{ وجاءه قومه يهرعون إليه } يسرعون إليه كأنهم يدفعون دفعا لطلب الفاحشة من أضيافه . { ومن قبل } أي ومن قبل ذلك الوقت . { كانوا يعملون السيئات } الفواحش فتمرنوا بها ولم يستحيوا منها حتى جاؤوا يهرعون لها مجاهرين . { قال يا قوم هؤلاء بناتي } فدى بهن أضيافه كرما وحمية ، والمعنى هؤلاء بناتي فتزوجوهن ، وكانوا يطلبونهن قبل فلا يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءتهم لا لحرمة المسلمات على الكفار فإنه شرع طارئ أو مبالغة في تناهي خبث ما يرومونه حتى إن ذلك أهون منه ، أو إظهاراً لشدة امتعاضه من ذلك كي يرقوا له . وقيل المراد بالبنات نساؤهم فإن كل نبي أبو أمته من حيث الشفقة والتربية وفي حرف ابن مسعود { وأزواجه أمهاتهم } وهو أب لهم { هن أطهر لكم } أنظف فعلا وأقل فحشا كقولك : الميتة أطيب من المغصوب وأحل منه . وقرئ { أطهر } بالنصب على الحال على أن هن خبر بناتي كقولك : هذا أخي هو الأفضل فإنه لا يقع بين الحال وصاحبها . { فاتقوا الله } بترك الفواحش أو بإيثارهن عليهم . { ولا تخزُونِ } ولا تفضحوني من الخزي ، أو ولا تخجلوني من الخزاية بمعنى الحياء . { في ضيفي } في شأنهم فإن إخزاء ضيف الرجل إخزاؤه . { أليس منكم رجل رشيد } يهتدي إلى الحق ويرعوي عن القبيح .
وقوله تعالى : { وجاءه قومه } الآية ، روي أن امرأة لوط الكافرة لما رأت ، الأضياف ورأت جمالهم وهيئتهم خرجت حتى أتت مجالس قومها فقالت لهم : إن لوطاً أضاف الليلة فتية ما رئي مثلهم جمالاً وكذا وكذا ، فحينئذ جاءوا { يهرعون إليه } ، ومعناه يسرعون ، والإهراع هو : أن يسرع أمر بالإنسان حتى يسير بين الخبب والجمز{[6444]} ، فهي مشية الأسير الذي يسرع به ، والطامع المبادر إلى أمر يخاف فوته ، ونحو هذا ؛ يقال هرع الرجل وأهرعه طمع أو عدو أو خوف ونحوه .
والقراءة المشهورة : «يُهرعون » بضم الياء أي يهرعون الطمع ، وقرأت فرقة : «يَهرعون » بفتح الياء ، من هرع ، ومن هذه اللفظة قول مهلهل : [ الوافر ]
فجاءوا يَهرعون وهم أسارى*** تقودُهم على رغم الأنوف{[6445]}
وقوله : { ومن قبل كانوا يعملون السيئات } ، أي كانت عادتهم إتيان الفاحشة في الرجال ، فجاءوا إلى الأضياف لذلك فقام إليهم لوط مدافعاً ، وقال : { هؤلاء بناتي } فقالت فرقة أشار إلى بنات نفسه وندبهم في هذه المقالة إلى النكاح ، وذلك على أن كانت سنتهم جواز نكاح الكافر المؤمنة ، أو على أن في ضمن كلامه أن يؤمنوا . وقالت فرقة : إنما كان الكلام مدافعة لم يرد إمضاؤه ، روي هذا القول عن أبي عبيدة ، وهو ضعيف ، وهذا كما يقال لمن ينهى عن مال الغير : الخنزير أحل لك من هذا وهذا التنطع ليس من كلام الأنبياء صلى الله عليهم وسلم ، وقالت فرقة : أشار بقوله : { بناتي } إلى النساء جملة إذ نبي القوم أب لهم ، ويقوي هذا أن في قراءة ابن مسعود { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم }{[6446]} وهو أب لهم وأشار أيضاً لوط - في هذا التأويل - إلى النكاح{[6447]} .
وقرأت فرقة - هي الجمهور - «هن أطهرُ » برفع الراء على خبر الابتداء ، وقرأ الحسن وعيسى بن عمر ومحمد بن مروان وسعيد بن جبير : «أطهرَ » بالنصب قال سيبويه : هو لحن ، قال أبو عمرو بن العلاء : احتبى فيه ابن مروان في لحنه{[6448]} ، ووجهه عند من قرأ به النصب على الحال بأن يكون { بناتي } ابتداء و { هن } خبره ، والجملة خبر { هؤلاء } .
قال القاضي أبو محمد : وهو إعراب مروي عن المبرد ، وذكره أبو الفتح وهو خطأ في معنى الآية ، وإنما قوم اللفظ فقط والمعنى إنما هو في قوله : { أطهر } وذلك قصد أن يخبر به فهي حال لا يستغنى عنها - كما تقدم في قوله : { وهذا بعلي شيخاً } [ هود : 72 ] ، والوجه أن يقال : { هؤلاء بناتي } ابتداء وخبر ، و { هن } فصل و { أطهر } حال وإن كان شرط الفصل أن يكون بين معرفتين ليفصل الكلام من النعت إلى الخبر ، فمن حيث كان الخبر هنا في { أطهر } ساغ القول بالفصل ، ولما لم يستسغ ذلك أبو عمرو ولا سيبويه لحنا ابن مروان ، وما كانا ليذهب عليهما ما ذكر أبو الفتح ، و «الضيف » : مصدر يوسف به الواحد والجماعة والمذكر والمؤنث{[6449]} ؛ ثم وبخهم بقوله : { أليس منكم رجل رشيد } أي يزعكم ويردكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.