اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ غُرُوبِهَاۖ وَمِنۡ ءَانَآيِٕ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡ وَأَطۡرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرۡضَىٰ} (130)

ثم إنَّه تعالى لما أخبر نبيَّه بأنه لا يُهْلِكُ أحداً قبل استيفاء أجله أمره بالصبر فقال :

{ فاصبر على مَا يَقُولُونَ } أي من تكذيبهم النبوة ، وقيل : تركهم القبول{[27415]} .

قال الكلبي ومقاتل : هذه الآية منسوخة بآية القتال{[27416]} . ثم قال : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } أي : صَلِّ بأمر ربك . وقيل : صَلِّ لله بالحمْدِ له ، والثناء عليه ، ونظيره قوله تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة }{[27417]} .

قوله : { بِحَمْدِ رَبِّك } حال أي : وأنتَ حامدٌ لربِّك على أنه وفقك للتسبيح وأعانك عليه{[27418]} . واختلفوا{[27419]} في التسبيح{[27420]} على قوليْن ، فالأكثرون{[27421]} على أن المراد منه الصلاة وهؤلاء اختلفوا على ثلاثة أوجه :

الأول : أنَّ{[27422]} المراد الصلوات الخمس ، قال ابن عباس : دخلت الصلوات الخمس فيه ، ف { قَبْلَ طُلُوعِ الشمس } هو الفجر{[27423]} ، وقيل ؛ " غروبها " الظهر والعصر ، لأنهما جميعاً قبل الغروب { وَمِنْ آنَآءِ{[27424]} الليل فَسَبِّحْ } يعني{[27425]} المغرب والعتمة ، ويكون قوله : { وَأطْرَافَ النَّهَار } كالتوكيد للصَّلاة بين الوقتين في طرفي النهار ، وهما صلاة الفجر وصلاة المغرب ، كما اختصت الوسطى بالتوكيد .

الثاني : أنَّ{[27426]} المرادَ الصلوات الخمس والنوافل ، لأن الزمان إما أن يكون قبل طلوع الشمس أو قبل غروبها ، فالليل والنهار داخليْن في هاتيْن العبادتين وأوقات الصلاة الواجبة دخلت فيها ، ففي قوله : { وَمِنْ آنَآءِ الليل فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النهار } للنوافل .

الثالث : أن المراد أربع صلوات ، فقوله : { قَبْلَ طُلُوعِ الشمس } للفجر " وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " للعصر ، { وَمِنْ آنَآءِ الليل } المغرب والعتمة ، بقي الظهر خارجاً .

وعلى هذا التأويل يمكن أن يستدل{[27427]} بهذه الآية على أن المراد بالصَّلاة الوُسْطى صلاة الظهر ، لأن قوله : { حَافِظُواْ عَلَى الصلوات }{[27428]} المراد به هذه الأربع ، ثم أفرد الوسطى بالذكر ، والتأسيس أوْلَى من التأكيد ، والأول أولى{[27429]} . هذا إذا{[27430]} حَمَلْنَا التسبيح على الصلاة .

وقال أبو مسلم : لا يبعد حمله على التنزيه والإجلال ، والمعنى اشتغل بتنزيه الله تعالى في هذه الأوقات . فإن قيل{[27431]} : النهار له طرفان ، فكيف قال : " وَأَطْرَافَ النهار " ؟ بل الأولى أن يقول{[27432]} كما قال : { وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَيِ النهار }{[27433]} .

فالجواب : من الناس من قال أقل الجمع اثنان فسقط السؤال ومنهم من قال : إنما جمع لأنه يكرر في كل نهار ويعود{[27434]} . وقوله : { مِنْ آنَآءِ{[27435]} الليل } متعلق ب " سَبِّحْ " الثانية . قوله : " وَأَطْرَافَ " العامة على نصبه ، وفيه وجهان :

أحدهما{[27436]} : أنه عطف على محل { وَمِنْ آنَاء الليل } .

