ثم إنَّه تعالى لما أخبر نبيَّه بأنه لا يُهْلِكُ أحداً قبل استيفاء أجله أمره بالصبر فقال :
{ فاصبر على مَا يَقُولُونَ } أي من تكذيبهم النبوة ، وقيل : تركهم القبول{[27415]} .
قال الكلبي ومقاتل : هذه الآية منسوخة بآية القتال{[27416]} . ثم قال : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } أي : صَلِّ بأمر ربك . وقيل : صَلِّ لله بالحمْدِ له ، والثناء عليه ، ونظيره قوله تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة }{[27417]} .
قوله : { بِحَمْدِ رَبِّك } حال أي : وأنتَ حامدٌ لربِّك على أنه وفقك للتسبيح وأعانك عليه{[27418]} . واختلفوا{[27419]} في التسبيح{[27420]} على قوليْن ، فالأكثرون{[27421]} على أن المراد منه الصلاة وهؤلاء اختلفوا على ثلاثة أوجه :
الأول : أنَّ{[27422]} المراد الصلوات الخمس ، قال ابن عباس : دخلت الصلوات الخمس فيه ، ف { قَبْلَ طُلُوعِ الشمس } هو الفجر{[27423]} ، وقيل ؛ " غروبها " الظهر والعصر ، لأنهما جميعاً قبل الغروب { وَمِنْ آنَآءِ{[27424]} الليل فَسَبِّحْ } يعني{[27425]} المغرب والعتمة ، ويكون قوله : { وَأطْرَافَ النَّهَار } كالتوكيد للصَّلاة بين الوقتين في طرفي النهار ، وهما صلاة الفجر وصلاة المغرب ، كما اختصت الوسطى بالتوكيد .
الثاني : أنَّ{[27426]} المرادَ الصلوات الخمس والنوافل ، لأن الزمان إما أن يكون قبل طلوع الشمس أو قبل غروبها ، فالليل والنهار داخليْن في هاتيْن العبادتين وأوقات الصلاة الواجبة دخلت فيها ، ففي قوله : { وَمِنْ آنَآءِ الليل فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النهار } للنوافل .
الثالث : أن المراد أربع صلوات ، فقوله : { قَبْلَ طُلُوعِ الشمس } للفجر " وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " للعصر ، { وَمِنْ آنَآءِ الليل } المغرب والعتمة ، بقي الظهر خارجاً .
وعلى هذا التأويل يمكن أن يستدل{[27427]} بهذه الآية على أن المراد بالصَّلاة الوُسْطى صلاة الظهر ، لأن قوله : { حَافِظُواْ عَلَى الصلوات }{[27428]} المراد به هذه الأربع ، ثم أفرد الوسطى بالذكر ، والتأسيس أوْلَى من التأكيد ، والأول أولى{[27429]} . هذا إذا{[27430]} حَمَلْنَا التسبيح على الصلاة .
وقال أبو مسلم : لا يبعد حمله على التنزيه والإجلال ، والمعنى اشتغل بتنزيه الله تعالى في هذه الأوقات . فإن قيل{[27431]} : النهار له طرفان ، فكيف قال : " وَأَطْرَافَ النهار " ؟ بل الأولى أن يقول{[27432]} كما قال : { وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَيِ النهار }{[27433]} .
فالجواب : من الناس من قال أقل الجمع اثنان فسقط السؤال ومنهم من قال : إنما جمع لأنه يكرر في كل نهار ويعود{[27434]} . وقوله : { مِنْ آنَآءِ{[27435]} الليل } متعلق ب " سَبِّحْ " الثانية . قوله : " وَأَطْرَافَ " العامة على نصبه ، وفيه وجهان :
أحدهما{[27436]} : أنه عطف على محل { وَمِنْ آنَاء الليل } .
والثاني : انه عطف على " قَبْل " {[27437]} .
وقرأ السحن وعيسى بن عمر " وأطرافِ " بالجر عطفاً على " آناءِ اللَّيل " {[27438]} وقوله هنا " أطْرَافَ " وفي هود " طَرَفَيْ النَّهَارِ " {[27439]} ، فقيل{[27440]} : هو من وضع الجمع{[27441]} موضع التثنية كقوله :
ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْن{[27442]} *** . . .
وقيل : هو على حقيقته ، والمراد بالأطراف الساعات{[27443]} .
قوله : " تَرْضَى " قرأ الكسائي{[27444]} وأبو بكر عن عاصم " تُرْضَى " مبنيًّا للمفعول{[27445]} .
والباقون مبنيًّا للفاعل{[27446]} ، وعليه { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى }{[27447]} والمعنى : ترضى ما تنال من الشفاعة ، أو ترضى بما تنال من الثواب على ضم التاء كقوله : { وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً }{[27448]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.