تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَجَآءَهُۥ قَوۡمُهُۥ يُهۡرَعُونَ إِلَيۡهِ وَمِن قَبۡلُ كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ هَـٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ فِي ضَيۡفِيٓۖ أَلَيۡسَ مِنكُمۡ رَجُلٞ رَّشِيدٞ} (78)

وقوله تعالى : ( وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ ) قال بعضهم : يسرعون إليه ، وقال بعضهم : ( يهرعون إليه ) أي يهرولون إليه ، وهو سير بين السعي وبين المشي ، بين بينين . وقال بعضهم : ( يهرعون إليه ) أي يهرولون إليه ، أي يروعون إليه ؛ من الروع أي فزعين إليه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ) هذا يحتمل وجهين :

[ أحدهما : يحتمل ][ في الأصل وم : قوله ] من قبل أن يبعث لوط رسولا إليهم كانوا يعملون السيئات .

والثاني[ في الأصل وم : و ] : يحتمل من قبل نزول الأضياف بلوط كانوا يعملون السيئات . والسيئات تحتمل الشرك وغيره من الفواحش التي يرتكبونها ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) اختلف في قوله : ( بناتي هن أطهر لكم ) قال بعضهم : أراد بنات قومه لأن الرسل هم كالآباء لأولاد قومهم ؛ ينسبون إليهم . ألا ترى إلى قوله : ( النبيء أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) ؟ [ الأحزاب : 6 ] وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه وهو أب لهم مما أزواجه أمهاتهم ، والنبيء أب[ في الأصل وم : أبا ] لهم . فعلى ذلك يحتمل قول لوط : ( هؤلاء بناتي ) أراد بنات قومه ، فنسبهن إلى نفسه لما ذكرنا أنه كالأب لهم .

ثم يحتمل معنى جعل النبي أولاد[ في الأصل وم : لأولاد ] قومه كالأب وأزواجه كالأمهات[ في الأصل وم : كالأم ] وجهين :

أحدهما : نسبوا إليه للشفقة ؛ فهو أشفق بهم من الأب والأم .

والثاني[ في الأصل وم : أو ] : لحق التربية وتعليم الدين كالأب لهم ، فهو أولى بهم من أنفسهم لهذين الوجهين .

وقال بعضهم : أراد بنات نفسه . ثم اختلف فيه : قال بعضهم : كان ذلك منه تعويضا[ في الأصل وم : تعريض ] لهم للنكاح بقوله : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) نكاحا إن كنتم مائلين للإيمان .

ومنهم من قال : هو تعويض منه لما هو زنى عندهم ، لا أنه عرض ذلك عند نفسه .

وهكذا كما يقولون : إن من أكره أن يشتم محمد صلى الله عليه وسلم فلا بأس بأن يشتم ، ويقصد بشتمه محمدا آخر ، يحل له شتمه ، وإن كان عند المكره أنه يشتم رسول الله بعد أن أخطر الشاتم في قلبه غيره .

وكذلك إن أكره أن يشتم الإله ، يقصد[ في الأصل وم : فيقصد ] بالشتم شتم آلهتهم ، وإن كان عندهم أنه إنما يشتم إلهه الذي يعبده .

فعلى ذلك يحتمل قول لوط : ( هن أطهر لكم ) تعريض زنى عندهم ، وإن كان عنده أنه ليس لذلك يقصد .

وقال قائلون : قال هذا ليريهم قبح الفعل الذي كانوا يقصدون لأضيافه لأن الزنا كان عندهم محرما[ في الأصل وم : محرم ] فعرض عليهم بناته ليعرفوا قبح ذلك الفعل حين[ في الأصل وم : حيث ] احتمل قلبه في بناته ولم يحتمله[ في الأصل وم : يحتمل ] في أضيافه ليمتنعوا عن ذلك .

أو يحتمل أن يكون قال ذلك ، وإن كان كلاهما لا يحلان ، لكن أحدهما أيسر وأهون ، ويجوز الجمع بين شرين فيقال : هذا أطهر وأحل من هذا ، وهذا أيسر من هذا وأهون ، وإن كان كلاهما شرين . فالزنى ، وإن كان حراما فذلك مما يحل ، وأدبار الرجال لا تحل بحال .

وقال بعضهم : إنهم كانوا يخطبون بناته ، وكان أبى أن يزوجهن منهم لما لم يكونوا أكفاء[ في الأصل وم : كفوا ] لهن ، ثم عرض عليهم [ ذلك ][ ساقطة من الأصل وم ] في ذلك الوقت ليعلموا قبح ذلك الفعل الذي قصدوا بأضيافه ، أو كلاما[ في الأصل وم : كلام ] نحو هذا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي ) وقال في موضع آخر : ( فلا تفضحون )[ الحجر : 68 ] ليعلم أن الإخزاء هو الفضيحة . هذا يدل أن الخزي هو الذي يفضح من نزل به .

وقوله تعالى : ( أليس منكم رجل رشيد ) قال بعضهم : هو أن يزوج بعض بناته من يصدر لرأيه ، فيمنع عنه ؛ كأنه يقول : أليس منكم من يرشد ؟ ويصدروا لرأيه ؟

وقوله تعالى : ( أليس منكم رجل رشيد ) أي ليس منكم رجل يقبل الموعظة ؟ ويرشدكم ؛ ويعظكم ؟ أو يقول ( أليس منكم رجل رشيد ) على النفي فيمنعهم عما يريدون ويقصدون .