البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ غُرُوبِهَاۖ وَمِنۡ ءَانَآيِٕ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡ وَأَطۡرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرۡضَىٰ} (130)

ثم أمره تعالى بالصبر على ما يقول مشركو قريش ، وهم الذين عاد الضمير عليهم في { أفلم يهد لهم } وكانوا يقولون أشياء قبيحة مما نص الله عنهم في كتابه ، فأمره تعالى بالصبر على أذاهم والاحتمال لما يصدر من سوء أخلاقهم ، وأمره بالتسبيح والحمد لله و { بحمد ربك } في موضع الحال ، أي وأنت حامد لربك .

والظاهر أنه أمر بالتسبيح مقروناً بالحمد ، وإما أن يراد اللفظ أي قل سبحان الله والحمد لله ، أو أريد المعنى وهو التنزيه والتبرئة من السوء والثناء الجميل عليه .

وقال أبو مسلم : لا يبعد حمله على التنزيه والإجلال ، والمعنى اشتغل بتنزيه الله في هذه الأوقات .

قال أبو عبد الله الرازي : وهذا القول أقرب إلى الظاهر وإلى ما تقدم ذكره لأنه صبره أولاً { على ما يقولون } من التكذيب ومن إظهار الكفر والشرك الذي يليق بذلك أن يؤمر بتنزيهه عن قولهم حتى يكون مظهراً لذلك وداعياً ، ولذلك ما جمع كل الأوقات أو يراد المجاز فيكون المراد الصلاة فقبل طلوع الشمس صلاة الصبح وقبل غروبها صلاة العصر { ومن آناء الليل } المغرب والعتمة { وأطراف النهار } الظهر وحده .

قال ابن عطية : ويحتمل اللفظ أن يراد قول سبحان الله وبحمده من بعد صلاة الصبح إلى ركعتي الضحى وقبل غروب الشمس ، فقد قال عليه السلام : « من سبح عند غروب الشمس سبعين تسبيحة غربت بذنوبه » انتهى .

وقال الزمخشري : { وقبل غروبها } يعني الظهر والعصر لأنهما واقعتان في النصف الأخير من النهار بين زوال الشمس وغروبها ، وتعمد { آناء الليل } { وأطراف النهار } مختصاً لها بصلاتك ، وذلك أن أفضل الذكر ما كان بالليل لاجتماع القلب وهدوّ الرجل والخلو بالرب .

وقال تعالى : { إن ناشئة الليل } وقال : { أمّن هو قانت آناء الليل } الآيتين .

ولأن الليل وقت السكون والراحة فإذا صرف إلى العبادة كانت على النفس أشد وأشق وللبدن أتعب وأنصب ، فكانت أدخل في معنى التكليف وأفضل عند الله وقد تناول التسبيح في { آناء الليل } صلاة العتمة { وفي أطراف النهار } صلاة المغرب وصلاة الفجر على التكرار إرادة الاختصاص كما اختصت في قوله { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } عند بعض المفسرين انتهى .

وجاء هنا { وأطراف النهار } وفي هود { وأقم الصلاة طرفي النهار } فقيل : جاء على حد قوله :

ومهمهين قذفين مرتين *** ظهراهما مثل ظهور الترسين

جاءت التثنية على الأصل والجمع لا من اللبس إذ النهار ليس له إلاّ طرفان .

وقيل : هو على حقيقة الجمع الفجر الطرف الأول ، والظهر والعصر من الطرف الثاني ، والطرف الثالث المغرب والعشاء .

وقيل : النهار له أربعة أطراف عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وعند زوال الشمس ، وعند وقوفها للزوال .

وقيل : الظهر في آخر طرف النهار الأول ، وأول طرف النهار الآخر ، فهي في طرفين منه ، والطرف الثالث غروب الشمس وهو وقت المغرب .

وقيل : يجعل النهار للجنس فلكل يوم طرف فيتكرر بتكرره .

وقيل : المراد بالأطراف الساعات لأن الطرف آخر الشيء .

وقرأ الجمهور : { وأطراف } بنصب الفاء وهو معطوف على { ومن آناء الليل } .

وقيل : معطوف على { قبل طلوع الشمس } وقرأ الحسن وعيسى بن عمر { وأطراف } بخفض الفاء عطفاً على { آناء } .

{ لعلك ترضى } أي تثاب على هذه الأعمال بالثواب الذي تراه وأبرز ذلك في صورة الرجاء والطمع لا على القطع .

وقيل : لعل من الله واجبة .

وقرأ أبو حيوة وطلحة والكسائي وأبو بكر وأبان وعصمة وأبو عمارة عن حفص وأبو زيد عن المفضل وأبو عبيد ومحمد بن عيسى الأصبهاني تُرْضَى بضم التاء أي يرضيك ربك .