الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَجَآءَهُۥ قَوۡمُهُۥ يُهۡرَعُونَ إِلَيۡهِ وَمِن قَبۡلُ كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ هَـٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ فِي ضَيۡفِيٓۖ أَلَيۡسَ مِنكُمۡ رَجُلٞ رَّشِيدٞ} (78)

{ وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } قال ابن عباس وقتادة والسدّي : يُسرعون ، ومجاهد : يهرولون ، الضحاك : يسعون ، ابن عيينة : كأنهم يُدفعون ، شمر بن عطية : مشي بين الهرولة والجمزى ، الحسن : مشي بين مشيتين ، قال أهل اللغة : يقال : أهرع الرجل من برد وغضب أو أهرع إذا أرعد فهو مُهرع إذا كان معجلا مسرعاً ، قال مُهلهل :

فجاءوا يهرعون وهم أُسارى *** يقودهم على رغم الأنوفِ

وقال الراجز :بمعجلات نحوه مهارع

{ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ } أي من قبل مجيء الرسل إلى لوط كانوا يأتون الرجال في أدبارهم ، فقال لهم لوط حين قصدوا أضيافه وظنوا أنهم غلمان : { يقَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } واختلفوا في معنى قوله ، قال محمد بن الفضل : يعني على شريعة الإسلام . وقال تميم : فلعلّ ذلك إلاّ إذا كان تزويجه بناته من الكفرة جائزاً كما زوج النبي صلى الله عليه وسلم بنتيه من عتبة بن أبي لهب وأبي العاص بن الربيع قبل الوحي وكانا كافرين ، وقال مجاهد وسعيد بن جبير : أراد بقوله بناتي : النساء ، وكلّ نبي أبو أمّته . وقرأ بعض القراء

{ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [ الأحزاب : 6 ] وهو أب لهم ، وقال بعضهم : كان لهم سيّدان مطاعان فأراد أن يزوجهما بنتيه ، زعوراء وريثا .

وقوله : ( هنّ أطهر لكم ) قراءة العامة برفع الراء ، وقرأ الحسن وعيسى بن عمرو : ( أطهر ) بالنصب على الحال ، فإن قيل : فأي طهارة في نكاح الرجال حتى قال لبناته هن أطهر لكم ؟ قيل : ليس هذا زيادة النسل ، إنما يقال ليس ألف «أطهر » للتفضيل وهذا سائغ جائز في كلام العرب كقول الناس : الله أكبر ، فهل يكابر الله أحد حتى يكون هو أكبر منه ؟ ويدلّ عليه ما روي " عن أبي سفيان حين قال يوم أحد : أعلُ هبل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : قل الله أعلى وأجل " ، وهبل لم يكن قط عالياً .

{ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي } أي لا تهينوني فيهم بركوبهم ، وهم لا يركبون ، وعجزي من دفعهم عنهم . وقيل : أراد ولا تشهروني بهم . تقول العرب : خزي خزياً إذا افتضح ، وخزي يخزي خزاية بمعنى الاستحياء ، قال ذو الرمة :

خزاية أدركته بعد جولته *** من جانب الحبل مخلوطاً بها الغضب

{ أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } صالح ، قال ابن عباس : معناه رجل يأمر المعروف وينهى عن المنكر .