السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَجَآءَهُۥ قَوۡمُهُۥ يُهۡرَعُونَ إِلَيۡهِ وَمِن قَبۡلُ كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ هَـٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ فِي ضَيۡفِيٓۖ أَلَيۡسَ مِنكُمۡ رَجُلٞ رَّشِيدٞ} (78)

{ وجاءه قومه } لما علموا بهم { يهرعون } ، أي : يسرعون { إليه } قاله ابن عباس وقال الحسن : الإهراع المشي بين مشيين . { ومن قبل } ، أي : قبل مجيئهم إلى لوط وقيل من قبل مجيء الرسل إليهم { كانوا يعملون السيئات } ، أي : الفعلات الخبيثة والفاحشة القبيحة وهي إتيان الرجال في أدبارهم . لوطٌ { قال } لقومه حين قصدوا أضيافه وظنوا أنهم غلمان من بني آدم { يا قوم هؤلاء بناتي } قال مجاهد وسعيد بن جبير : أراد ببناته نساء قومه ، وأضافهنّ إلى نفسه ؛ لأنّ كل نبي هو أبو أمّته كالوالد لهم ، أي : فتزوجوا منهنّ . وقيل : أراد بنات نفسه عرضهنّ عليهم بشرط الإسلام . وقيل : كان في ذلك الوقت وفي تلك الشريعة يباح تزويج المرأة المسلمة بالكافر كما زوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته من عتبة بن أبي لهب وأبي العاص بن الربيع قبل الوحي وهما كافران ، وقيل : كان لهم سيدان مطاعان فأراد أن يزوّجهما ابنتيه { هن أطهر لكم } ، أي : أنظف فعلاً . فإن قيل : أفعل التفضيل يقتضي كون العمل الذي يطلبونه طاهراً ومعلوم أنه فاسد ؛ لأنه لا طهارة في إتيان الرجال ؟ أجيب : بأنّ هذا جارٍ مجرى قوله تعالى : { أذلك خير نزلاً أم شجرة الزقوم } [ الصافات ، 62 ] ومعلوم أنّ شجرة الزقوم لا خير فيها وكقوله صلى الله عليه وسلم «لما قالوا يوم أحد : اعل هبل قال : الله أعلى وأجل » . ولا مماثلة بين الله تعالى والصنم وإنما هو كلام خرج مخرج المقابلة ولهذا نظائر كثيرة { فاتقوا الله } وراقبوه واتركوا ما أنتم عليه من الكفر والمعاصي { ولا تخزون } ، أي : تفضحوني { في ضيفي } ، أي : أضيافي { أليس منكم رجل رشيد } يهتدي إلى الحق فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر .