلى صلاة الظهر هي بقوله : { وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } لأنها هي وصلاة العصر قبل غروب الشمس . وقيل : المراد بالآية صلاة التطوّع . ولو قيل ليس في الآية إشارة إلى الصلاة بل المراد التسبيح في هذه الأوقات أي : قول القائل سبحان الله ، لم يكن ذلك بعيداً من الصواب ، والتسبيح وإن كان يطلق على الصلاة ولكنه مجاز ، والحقيقة أولى إلا لقرينة تصرف ذلك إلى المعنى المجازي ، وجملة : { لَعَلَّكَ ترضى } متعلقة بقوله : { فسبح } أي سبح في هذه الأوقات رجاء أن تنال عند الله سبحانه ما ترضى به نفسك ، هذا على قراءة الجمهور . وقرأ الكسائي وأبو بكر عن عاصم : «ترضى » بضم التاء مبنياً للمفعول ، أي يرتضيك ربك .

/خ135