فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَجَآءَهُۥ قَوۡمُهُۥ يُهۡرَعُونَ إِلَيۡهِ وَمِن قَبۡلُ كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ هَـٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ فِي ضَيۡفِيٓۖ أَلَيۡسَ مِنكُمۡ رَجُلٞ رَّشِيدٞ} (78)

{ وجاءه قومه يهرعون إليه } أي جاءوا لوطا يسرعون إليه قاله قتادة ، وقال الكسائي والفراء وغيرهما من أهل اللغة : لا يكون الإهراع إلا إسراعا مع رعدة يقال أهرع الرجل إهراعا أي أسرع في رعدة من برد أو غضب أو حمى وقيل يهرولون قاله مجاهد ، وقيل هو مشي بين الهرولة والعدو ، قاله الحسن وقال شمر : هو بين الهرولة والخبب والجمز .

والمعنى أن قوم لوط لما بلغهم مجيء الملائكة في تلك الصورة أسرعوا إليه كأنما يدفعون دفعا لطلب الفاحشة من أضيافه { ومن قبل } أي ومن قبل مجيء الرسل { كانوا يعملون السيئات } أي يأتون الرجال في أدبارهم وكانت ذلك عادتهم فلا حياء عندهم منها فلما جاؤوا إلى لوط وقصدوا أضيافه لذلك العمل قام إليهم لوط مدافعا .

{ قال يا قوم } خاطبهم بهذا الخطاب وهم من وراء الباب خارجه { هؤلاء بناتي } أي تزوجوهن ودعوا ما تطلبونه من الفاحشة بأضيافي ، وقد كان له ثلاث بنات وقيل ابنتان وكانوا يطلبون منه أن يزوجهم بهن فيمتنع لخبثهم لا لعدم كفاءتهم وكان لهم سيدان مطاعان فأراد أن يزوجهما بنتيه والمراد بالجمع ما فوق الواحد .

وقيل أراد بقوله هؤلاء بناتي النساء جملة لأن نبي القوم أب لهم قاله ابن عباس وهو قول مجاهد وسعيد ابن جبير قال الكرخي : وهذا القول أولى لأن إقدام الإنسان على عرض بناته على الأوباش والفجار مستبعد لا يليق بأهل المروءة فكيف بالأنبياء . وأيضا فبناته لا تكفي الجمع العظيم أما بنات أمته ففيهن كفاية للكل انتهى .

لكن فيه مخالفة لظاهر النظم ، وقيل كان في ملته يجوز تزوج الكافر بالمسلمة قال قتادة : المراد بناته لصلبه ، وفي أضيافه ببناته ، وقال الحسين ابن الفضل : عرض بناته عليهم بشرط الإسلام وقالت طائفة : أما كان هذا القول منه على طريق المدافعة ولم يرد الحقيقة ، وعن حذيفة ابن اليمان قال : عرض عليهم بناته تزويجا وأراد أن يقي أضيافه بتزويج بناته .

{ هن أطهر لكم } أي أحل وأنزه والتطهر التنزه عما لا يحل وليس في صيغة أطهر دلالة على التفضيل بل هي مثل { الله أكبر } وقرأ الحسن وعيسى ابن عمر بنصب أطهر ، وقرأ الباقون بالرفع ، ووجه النصب أن يكون اسم إشارة مبتدأ وخبره بناتي . وهن ضمير فصل وأطهر حال ، وقد منع الخليل وسيبويه والأخفش مثل هذا لأن ضمير الفصل الذي يسمى عمادا إنما يكون بين كلامين بحيث لا يتم الكلام إلا بما بعدها نحو كان زيد هو أخاك { فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي } أي اتقوا الله بترك ما تريدون من الفاحشة بهم ولا تذلوني وتجلبوا علي العار في ضيفي ، والضيف يطلق على الواحد والاثنين والجماعة ، لأنه في الأصل مصدر ومنه قول الشاعر :

لا تعدمي الدهر شفار الجازر للضيف والضيف أحق زائر .

ويجوز فيه التثنية والجمع والأول أكثر يقال خزي الرجل خزاية ، أي استحيا أو ذل أو هان . وخزي خزيا : إذا افتضح ومعنى في ضيفي : في حق ضيفي ، فخزي الضيف خزى للمضيف ، ثم وبخهم فقال { أليس منكم رجل رشيد } يرشدكم إلى ترك هذا العمل القبيح ويمنعكم منه ،