والثاني : انه عطف على " قَبْل " {[27437]} .

وقرأ السحن وعيسى بن عمر " وأطرافِ " بالجر عطفاً على " آناءِ اللَّيل " {[27438]} وقوله هنا " أطْرَافَ " وفي هود " طَرَفَيْ النَّهَارِ " {[27439]} ، فقيل{[27440]} : هو من وضع الجمع{[27441]} موضع التثنية كقوله :

ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْن{[27442]} *** . . .

وقيل : هو على حقيقته ، والمراد بالأطراف الساعات{[27443]} .

قوله : " تَرْضَى " قرأ الكسائي{[27444]} وأبو بكر عن عاصم " تُرْضَى " مبنيًّا للمفعول{[27445]} .

والباقون مبنيًّا للفاعل{[27446]} ، وعليه { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى }{[27447]} والمعنى : ترضى ما تنال من الشفاعة ، أو ترضى بما تنال من الثواب على ضم التاء كقوله : { وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً }{[27448]} .


[27415]:انظر الفخر الرازي 22/133.
[27416]:المرجع السابق.
[27417]:[البقرة: 45]. وانظر المرجع السابق.
[27418]:انظر المرجع السابق والبحر المحيط 6/290.
[27419]:في ب: فصب اختلفوا.
[27420]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/133.
[27421]:في ب: والأكثرون.
[27422]:أنّ: سقط من ب.
[27423]:في ب: فقيل طلوع وهي الفجر. وهو تحريف.
[27424]:آناء: سقط من ب.
[27425]:يعني: سقط من ب.
[27426]:أن: سقط من ب.
[27427]:في ب: يستدلوا.
[27428]:من قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238].
[27429]:في ب: أقوى.
[27430]:في ب: إن.
[27431]:في ب: فإن قلت.
[27432]:في ب: يقال.
[27433]:من قوله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إنّ الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} [هود: 114].
[27434]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/133- 134.
[27435]:في ب: ومن.
[27436]:في ب: الأول.
[27437]:انظر البحر المحيط 6/290.
[27438]:المختصر: (90)، البحر المحيط 6/290، الإتحاف: 380.
[27439]:[هود: 114].
[27440]:في ب: وقيل.
[27441]:في النسختين: الجمل. والصواب ما أثبته.
[27442]:من السريع، قاله خطام المجاشعي أو هميان بن قحافة، وهو في الكتاب 2/84، 3/622، إعراب القرآن المنسوب للزجاج 3/787 المخصص 9/7، ابن يعيش 4/155، 156، المقاصد النحوية 4/79 الأشموني 3/74، حاشية يس 2/122، الخزانة 7/544 شواهد الشافية 4/94. الترس: بالضم ما يتقى به الضرب من السلاح. وصف فلاتين لا نبت فيهما. والشاهد فيه جواز إطلاق لفظ الجمع على المثنى، قال سيبويه (وسألت الخليل – رحمة الله – عن ما أحسن وجوهما؟ فقال: لأن الاثنين جميع، وهذا بمنزلة قول الاثنين: نحن فعلنا ذاك) الكتاب 2/48.
[27443]:انظر التبيان 2/908.
[27444]:في ب: قرأ الكسائي وأبو عمرو. وهو تحريف.
[27445]:والذي قام مقام الفاعل هو النبي – صلى الله عليه وسلم – والفاعل هو الله جل ذكره تقديره: لعل الله يرضيك بما يعطيك يوم القيامة، ولعل من الله واجبة. انظر الكشف 2/107.
[27446]:السبعة (425)، الحجة لابن خالويه (248) ، الكشف 2/107، النشر 2/22 الإتحاف (308). جعلوا الفعل للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: لعلك ترضى بما يعطيك.
[27447]:الآية (5) من سورة الضحى.
[27448]:من قوله تعالى: {وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا} [مريم: 55].